حوارية (142) كيف لا أقع في فخ التقديس الأعمى أو التسقيط في شخصية العلماء ؟
زاهر حسين العبدالله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
زاهر حسين العبدالله

السائل:
أنا شاب جامعي أمر بتجربة أزعجتني وأشعر أنها غير صحية وهي عبادة المرجعيات مع الإشارة بتسقيط مرجعيات أخرى. وبعبارة أخرى مع فارق التشبيه أشعر أن المرجعيات أفرقة كرة قدم وكل فريق يشجعه طرف ويتعصب له ولا يقبل عليه الخطأ ويستهزئ بالفريق الآخر وأريد خطاً وسطاً متوازناً أستقيه من مدرسة محمد وآل محمد يجعلني أحترم المراجع دون إفراط في تعظيمهم ودون تقصير في حقهم فهل هناك منهج أتبعه يجعلني في خط متوازن أرجو إرشادي له؟
الجواب بسمه تعالى:
مقدمة هامة:
المرجعية مقام عظيم وتكليف ثقيل المؤونة على المتصدي له. وغالباً من يتصدى للمرجعية خصوصاً المعروفين في الأوساط العلمية والمعروفة سيرتهم العلمية درساً وتدريساً وتقريراً وتأليفاً يهربون من هذا المقام ويدعون الله أن لا يبتليهم الله بهذا التكليف العسير الذي يحمل في طياته أمانة عظيمة في حمل أعمال العباد من حلالهم وحرامهم بما يستنبطونه من أحكام الشريعة من القرآن الكريم وسنة النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم والعترة الطاهرة عليهم السلام. ولذا ورد في الرواية
عن الإمام محمد بن علي الجواد عليهما السلام: من تكفل بأيتام آل محمد المنقطعين عن إمامهم المتحيرين في جهلهم، الأُسراء في أيدي شياطينهم، وفي أيدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم، وأخرجهم من حيرتهم، وقهر الشياطين برد وساوسهم، وقهر الناصبين بحجج ربهم ودليل أئمتهم ليفضلوا عند الله تعالى على العباد بأفضل المواقع بأكثر من فضل السماء على الأرض والعرش والكرسي والحجب على السماء، وفضلهم على هذا العابد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء. (١)
ونحتاج أن نعرف منك ما هو مفهوم التقديس المذموم عندك وتريد ألا يقع فيه الشباب؟
السائل:
أنا أفهم التقديس كما أراه من أفعال الشباب الذين حولي أنهم يبالغون في مدح من يتبعونهم من المراجع حتى يوصلوهم إلى درجة العصمة وهم لا يشعرون أو لا يقصدون. وذلك من خلال تعظيم أقوالهم، وأفعالهم. والاستخفاف من أقوال وأفعال الآخرين من المراجع. ومن مظاهر الغلو فيهم أن ينشدوا القصائد التي تحمل في طياتها مقام المعصومين عليهم السلام. ووضع صورهم في كل مكان في المواقع ووسائل التواصل. ووصل الأمر فيهم أن يضعونهم في قصائدهم الحسينية العزائية وينتهكون كل مرجعية غير مرجعهم بالتهجم والتسقيط. وهنا سؤال بما أنك تتكلم في المنهج الأساس هل هناك دليل من القرآن الكريم والعترة الطاهرة على اتباع المراجع المتصدين المشهورين في الأوساط الحوزوية وما يحملهم من صفات من أهل الخبرة كالعدل والورع والتقوى والعلم وغيرها؟
الجواب:
نعم هناك أدلة نقلية وعقلية على اتباع المراجع أكثر فيها العلماء بحثاً وتحقيقاً وتجدها في كل أبواب التقليد في بحوثهم الاستدلالية ولكن سأضع بين يديك أدلة بديهية في ضرورة اتباع المراجع بالعقل والنقل .
الأدلة العقلية:
العقل يقضي بدفع الضرر المحتمل وأعمال العباد متوقفة على صحة العمل والإنسان غير المختص لا يملك الأدوات التي تؤهله معرفة كل التكاليف الشرعية من الحلال والحرام والمستحب والمكروه والمباح التي عليها مدار الأحكام في هذه الحياة فإما أن يعمل فيها برأيه دون تثبت وبينة تفرغ ذمته أمام الله وعهدة التكليف الموجه له. أو يرجع إلى مرجع يمتلك الأدوات التي تؤهله لاستنباط الأحكام الشرعية من مصادرها التفصيلية من القرآن الكريم والعترة الطاهرة فالعقل هنا يحكم بدفع الضرر المحتمل فيختار وهو الأصح الذي يبرئ ذمته فيقلد المختص المؤهل في الأحكام الشرعية كي يخرج من عهدة التكليف. من هنا أوجب العقل وجوب رجوع الجاهل في الأحكام إلى العالم بها. وهذه قاعدة عامة صالحة في جميع التخصصات وليس الدينية فقط.
وفي مقام العمل بالتكليف صار الإنسان أمام خيارات ثلاث إما أن يكون مجتهداً يستطيع أن يستنبط الأحكام الشرعية أو محتاطاً يأخذ أحوط الأقوال في الأحكام أو مقلداً يرجع في تكاليفه الشرعية للمرجع المؤهل وفق بينات أهل الخبرة فتفرغ ذمته أمام الله. وهذا حالك وحالي هو القسم الأخير أن نكون مقلدين.
أما الدليل النقلي:
ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام في تفسير الإمام العسكري: بالإسناد عن أبي محمد عليه السلام قال: قال علي بن محمد عليهما السلام: لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا عليه السلام من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة، كما يمسك صاحب السفينة سكانها أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل. (٢)
فسيتخرج المختصون من هذه الروايات بما يعرفونه من كلام أهل البيت أنه يجب الرجوع في التكاليف الشرعية إلى من يعرف الحلال والحرام وبقية الأحكام لأنه مختص في فهم كلامهم عليهم السلام. وهناك رواية تؤكد هذا المعنى وهي التوقيع الشريف الصادر من مولانا صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه ) حين سئل لمن نرجع في الحلال والحرام في غيبتك؟
فقال: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله. (٣). وأن يكون المختص يعرف كيف يعرض كلامهم على كتاب الله سبحانه كما ورد في الرواية في حال الخلاف عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه. وفي رواية أخرى حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا تثق به؟ قال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وإلا فالذي جاء كم به أولى به. (٤)
فهذه الروايات تحتاج لمختص مؤهل يعرف معاني القرآن الكريم بعمق وكلام أهل البيت عليهم السلام بعمق كي يجمع الآيات والروايات ليستخرج منها الأحكام الشرعية لنفسه وللناس
والسؤال من هو المصداق الأجلى لهذا المختص؟ هم مراجع الدين المتصدين الذين أعطانا مواصفاتهم الإمام الجواد في مقدم الكلام.
السائل:
أحسنت أفهم من كلامك أن أهل البيت أمرونا أن نحترم العلماء وخصوصاً المراجع المتصدين الذين تنطبق عليهم رواية الإمام الجواد من إنقاذ الشيعة من حيرة الضلالة وصدهم عن وساوس الشيطان وقهر الناصبين بالحجج الدامغة كي لا نقع في الردة عن دين الله سبحانه. ولذلك العقل يُوجب دفع الضرر المحتمل المفروض نسمع كلامهم لإنقاذ أنفسنا من عهدة التكليف يوم القيامة.
طيب
ما هو الحد العقلاني في احترام العلماء حفظهم الله ولا نغلو فيهم؟
الجواب:
عندنا روايتان مهمتان توضح لنا من هو العالم الذي علينا اتباعه وتقديره واحترامه وتعظيمه إضافةً على ما تقدم من الروايات. فالأولى أساس للثانية
الرواية الأولى:
عن الإمام علي (عليه السلام): إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله.
وفي لفظ آخر : إن الحق والباطل لا يعرفان بالناس، ولكن اعرف الحق باتباع من اتبعه، والباطل باجتناب من اجتنبه. (٥)
فمتى ما عرفت الحق ستعرف من هم أهله وذلك باتباعهم إياه
والرواية الثانية: صفات العالم الذي ينبغي أن تجلس عنده وتأخذ معالم دينك منه والعالم الذي لا تأخذ منه ديناً.
عن الإمام موسى بن جعفر عن آبائه الطاهرين قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تجلسوا عند كل عالم يدعوكم إلا عالم يدعوكم من الخمس إلى الخمس: من الشك إلى اليقين، ومن الكبر إلى التواضع، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن العداوة إلى النصيحة، ومن الرغبة إلى الزهد. (٦).
بناءً على هاتين الروايتين وضعت لنا حدود نقف فيها على ميزان لو تجاوزه المرجع لا سمح الله لا يستحق أن تتبعه مهما بلغ من ضخ إعلامي زسله على لسان المادحين له. ولكن إذا التزم بالحق وامتاز بوصف الرواية الثانية له كامل التقدير والاحترام والتعظيم.
فيكون الحد العقلاني في احترام العلماء هو مدى تأدية أمانته الشرعية بالشكل الذي رسمه أهل البيت عليهم السلام وتعظيمهم مبني على انتمائهم لأهل البيت عليهم السلام وأنهم وسطاء يقومون بواجب الخدمة في هداية الناس بتعاليم أهل البيت عليهم السلام فلولا ذلك لم يستحق أحدهم التعظيم والتفضيل.
أما أفعال بعض الشباب وما يقومون به من مبالغة في تعظيم غير مبرر بقصد منهم أو بغير قصد فالعاقل الحكيم لا يأخذ منهم ديناً ولا يتأثر بهم إذا تركوا الرمزية للمرجعية ودورها الرسالي في الأمة وتمسكوا بشخص المرجعية فعبدوه من حيث لا يشعرون بدافع العاطفة الجارفة أو من باب التعصب الأعمى وكثير من المراجع المتصدين والمؤهلين حفظهم الله تعالى بلسان أهل الخبرة يرفضون أي مدح وتعظيم لهم وإخراجهم من دورهم الرسالي والأمانة التي حملوها في خدمة الدين وهناك كثير من الشواهد حين يمدحهم أحد فإنهم يستنكرون على من يمدحهم ويعظمهم بشكل يسيء لهم وينقص من قدرهم بسبب ما يعطيه هذا المدح من رسائل سلبية على المراجع المتصدين الآخرين . فإنك لو علمت ما هي علاقة المراجع ببعضهم من الاحترام والتقدير والإجلال لوقفت خجلاً من تمييزك مرجعك عنهم.
السائل:
أحسنتم طيب متى أشعر أني بالغت في شخصية المرجع وخرجت عن حدود الاحترام التي أوصى بها أهل البيت عليهم السلام؟
الجواب:
سأختصر الجواب في نقاط
١-إذا مدحت مرجعك وفي نفسك أن غيره لا يستحق المرجعية.
٢-إذا وجدت ضيقا في نفسك إذا مُدح غير مرجعك فتحاول توهين ما سمعت.
٣-إذا حرمت نفسك من خدمة المؤمنين لأنهم يقلدون غير مرجعك.
٤-إذا وجدت نفسك تعطي العصمة لاختيارك وتسلبه من غيرك فكل واحد عنده بينته.
٥-إذا جعلت مرجعيتك محطة للخلاف بينك وبين الآخرين ولم تجعله محطة للقاء.
٦-إذا تجاوزت بلسانك وأفعالك على مراجع الآخرين دون دليل وحجة تبرئ ذمتك.
٧-إذا أوصلت مرجعك في مصاف المصطفين من عباد الله أهل البيت أو أصحابهم الخلص كالعباس والسيدة زينب عليهم السلام ودونهم مثل سلمان المحمدي وعمار وأبي ذر رضوان الله عليهم.
هذا المقدار يكفي لجواب السؤال هل عندك سؤال آخر ؟
السائل:
أحسنتم يكفي ما ذكرت فقد وضعتني في حد العقل المتوازن الذي يحترم المراجع دون تفريط في تقديسهم وتعظيمهم ودون تقصير في أداء حقهم والذي فضلهم الله سبحانه بما أفنوا عمرهم في هداية الناس وإلا اتخذ الشباب معياراً في تقييم المراجع بل المعيار ما ذكرتموه من روايات أهل البيت عليهم السلام أشكرك ورحم الله والديك.
الجواب:
وأشكرك على حسن ظنك وأسأل الله سبحانه أني وفقت لخدمتك وخدمة من سيقرأ هذه الحوارية ونرجو المعذرة من الله ثم منكم لو ورد فيها ما لا يقبله أهل البيت عليه السلام فقد اجتهدت بما أعلم والله خير العاذرين.
بقلم: زاهر حسين العبد الله
المصادر:
(1) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢ - الصفحة ٦.
(2) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢ - الصفحة ٦.
(3) الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ٢٨٣.
(4) الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٦٩.
(5) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ١ - الصفحة ٦٥٨.
(6) الاختصاص - الشيخ المفيد - الصفحة ٣٣٥.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat