العميد... سماحة السيد محمد تقي الحكيم
د . تقى محمود السعدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . تقى محمود السعدي

كتابة السيرة الغيرية لعالم من علماء الحوزة العلمية تأخذ المسار الأدبي الواقعي، وتشمل
أولا... خصائص السيرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسيرة سماحة السيد محمد تقي الحكيم نجل العلامة آية الله السيد سعيد الحكيم (قدس سره) ولد عام (1923 م) في مدينة النجف الأشرف مركز الحوزة العلمية والمرجعية الدينية.
نشأ برعاية والد، جبل على حب العلم ومجالسة العلماء، واجتهد في غرس هذه المبادئ في مدارك ولده الصغير،
ثانيا... روافد بنائه الفكري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك محطات شكلت أهم الروافد الفكرية التي كونت شخصية العلامة السيد محمد تقي الحكيم (قدس سره) لا بد من الوقوف عندها وأهمها:
1ـ جمعية منتدى النشر: تأسست في النجف الأشرف عام 1935م، حينما قدم ثلّة من الشباب الروحانيين طلباً إلى وزارة الداخلية يطلبون فيه تأسيس جمعية دينية بالنجف الأشرف باسم (منتدى النشر)، وكان الهدف من تأسيسها هو تنظيم الدفاع الديني عن ما حمله العصر الجديد من تطورات واندفاعات متبلبلة من طبيعتها التأثير على الكيان القائم في الصروح الدينية
2ـ المجمع الثقافي لجمعية منتدى النشر: أسس عام 1944 م، بعد تفكير دام عدة سنوات استطاع قسم من أعضاء منتدى النشر أن يحقق فكرة كانت من أعظم ما يصبون إليه في الحياة الإسلامية الاجتماعية التي كانوا ينشدون تحقيقها ويأملون أن تكوّن للنجف نهضة جديدة يكون لها أعظم مستقبل يشهده العراق في تاريخ حياته الثقافية الدينية؛ فكان السيد (قدس سره) قطب الرحى في هذا المجمع ومن جملة أعضائه المؤسسين، وقد بذل جل وقته في سبيل إنجاح هذا المشروع الثقافي.
3ـ الحوزة العلمية: تعد النجف من أقدم الحواضر الإسلامية التي عنيت بالدراسات الإسلامية التشريعية وربما اعتبرت مدرستها العلمية امتدادا زمنياً ومنهجياً لمدرسة الكوفة حين بقيت الكوفة تصب في بحر النجف إلى القرن الثامن للهجرة
.
4ـ المجمع العلمي العراقي: تأسس عام 1947 م.
وقد نال (قدس سره) عضوية المجمع بالإجماع في عام 1964 م. وبانضمامه إلى أعلى هيئة علمية في البلاد ودخوله هذا الصرح العلمي الكبير توفرت فرصة علمية كبيرة للعاملين في الحقل العلمي، من خلال تلاقح الأفكار سبر غور معضلات أمهات المسائل.
5ـ وأسّس مع عدد من الأعلام كلّية الفقه في النجف، ودرّس فيها فقه اللغة والتاريخ الإسلامي وعلم الاجتماع وعلم النفس وغير ذلك، وانتخب عميداً لكلّية الفقه سنة 1965 م، ودرّس أُصول الفقه المقارن بمعهد الدراسات الإسلامية العليا بجامعة بغداد، ومنحته جامعة بغداد درجة الدكتوراه الفخرية بدون امتحان بقرار من مجلس الجامعة عام 1964 م.
**
انتخب عضواً في عدّة جهات علمية، كالمجمع العلمي العراقي، ومجامع اللغة العربية في مصر وسوريا والأردن، ومجمع الحضارة الإسلامية الأردني. وشارك في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية في البلاد العربية وغيرها.
ثالثا... المؤلّفات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من مؤلّفاته: القواعد العامّة في الفقه المقارن، مالك الأشتر، الأُصول العامّة للفقه المقارن، فكرة التقريب بين المذاهب، التشيّع في ندوات القاهرة، من تجارب الأُصوليّين في المجالات اللغوية، عبداللَّه بن عبّاس، مشكلة الأدب النجفي، تعليقة على كفاية الأُصول، تعليقة على مستمسك العروة الوثقى.
رابعا... الرؤى التقريبية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ألّف عدّة كتب تقريبية، كالأُصول العامّة للفقه المقارن، والقواعد العامّة في الفقه المقارن، وفكرة التقريب بين المذاهب، وكذلك في مجال المشاركة الفاعلة في عدّة ندوات ومؤتمرات إسلامية في الباكستان والعراق ومصر وسوريا والجزائر.
وكان يدعو دائماً إلى إقرار الأُخوّة والودّ بين أبناء المذاهب الإسلامية وإلغاء التعصّب المؤدّي إلى التفرقة والتشرذم.
ونقل الدراسة الفقهية من مرحلة الدراسة المبسترة وإطار علم الخلاف إلى محلّ الدراسة الفقهية المقارنة وفق المنهج العلمي الحديث، والكشف عن أصالة الكثير من آراء مختلف المدارس الفقهية ومدى قيمتها العلمية والعملية وبخاصّة ما يتّصل بالفقه الجعفري، والكشف كذلك عن مساحات الاتّفاق التي هي أكثر من مساحات الاختلاف.
يقول (رحمه اللّه) "وما دمنا نعلم أن السنة لم تدون على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) وأن النبي (صلى الله عليه وآله) منزه عن التفريط برسالته، فلا بد أن نفترض جعل مرجع تحدد لديه السنة بكل خصائصها، وبهذا تتضح أهمية حديث الثقلين وقيمة إرجاع الأمة إلى أهل البيت (عليهم السلام) فيه لأخذ الأحكام عنهم كما تتضح أسرار تأكيده على الاقتداء بهم وجعلهم "سفن النجاة" تارة و "أماناً للامة" أخرى و"باب حطة" ثالثة والرجوع إلى سنة أهل البيت (عليهم السلام) هو في الواقع رجوع إلى سنة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لأنهم تلامذة الرسول والمحكمون لشرعته وحديثهم حديثه، وحينئذ يتحول هذا الفارق الموهوم إلى جسر للتفاهم والرجوع إلى الواقع والتقارب بين المسلمين.
خمسا... الوفاة
أعتقل العلامة السيد محمد تقي الحكيم (قدس سره) مع جمع من أسرة آل الحكيم عام (1403 هـ، 1983 م) وتحملوا صنوف التعذيب النفسي والجسدي، ثم أفرج عنه بعد خمسة أيام من اعتقاله مع 4 من افراد الأسرة الكبار، ثم وضع تحت الإقامة الجبرية حتى عام 1987 م.
ومع وطأة الظروف وقساوتها من أمراض ألمّت به، وفقده لأفراد أسرته وأحبته لكنه كان يقابلها بالصبر والاحتساب عند الله.
وفي صباح الاثنين 29/4/2002 م لبى نداء ربه صابراً محتسباً.
تغمده الله بواسع رحمته، وأسكنه الفسيح من جناته.
ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat