يُعدُّ الشاعر الكبير كربلائي مشهدي جورابچي علي أصغر، المعروف أدبيًا بـ(دلريش)، أحد أعلام الشعر الحسيني في آذربيجان والعالم التركي. وُلد في مدينة تبريز، الحاضرة العلمية والثقافية الكبرى، ونشأ في حي "قوم باغي" المعروف اليوم بـ"حي حافظ".
مكانة دلريش الشعرية
يُعد دلريش من أبرز شعراء القرن الثالث عشر الهجري وأوائل القرن الرابع عشر، وأكثرهم إنتاجًا لقصائد الرثاء الحسيني، حتى وُضع في مصاف كبار الشعراء أمثال صرّاف، راجي، ديلسوز، وصائب.
وقد شغل وظيفة بسيطة في سوق "راسته بازار سرايي در عباس"، شأنه شأن كثير من شعراء تبريز، لكنه حمل في قلبه إيمانًا عميقًا تجلى في أبياته، ووهب قلمه لخدمة العترة الطاهرة (ع).
أسلوبه الشعري
يتّسم شعر دلريش بالوضوح والبساطة، مما يجعله قريبًا من القلوب، يدخل شغافها بلا استئذان. وتتميز قصائده بالتكامل الموضوعي، حيث يعالج القضية الحسينية من مختلف زواياها، ويصورها تصويرًا مؤثرًا يذرف الدموع من أعين المحبين، ويُقرأ كل عام في المحافل والمجالس.
قصيدته الخالدة: "حسینه یئرلر آغلار..."
من أشهر قصائده الحسينية:
حسینه یئرلر آغلار، گؤیلر آغلار
بتول و مرتضى، پیغمبر آغلار
ترجمتها:
الأرض تبكي، والسماء تبكي حسينا،
الزهراء والمرتضى، والنبي المختار يبكون عليه.
وقد ضمن هذا البيت عدد كبير من الشعراء الآذريين والتركمان في قصائدهم، لما له من تأثير بالغ في النفوس. حتى الشاعر الأذربيجاني المعاصر الأستاذ شهريار تأثر به، فقال:
حسینین نوحهسین دلریش یازاندا،
مسلمان سهلدیر کی، کافر آغلار
حين يكتب دلريش مرثية الحسين،
فمن السهل أن يبكي المسلم، بل حتى الكافر يبكي.
يؤكد شهريار هنا ان قصائد دلريش في رثاء الامام الحسين(ع) بلغت من التأثير والعذوبة حدا يجعل حتى غير المؤمنين والكفار يبكون الامام الحسين (ع) عندما يسمعون النعي الحسيني المؤثر الذي يجعل القلوب تتفاعل معه وتتأثر به..
مشاهد مؤثرة في شعره
من أبرز مشاهده التصويرية، بيت يقول فيه الحسين (ع) مخاطبًا ربه لحظة استشهاده:
باري إلهي شاهد اول، آخر نمازيمدور منيم
بو بوغازيمدان آخان قان، دستمازيمدور منيم
يا إلهي وبارئي، كن شاهداً، فهذه آخر صلاتي،
وهذا الدم الجاري من عنقي هو آخر وضوئي.
عبارات تقشعر منها الأبدان والجلود وهو يصور اعظم مصائب اهل البيت (ع) عندما استشهد السبط الشهيد (ع) بتلك الطريقة الاليمة مصيبة ما اعظمها!
كما كتب دلريش قصيدة مؤثرة على لسان الإمام الحسين (ع) يخاطب فيها أخاه العباس(ع) بعد استشهاده:
آچ گوزلرین گلدیم، اویان ابا الفضل، ابا الفضل
قارداشینی یالغوز قویان، ابا الفضل، ابا الفضل
افتح عينيك، لقد أتيتُ يا أبا الفضل،
لقد تركوا أخاك وحيدًا، يا أبا الفضل.
ومن أبيات هذه القصيدة أيضًا، مشهد يهز الوجدان:
سندن صورا قارداش، منی وطنسیز
اولم قالور یئرده، نعشیم کفنسیز
کسوک باشیم جدالرده، بدنسیز
گیدر شامه، ای جانفشان، ابا الفضل
بعدك يا أخي، أصبحت بلا وطن،
قُتلتُ ونعشي بلا كفن،
رأسي على الرمح، بلا بدن،
يُحمل إلى الشام، أيها الفدائي، يا أبا الفضل.
تعابير دامية لموقف مؤلم مر به اهل بيت النبي المصطفى(ص) وكأنهم ليسوا بأهل بيته والمفروض على الناس مودتهم وحبهم
ينكل بهم أشد تنكيل يعجز القلم عن وصف ما جرى في الطف بحق العترة الطاهرة..
وهذه القصيدة بالذات مشهورة معروفة في شمال العراق ويحفظه الناس عن ظهر قلب ويقرأ في اليوم المخصص لأبي الفضل العباس(ع).
أثره وانتشاره
تُقرأ قصائد دلريش الحسينية سنويًا في شهر محرم الحرام في المجالس العاشورائية بإيران، وأذربيجان، والعراق، وتركيا، وبلدان العالم التركي الأخرى. وقد أصبحت بعض أبياته شعارات خالدة لعاشوراء، يرددها الرواديد، ويحفظها الناس في قلوبهم.
مؤلفاته وهيئته
من مؤلفاته المطبوعة:
ديوان دلريش، طُبع في تبريز عام 1959، وأُعيد طبعه بحلة جميلة زاهية عام 2008.
كتاب مراثي دلريش، محفوظ في مكتبة آية الله المرعشي النجفي (رحمه الله).
كما جمع ابنه حسن دلريش مجموعة من أشعاره الخطية عام 1904.
وقد أسس الشاعر هيئة دلريش الحسينية، التي لا تزال نشطة في تبريز حتى اليوم، وتستقطب الشباب والشيوخ لإحياء المجالس الأسبوعية والمناسبات الدينية.
دلريش في ذاكرة التراث الحسيني التركماني
قصائد دلريش تعد خالدة في الوجدان الحسيني التركماني العراقي ذكرنا بعضها هنا وتقرأ في مجالس العزاء بمدينة طوزخورماتو وامرلي وبراوجلي وجرداغلي وكوكز وكركوك وتازه وبشير والموصل وتلعفر ومناطق أخرى وقد تضمن كتاب "براوجليده تراثي سينه زنلار " عددا من قصائده ضمن التراث الحسيني في مناطق شمال العراق .
ثناء العلماء عليه
قال عنه آغا بزرك الطهراني في كتابه الذريعة:
"اسمه كربلائي علي أصغر، وكان مدير الهيئة الحسينية في تبريز، وشعره باللغة التركية."
وقال عنه الاستاذ كاظم قاضي زاده :
"كان أصغر دلريش واحدًا من أقوى وأكثر شعراء الرثاء الأذربيجانيين إنتاجًا"
وقال عنه الأستاذ اكبر مظفري في مقدمة كتاب مراثي دلريش "دلريشين نوحه لري ":
"مشهد علي صغر دلريش من اعاظم شعراء الرثاء في أذربيجان وحيث تمتاز مراثيه بالبساطة والعذوبة فإنها تشكل القصيدة الحسينية الاساسية في كل سنة "
الختام
توفي شاعرنا الحسيني دلريش في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري، وترك خلفه إرثًا أدبيًا عظيمًا، يتوارثه المحبون جيلاً بعد جيل. كان شاعر الطف، ولسان العاشقين، وصوت تبريز الباكي. جزاه الله خير الجزاء، ورحمه الله رحمة واسعة.
تا وار نفس اي صاحب شجاعت شجاعت
دلريش ايدر شرح وبيان مصيبت مصيبت
بو جمعيلن ايله اونا شفاعت شفاعت
اولميش سنه چون نوحه خان ابا الفضل ابا الفضل
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat