صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين

الإيمان والحياة / ١
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 عقائدنا التي نؤمن بها ولوازمها هي طريقنا الى الآخرة وزادنا في هذا السفر البعيد .. ولكن السؤال : هل لهذا الإيمان انعكاس على حياتنا الدنيا ، فهل ننتظر من تلك العقائد اذا ما تعاملنا معها بحسب ما هو لازم من التعامل دوراً ايجابياً على هذه الأرض وفي هذه الحياة ..؟ ثم ماهي حدود تلك الفوائد والانعكاسات ، وهل لها مجالات تختص بها دون غيرها ، ام تشمل كل تفاصيل هذه النشأة .. أم أن كل ذلك هو خارج اختصاصها ، وأننا لا نقتطف ثمرتها إلا بعد ان نغادر هذه الدنيا ..؟

هذا السؤال مهم وكبير وأساسي ، وإذا ما أجدنا الإجابة عليه فإنه بلا شك سيضع الكثير من النقاط على الكثير من الحروف المبهمة وعلى المستويين النظري والتطبيقي ..

وتقع الإجابة على مستويات ، سنحصرها في مستويات ثلاثة :

المستوى الأول : رد سريع ووقائي لأصحاب فكرة الدين أفيون الشعوب ..
المستوى الثاني : استنطاق القرآن الكريم وسنّة المعصومين للإجابة على هذا السؤال من الناحية النظرية ..

المستوى الثالث : استخراج الخطوات العملية من المصادر السابقة والنماذج التطبيقية التي تصدّق النتيجة الايجابية للمستوى الثاني في حالة الحصول عليها .

أما الكلام في المستوى الأول : فإن فصل وعزل الإيمان عن حياة الإنسان ومحاولة حصره في الحالة الفردية الباطنية أو قوقعة الدين داخل أماكن العبادة وحظره عن مظاهر الحياة وإبعاده عن ساحاتها المتنوعة هو هدف واستراتيجية أصحاب الايدولوجيات المادية على اختلاف أنواعها .. فالدين عندهم أفيون الشعوب ، ولهذا دعوا الى فصل الدين عن السياسة وعزل الكنيسة عن الدولة ورفعوا شعار ما لقيصر لقيصر وما لله لله ..

ولو راجعنا مستندات وأوليات وأدبيات النهضة الأوربية لوجدنا أنها في الوقت الذي تخلّت فيه عن الكنيسة فإنها رمت نفسها في أحضان الفلاسفة والحكماء والمفكرين الى الدرجة التي أصبح فيها هؤلاء آباء النهضة وعقلها المدبر ..! فالفيلسوف روسو كان أحد منظري الثورة الفرنسية وهو صاحب شعار ( أخاء - حرية - مساواة ) ، وكذا ميكافيلي أحد منظري السياسة ، وفرنسيس بيكون الذي يسمى بنبي العلوم الحديثة .. الخ .

ونفس الانتقال هذا هو تأكيد لدور ومحورية الدين والايمان في حياة الانسان ، فالفلاسفة لديهم مقولات عقلية يؤمنون بها في قبال الإيمان بمقولات الدين .. ! فالايمان هو الايمان والاعتقاد هو الاعتقاد ، ولكن قد نختلف بمفردات ذلك الاعتقاد ومآخذ ومصادر تفاصيل ما نؤمن به ..

نعم .. ساعدهم على الانتقال هذا اساءة رجال الدين الى التدين ، وساعدهم سوء التطبيق والتجسيد الخارجي للدين ، وساعدهم ضعف التجارب التي مارستها الديانات بشكل مجمل .. وساعدهم ايضا التفسير الخاطىء للدين وأنه عبارة عن خيالات واهتمامات لما وراء الطبيعة ولا علاقة له بالواقع ..

وبعد كل هذا الولوغ المادي والتطور الحاصل في الحياة البشرية من علوم تجريبية وتكنولوجيا هائلة في جميع مجالات الحياة نرى أن هناك صيحات كبيرة للرجوع الى الدين والعودة الى الايمان لمعالجة قضايا شائكة ومشاكل عويصة تورطت بها البشرية على المستوى النفسي والاخلاقي والاجتماعي ..

يقول الدكتور هنري لنك مؤلف كتاب العودة الى الايمان : أنا نفسي واظبتُ مُرغمًا على الذهاب إلى الكنيسة باستمرار مدربًا نفسي على تحمل ما تكره والتضحية بما تحب وتعويدها على قَبول الآخر وخدمة الغير ، ووجدتني متحمساً للدفاع عن الدين واكتشفت أن كل نظريات علم النفس في تقويم شخصية الإنسان تنتهي بالتمسك بالحقائق الدينية ، فعلم النفس هو الذي قلب مبادئي وآرائي دون أن أشعر ، وقد أثبتت الاختبارات النفسية التي أجريتها لعشرة آلاف شخص وسجلتُ تقريرًا شاملًا لكل فرد أهميةَ العقيدة الدينية ، وأن كل من يعتقد دينًا أو يمارس عبادة أفضل شخصية من غيرهم .

إن حصر المقولات الدينية وأصول العقيدة والإيمان ضمن أطرها اللغوية والفكرية والروحية والعبادية وعدم تجسيدها في الواقع والاستفادة منها في الحياة لم يقتصر على الماديين واللادينيين ، وإنما مارسها فعلاً الدينيون أنفسهم ، فهم وإن آمنوا على مستوى النظرية بصلاحية الدين للحياة إلا أنهم كفروا بها على مستوى التطبيق والتجسيد .. فمن حيث النتيجة الطرفان شاركوا في تشويه الإيمان وقبره داخل متون الكتب وأروقة المعابد ..

ولعل عزل الدين عن السياسة وأهل الدين عن المشاركة في إدارة شؤون الحياة هو أكبر ضربة للدين وأبشع تشويه له ، بل الأكثر بشاعة عندما يُحكم الناس بإسم الدين من قبل زمرة هي أبعد الناس عن الدين وأكثرهم ضرراً على الإيمان .. لأنهم بفعلهم هذا يُقدموا خير دليل لاصحاب الاتجاه المنُكِر لأصل صلاحية القيادة الدينية ..

وبسبب طول مدة انعزال الدين عن قيادة حياة البشرية وبُعد المسافة الزمنية عن مصدر التشريع وضعف التجارب التاريخية الناجحة .. أصبح لدينا خللاً ونقصاً حادّاً حتى على مستوى التنظير لهذا الأصل الأصيل في الدين ، فنرى أن هناك اختلافات كبيرة في طبيعة ونوع ومساحة هذه العلاقة بين الدين والدولة ، الدين وحياة المجتمع عموما .. فظهرت لدينا مذاهب ونظريات واجتهادات متنوعة في هذا الاتجاه ، بعضها يضيّق هذه العلاقة ويحصرها في موارد لا تكاد تكون مؤثرة في حياة الانسان والبعض الآخر يتوسع الى الحد الذي يكون فيه الحاكم - أي حاكم - هو ظل الله على الأرض .. !

ظهرت هذه الخلافات وهذا الخلل حتى في فقهيات المذهب الواحد ، فهذا يقول بولاية الفقيه العامّة وذاك يقول بحصر مسؤولياته على الافتاء وبعض الامور الحسبية .. في حين الجميع يؤمن بأن ما من واقعة الا ولله فيها حكم وأن كتاب الله لم يفرّط فيه شيء وإن الحكم الا لله ..!

ننهي الكلام في هذا المستوى الذي أردنا فيه نقضاً سريعاً لمقولة عدم صلاحية الدين لقيادة الحياة أو عدم اختصاصه واهتمامه أصلا بذلك ..
يتبع


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى غالي ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/04/19



كتابة تعليق لموضوع : الإيمان والحياة / ١
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net