تعد اللغة الخشنة أحدى أهم الوسائل الاستفزازية التي لها إمكانية تحرير الأفكار الالحادية، لذلك غالبا ما تنتهي المناظرات بالصراخ.
سألت يوما أحد الملحدين لماذا لا تستخدمون في حواراتكم العقل والمنطق واللغة الناعمة؟
أجابني: ـ الشتائم أكثر نفعا من المنطق، لكني لم أكن أتصور إطلاقا أن أجد أسماء وعناوين لكتب بذيئة جدا، لا أستطيع أن أذكرها لقبحها وشناعتها، هذا ما قاله أكثر من مترجم، ويعدها البعض جرأة بذيئة، ويكفي أنهم لا يحترمون مقدسا.
وجود موقع الحوار المتمدن اليوم وبعض المواقع الأخرى التي تتجاوز على الدين والقرآن الكريم تكشف عن حجم التجاوز، وهذا مما يدل أن الإلحاد لا يقدر على الانتشار إلا بالطرق الدونية.
يرى (ريتشارد دوكنز) ن اسم الإلحاد وحده يسبب الانزعاج والتنافر ويعرقل عملية تقبل الناس، لهذا يرى لا بد من إيجاد عنوان جديد للإلحاد واستبدال اسم الملحد، والملاحظ أن الخط الاستفزازي لم يكن من صناعة مزاج معين بل هو تقنية من التقنيات التي يعتمدون عليها.
يقول أحد مفكريهم ما عاد الملحد اللطيف يأتي بنتيجة، لنتأمل في حجم الدعوة السخيفة التي يعبر عنها بأن لا بد لعدوانية الإلحاد بالتفاعل والتنامي حتى نصل مرحلة الإلحاد الوقح، بينما الحقيقة تحتاج إلى غير هذا, فخشونة الخطاب تفتقد المهنية، وتضر الخطاب العام، هذا إذا كانوا يعتقدون بأن الالحاد ثقافة، الدعوة إلى خشونة اللغة والوقاحة تضعهم في قائمة الإرهاب، هؤلاء الذي يعتبرون أنفسهم دعاة للإلحاد، وفي الواقع الحياتي ليس لهم وجود يذكر، إنما ميدانهم وسائل التواصل الاجتماعي، وصار على المواقع الالكترونية لهم مدارس ومناهج.
من خلال متابعتي لهم وجدتهم لا يمتلكون سوى خشونة اللغة والسخرية من الدين، ونحن نؤمن بطبيعة الحال أن الدين يصنع الأخلاق، لهذا هم عاجزون عن الأخلاق لأنهم بلا دين، إذ لو كانوا يؤمنون بالله والحساب والدين لعرفوا أدب التعامل وثقافة التحاور واحترام مبادئ الناس.
منذ قرون وهم يبحثون في مسألة واحدة، ما هو الخطأ في الدين؟ أين هو الضرر من الدين؟
لماذا لا يعيش الملحد مستقلا ويترك الناس بدينهم، يتحدثون عن إرهاب الدين، ونحن نعتقد أن كل إرهاب هو بعيد عن الدين، لا وجود للإرهاب في مفهوم الدين، بل هناك إرهاب الإلحاد، إرهاب اللا مسؤولية، إرهاب الانفلات من روحية الدين،
هناك كتب وإصدارات تعترف بخشونة الخطاب الإلحادي، حتى صار بعض الكتاب يؤسس لفكرة الإلحاد اللطيف، كيف نكون أخلاقيين دون الحاجة إلى دين، يرفض (بيتر هيجز) صاحب النوبل خشونة الخطاب عند الملحدين، ويرفض الإلحاد الوقح، وكتب (مايكل روس) صاحب ترجمة داروين أن خشونة الخطاب ووقاحة التعامل مع الدين هو عجز عن قراءة الدين.
لا يمتلكون الإرادة الواعية لدراسة الدين لكي يعرِّفون على الأقل ماذا يقبلون وماذا يرفضون من الدين، ولذلك نقول أن حرب الإلحاد ضد الدين هي حرب ضد أصحاب النوايا الطيبة، وحزمة من الفلاسفة يكتبون أن حوار الملحدين مع الدين وأهل الدين يشكل كارثة، لأنهم أخذوا الأمور بلا معرفة، (باول كرتز) يرى أن الإلحاد الغاضب لا منفعة فيه سوى أنه يعبر عن ضيق الأفق الثقافي وعدم فهمهم بالقيم الإنسانية، الدين أخلاق، فأين الملحد الذي يستطيع أن يتسامى لأخلاق الدين.
يدعون العلم وهم لا يمتلكون قاعدة علمية، الدين يعلم الأجيال الاحترام والإلحاد لا يجيد احترام الذات، يحاول بعض الكتاب العرب من اللذين يميلون للانفلات عن رؤى الدين أن يسلطوا الأضواء على كتب الملاحدة، لكنهم يدثرون النقود الموجهة للإلحاد في العالم الغربي ومن قبل فلاسفة الغرب، يتحدثون عن كتاب (وهم الإله) لدوكنز لكنهم يحجبون الكتب التي كتبت عن (وهم دوكنز).
الآن صرنا نفهم الأخطاء التي كنا نمارسها أيام كنا صغارا، كنا أصغر من أن نكتشف الأخطاء إلى حين كبرنا، تعلمنا أن الخطأ الأكبر الذي كنا نماسه، كنا نقدم أنفسنا للمجتمع العراقي من خلال هجومنا على نفي الله سبحانه تعالى وعلى الدين ولا نعرف كيف نقدم أنفسنا للناس، لا نمتلك منهجا علميا، مجرد أننا نتهم الناس بمعتقداتهم ونتهمهم بالوهم ونحن أكبر الواهمين، كنا نعتقد أن تجاهل المنطق ثقافة وإذا بنا مهرطقين لا نمتلك سوى عدوانية الرؤى وخشونة الخطاب ووقاحة المعنى ونمتلك النفس العدائية بقوة، هذه حقيقتنا، فليس هناك وقت للمواربة والخداع.
وكونت فرادتها لما تخلدت كل هذا الخلود، ثورة الإمام الحسين عليه السلام كانت لها أهداف بعيدة المدى، ولم تكن ثورة لمجرد الثورة، وإنما كانت وسيلة تحقيق أهداف كبرى لولاها ما كان الدين.
صرت أؤمن بأن الدخول إلى ثورة الحسين عليه السلام، لا بد أن يمر من معرفة هذه الحيثيات، التأريخ ليس تابوتا تغفو فيه الذاكرة، ذاكرة التأريخ يقظة تدرك تماما أن المجتمع المسلم أصابه ملل من الحروب والصراعات والرغبة في السكون والدعة، الحسين عليه السلام يعرف تماما أن الجراح لا بد أن تتحمل النزف إلى حين، الأمور غير مهيئة لأي ثورة، لو نتابع الحروب التي مرت على الامة، (الجمل، صفين، النهروان) والحروب الخاطفة التي نشبت بين قوات معاوية ومراكز الحدود في العراق وفي الحجاز واليمن، بعد التحكيم مالت الناس إلى الدعة وإلى السلم، تثاقلوا بالاستجابة للإمام علي عليه السلام للخروج ثانية بصفين، وبرزت ظاهرة التثاقل حين دعاهم الإمام الحسن عليه السلام، كانت الاستجابة بطيئة، كان الإمام الحسين عليه السلام يمتلك الرؤية الواضحة لا ثورة في عهد معاوية لأن المجتمع الإسلامي غير مهيئا للثورة، ويحتاج إلى تربية جيل جديد من الكوادر الرسالية الموالية بصدق بمدرسة أهل البيت عليهم السلام، رفض أن ينقض المعاهدة، وأن الثورة لها ظروفها وشروطها ووقتها ومعانيها في كربلاء والطف المبارك.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat