صفحة الكاتب : محمد زيد ابوالقيس كهية

حزن تبريز في رثاء كربلاء: دراسة في شعر دلسوز التبريزي
محمد زيد ابوالقيس كهية

 دلسوز هو اللقب الأدبي للشاعر الحسيني الأذربيجاني محمد أمين شور التبريزي، ويُعرف أيضًا بـ"دلسوز خياباني"، كما يُلقب بـ"الأستاذ" نظرًا لتدريسه في المدارس الدينية والعلمية. ويُعد من شعراء الجيل الذهبي في تبريز الذين عاشوا في العهد القاجاري، وقد تأثر ببيئته الاجتماعية، حيث نشأ في أسرة فقيرة.

مكانته

كتب دلسوز في مختلف الأغراض الشعرية، لا سيما في الرثاء والهجاء. وله 237 قصيدة، منها 208 باللغة التركية و23 باللغة الفارسية، وقد بلغ عدد أبياته ما يقارب 6500 بيت، استخدم فيها بحورًا متنوعة، مما يدل على مكانته الأدبية الرفيعة.

ويُعد دلسوز التبريزي من كبار شعراء الأتراك، وخاصة في مجال الرثاء الحسيني في القرن الثالث عشر الهجري. وهو في مصاف الشعراء الكبار مثل: صرّاف، وراجي، ودلريش، وصافي، وصائب، وفضولي، ونسيمي، وغيرهم.

كان لشاعرنا دلسوز تأثير كبير على الأدباء والشعراء، منهم ميرزا سروش وميرزا مظهر. وقد كان ديوانه مخطوطة حجرية، ورغم ذلك فقد انتشر انتشارًا واسعًا في بيوت تبريز، حتى قيل: "كل بيت في تبريز لا يخلو من ديوان دلسوز".

قلة الدراسات عنه

وبرغم مكانته العلمية والأدبية وأشعاره المتميزة، لم ينل ديوانه حظه من الدراسة والنقد، رغم مرور أكثر من مئتي عام، حتى قال الأستاذ رضا همراز:
"متأسفون جدًّا لقلة المعلومات عن دلسوز، ذلك الشاعر العظيم، وكل من كتب عنه نسخ معلومات من قبله نفسها."

قصائده

ومن أبياته المشهورة في أذربيجان:

بو گئجه بیز گلمیشیک نوحه قیلیب آغلایاق
آغلایب اول سروره سینه‌میزی داغلایاق

وهذا البيت الحزين يتحدث فيه دلسوز عن ليلة الحادي عشر من شهر محرّم الحرام، بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه، ويدعو إلى البكاء والنحيب في هذه الليلة المأساوية.

وله قصيدة حسينية مشهورة جدًا في شمال العراق،ذكرت في كتاب " براوجليده تراثي سينه زنلار " مطلعها:

ای كوفیان عطشان‌دی بو اصغریم اصغریم
آخر سی‌زه میهمان‌دی بو اصغریم اصغریم

وهي تصوّر لحظة خطاب الإمام الحسين عليه السلام لجنود عبيدالله بن زياد قائلاً:
"يا جند الكوفة، هذا الطفل الصغير عطشان، وهو لكم ضيف."
مشاهد مؤثرة يصورها الشاعر دلسوز في هذه القصيدة:

آوج ایلیب آهمی منم گوگلره گوگلره
رحم ایلین بو گل بدن حیدره حیدره
بیر جرعه صو آخر ویرن اصغره اصغره
تشنه لَغدن اودلاندی بو اصغریم اصغریم

في هذا المقطع المؤلم، يصوّر الشاعر عطش الطفل الرضيع علي الأصغر، معبرًا عن أنه جزء من جسد أمير المؤمنين (ع)، وقد أهلكه العطش، متسائلًا: أين إنسانيتكم؟

راوی دییر بو سوز شاهین دیلینده دیلینده
اوخلادیلار اصغریمی الینده الینده
یالغز قالدی كرب‌و‌بلا چولونده چولونده
كربلاده قورباندی بو اصغریم اصغریم

ينقل الراوي هذا الكلام من لسان الإمام، بأن علي الأصغر أُصيب بالسهم وهو بين يديه، وبقي وحيدًا في صحراء كربلاء، وكان القربان في هذه الفاجعة الخالدة.

بو حالو اول شاهی کم سپاهی سپاهی
گوردوم دیورسن شاهد اول ایلاهی ایلاهی
یوخدور بو طفلی مظلومن گناهی گناهی
ناحق یره اوخلاندی بو اصغریم اصغریم


بهذا المقطع يصور لحظة استشهاد علي الاصغر (ع) وقول الامام الحسين عليه السلام
"اللهم أنت الشاهد "
ما ذنب طفلي المظلوم
بلا وجه حق اصابوه بسهامهم

عبارات نابعة من قلب الشاعر الحسيني دلسوز لاظهار الفاجعة الكربلائية بجميع تفاصيلها وباحساس عاطفي مؤثر

فإن كان للكبار ذنب فما ذنب الطفل الرضيع العطشان يرمى بالسهام وهو في حجر سيد شباب أهل الجنة (ع) فتعسا وترحا لقوم لم ينصاعوا لوصية خير البشر رسول الله(ص) حين أوصى وقال
"اذكركم الله في اهل بيتي اذكركم الله في اهل بيتي " كما ورد في صحيح مسلم ومسند أحمد والحاكم
فهل يكون جواب النبي (ص) هكذا بالتنكيل باهل بيته وبعترته الطاهرة لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم والله المستعان..

تقرأ قصيدة كوفيان سنويًا في المجالس العاشورائية، خاصة في اليوم المخصص لعلي الأصغر (عليه السلام) في مناطق شمال العراق.

طباعة الديوان وانتشاره

طُبع ديوان دلسوز أكثر من مرة خلال السنوات: 1868، 1878، 1902، و1918. وقد ترجم له العديد من المؤرخين، منهم العلامة آغا بزرك الطهراني في كتابه الذريعة، حيث قال:

"ديوان دلسوز التبريزي (الميرزا محمد أمين التبريزي الملقب "أستاذ")، قال في (دجا ص 151) إنه كان أستاذ الميرزا سروش وميرزا مظهر، وديوانه مركب من الفارسي والتركي، وطبع مكررًا في تبريز، وترجمه كذلك في ريحانة الأدب."

كما كتب عنه الأستاذ شازدا نادر ميرزا (1242–1303هـ) في كتاب تاريخ وجغرافية تبريز، فقال:
"إنه طُبع في تبريز 11 مجموعة شعرية ضخمة للشاعر دلسوز، بخط جميل وبدقة عالية، ومع ظروف المجتمع آنذاك والمستوى التعليمي للناس في ذلك العصر، فإن ديوانه واشتهار شعره يدلّ على محبة الناس له."

وقد جُمعت أشعاره بتحقيق الأستاذ حسين محمد زاده صديقي، كما كُتب عنه في كتاب "عمومات ديوان دلسوز" للباحث محمد السالك رحيمي.

خلاصة

دلسوز شاعر أهل البيت (عليهم السلام) من طراز الشعراء الكبار. شعره قوي، عاطفي، ذو إحساس عالٍ ومؤثر، وقد انتشر في عدد من الدول الناطقة بالتركية. ونأمل أن يحظى شعره بدراسة أعمق من قِبَل الباحثين، وأن تُسلّط الأضواء على حياته، ليبقى قدوة للشعراء الحسينيين الذين نذروا أنفسهم لإحياء النهضة الحسينية وما جرى على أهل البيت (عليهم السلام) في واقعة كربلاء.

توفي دلسوز في نهاية القرن الثالث عشر الهجري، فرحمه الله، وجزاه الله خير جزاء المحسنين.

مصادر
•الذريعة لاغا بزرك الطهراني
•ريحانة الأدب
•تاريخ تبريز
•براوجليده تراثي سينه زنلار
•ديوان دلسوز
•عمومات ديوان دلسوز
•مقالة عن دلسوز للاستاذ رضا همراز
•صحيح مسلم
•مسند الامام أحمد
•المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد زيد ابوالقيس كهية
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/04/19


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • علي أصغر دلريش تبريزي: شاعر الرثاء الحسيني في الشعر التركي  (ثقافات)

    • "علي أصغر دلريش تبريزي: شاعر الرثاء الحسيني في الشعر التركي"  (المقالات)

    • صوت الفروسية والولاء: الإمام علي (ع) في شعر أبي فراس الحمداني  (ثقافات)

    • الرثاء الحسيني التركماني: أبو الحسن راجي تبريزي صوت تبريز في مأساة كربلاء  (ثقافات)

    • الشيخ أبوالقيس كهية في وجدان الشعر العراقي: قصيدة "فخر البيات" ليشار البياتي أنموذجًا  (ثقافات)



كتابة تعليق لموضوع : حزن تبريز في رثاء كربلاء: دراسة في شعر دلسوز التبريزي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net