هل تنجح المفاوضات بين أمريكا وإيران في استبعاد شبح الحرب؟
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

فيما تتواصل المفاوضات الغير مباشرة بين وزير الخارجية الإيراني الدكتور (عباس عراقجي)، وممثل الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) بالوساطة العمانية، ينتظر العالم بلهف وفضول شديدين، ما ستسفر عليه جولاتها من نتيجة، يرجّح البعض أنّها سوف تنتهي إلى اتفاق بين الطرفين، فيما يستبعد آخرون أن تسفر على شيء طالت مفاوضاتها أم قصرت، بالنظر إلى تشدّد كل طرف بما يراه يخدم مصلحة بلاده.
ما يدعوا إلى الاستغراب والاستهجان هنا ما يروّجه أعداء نهج المقاومة، من أنّ إيران تخلّت عن فصائله، وتركتهم في لبنان وفلسطين واليمن يواجهون مصيرهم بأنفسهم، وهي دعاية لا نشكّ في أنّها من صناعة الغرب الصهيوني بثّها في أوساط متخاذلي العرب من اعلاميين مأجورين وأعداء نهج المقاومة المؤلف من فرق وأحزاب لا تريد له البقاء والنجاح في ردع إسرائيل، وتأمل في التخلص من وجوده حركات وأفراد وحتى حاضنة شعبية في أقرب وقت، باعتباره عائقا يحول دون مصالحهم في أن تعود لبنان كما كانت قبل انتصار الثورة الإسلامية مهيعا للفسّاق والفجّار يرتكبون فيها ما راق لهم من موبقات.
ومن جانب آخر يأمل الرئيس الأمريكي في التوصّل إلى نتيجة ما، من شأنها أن ترضي طموحه بشأن إيران، وهو طموح لا يقتصر على الملفّ النووي فقط، وإن كان هذا هو أساس الخلاف بين إيران وأمريكا، ومن ورائها دول الغرب التي بقيت سلبية في مواقفها، منذ خروج الرئيس الأمريكي من الاتفاق 5+1، بل إن مدير وكالة الطاقة النووية (غاروسي) كان بين الحين والآخر يدلي بتصريحات خبيثة مشككة في سلمية البرنامج الإيراني.
يبدو من خلال عرض ترامب التفاوض مع إيران، أنّه استبعد الحلّ العسكري الذي كان سيقدم عليه بتحريض إسرائيلي معروف، والذي دعاه إلى ترجيح الخيار الدبلوماسي، هم بالتأكيد قادته العسكريين الميدانيين في المنطقة من خلال تقاريرهم التي أرسلوا بها إلى قيادتهم في البنتاغون، والتي ذكروا فيها أوّلا ما أصاب قاعدة عين الأسد في العراق وما لحق بوكر الجاسوسية الصهيوني بأربيل، وما وقفوا على نتائجه الميدانية، بعد انتهاء رجم القواعد الإسرائيلية بالصواريخ في عمليّة الوعد الصادق1، وما تلاقيه البوارج الأمريكية منذ مدّة من الجيش اليمني، من قصف بالصواريخ والمسيّرات، ما دفعها إلى الفرار بعيدا إلى شمالي البحر الأحمر اتقاء ضربات أنصار الله اليمنية.
وسواء اقتنع الرئيس الأمريكي بقدرات ايران ومحورها المقاوم المبارك، أم لم يقتنع، فإنّه يبدو غير قادر على مواجهة إيران عسكريا، بإمكانه أن يقوم بعمل أحمق- والمستكبرون عادة ما يركبهم الحمق - وهو امر محتمل الوقوع، لكنّه غير قادر على انهاء المواجهة، ولا تحديد نسبة خسائره فيها، وجميع ذلك لا قدرة له على إحصاء ولا إنهاء شيء منه، إذًا يبدو أن ترامب تراجع عن توجيه ضربات لإيران، بسبب تحذيرات قادته العسكريين، من وخامة أيّ هجوم عليها، ما سيعطيها مبرّرا كافيا للرّدّ على العدوان الأمريكي ومن سيشترك معه، في ضرب المصالح الأمريكية في الخليج والنقاط التي انطلق منها العدوان، وتبدو إسرائيل هدف إيران الأكبر، ومن المحتمل بل من المرجح أن يكون للعمق الأمريكي نصيب من الرّدّ.
شرط إيران في حصر المفاوضات في الملف النووي السلمي، لا يعني أنّ أمريكا سوف تقف عنده، بل ستحاول بأي شكل من الأشكال أن تضيف إليه البرنامج الصاروخي، وإن كانت تعتبِر أنه من سابع المستحيلات أن تقبل إيران بالتفاوض على سلاحها الاستراتيجي، والحدّ من قدراتها فيه - مهما بلغت حوافز أمريكا ودول الغرب بشأنه - وذلك نابع من إيمانها الكامل بأنّه بالنسبة إليها ضمانة قوّة رهيبة، وحصانة مخيفة لأعدائها، وقادة إيران لا يزال موقف العالم السّلبي بشقّيه الغربي والشرقي، في الامتناع عن بيع السلاح إليها، لمواجهة العدوان الصدّامي المجرم، عليها خلال الثماني سنوات (1980/1988)، وايران أصبحت بعد ذلك على قناعة تامة أنّه يجب عليها خوض تجارب في صناعة أسلحتها المتنوّعة بخبرات علمائها ومهندسيها، وقد وصلت اليوم إلى تحقيق نتائج باهرة، في مجالات واختصاصات متعددة برا وبحرا وجوّا.
ومحاولة التطرّق إلى البرنامج الصاروخي الإيراني من طرف المفاوض الأمريكي، من شأنه أن يوقف سير المفاوضات وينهي أعمالها، ومخاتلة أمريكا لإيران في هذا الخصوص لن تنجح مهما عرض الأمريكيون عليها من حوافز، ذلك أن المستوى الذي بلغته إيران - ولا تزال تعمل على تطويره - يجعلها من بين الدّول المتقدمة في هذه الصناعات الاستراتيجية، بل والمتفوّقة فيه تماما، مجرّد مراجعة بسيطة لقدرات الصواريخ الإيرانية، في دقتها وفاعليتها بعد الضربات التي وجهتها إلى أعدائها، تكفي للدلالة على أنّها سلاح فتّاك يخافه الأعداء، ولأجل ذلك يحلمون بالحد من مداياته وفاعلية تدميره.
الأمريكيون مدركون تمام الإدراك، أنّ إيران بمقتضى دينها الإسلامي، في حرمة قتل الأنفس بغير وجه حق، لا تسعى إلى تحويل برنامجها السلمي - بعد النجاحات الباهرة التي حققتها في مختلف مجالاته - إلى برنامج عسكري يفضي إلى امتلاك قنابل أو رؤوس نووية، لكن إيران في حال إقدام أعدائها على ضربها بأسلحة غير تقليدية، سيجعلها تردّ على أعدائها بنفس السلاح، ولن يُعْجِزها شيء من صناعته، عملا بقوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فأعتدوا عليهم بمثل ما اعتدى عليكم)(1)
بعد انتهاء الجولة الثانية يوم السبت 19/4/2025 من المفاوضات الغير مباشرة بين ايران والولايات المتحدة الأمريكية، صرّح وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية الدكتور(عباس عراقجي) معبّرا عن تقدّم نسبيّ في مقترح مبادئ وأهداف محتمل التوصّل إليه بين الجانبين، فيما اعتبر مسؤول أمريكي أن تقدّما جيّد جدا حصل خلال هذه الجولة، وتتفقان على المضي نحو اتفاق دائم وملزم.(2)
احتمال تحقيق اتفاق يرضي إيران، وينصف ملفّها النووي السلمي، ممكن إذا ما ابتعد ترامب عن تحريضات وتهويلات ناتنياهو، وهو ما يريده العالم باسره باستثناء إسرائيل، وتفاؤل الجانبين يزيد من ترجيح حصول اتفاق ملزم، مما سيؤدي إلى رفع مظلمة العقوبات الاقتصادية التي ستكون ثمرته الأولى التي ستعيد لإيران أموالها المجمدة في أمريكا وبنوك أخرى في العالم، تفاؤل يبقى تفاؤلا لحد اختتام المفاوضات الثنائية - بعدما استبعد منها ترامب أوروبا فيما يبدو عمدا – وفي حال تحقّق التوصّل إليه، من شأنه أيضا أن يبعد شبح الحرب القادم ببطئ على المنطقة.
المراجع
1 – سورة البقرة الآية 194
2 – واشنطن وطهران تحرزان تقدما جيّد جدا في المفاوضات وتتفقان على المضي نحو اتفاق دائم وملزم
https://www.bbc.com/arabic/articles/c9vejkx4p42o
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat