صفحة الكاتب : محمد زيد ابوالقيس كهية

كريم آغا صافي التبريزي: شاعر الرثاء الحسيني في أذربيجان
محمد زيد ابوالقيس كهية

 النشأة والخلفية

كريم آغا صافي التبريزي هو أحد أبرز شعراء أهل البيت (عليهم السلام)، ومن أعظم شعراء الرثاء الحسيني في العالم التركي، وخاصة في أذربيجان. وُلِد سنة 1284 هجرية في حي "نوبار" بمدينة تبريز، ونشأ في عائلة غنية عُرفت بالمكانة والكرم. ينتمي صافي إلى نسل جعفر دائي، أحد الشخصيات البارزة في تبريز.

التحول إلى الرثاء الحسيني

اشتهر صافي التبريزي في بداياته كشاعر غزل، وكان يُعد الشاعر الأول في هذا المجال في الأدب الأذربيجاني. غير أن نقطة تحوّل روحي عميقة غيّرت مسار حياته الشعرية؛ إذ يُروى أنه رأى في منامه أحد المعصومين (عليهم السلام) ينصحه بأن يكتب في رثاء الحسين (ع)، فاستفاق من نومه وقد عقد العزم على تكريس شعره لخدمة المأساة الحسينية. ومنذ ذلك اليوم، أصبح شاعر الرثاء الحسيني الأول في أذربيجان. ويعد من الشعراء الاتراك الكبار أمثال صراف وراجي ودلريش ودلسوز وصائب وفضولي ونسيمي ...

خصائص شعره

يمتاز شعر صافي التبريزي بالعذوبة والتأثير، ويجمع بين جمال اللغة ووضوحها، وبين التصوير الشعري العميق والمعاني المؤثرة. أكثر قصائده تدور في فلك الرثاء الحسيني ومديح العترة الطاهرة، لكنه كتب أيضًا في الغزل، والوطن، والاجتماع، وغيرها من الأغراض الشعرية.

من أبرز قصائده:

1. قصيدة يوم عاشوراء:
"يوم عاشورادي يا روز قيامت دور بوگون
یا قیامت عرصه سینه‌ن بیر علامت دور بوگون"

كتبها في يوم عاشوراء، مصورًا فيه هذا اليوم العظيم كعلامة من علامات يوم القيامة، حيث قال:

"يوم عاشوراء، أم يوم القيامة؟
أم أنها إحدى علامات الحشر الكبرى؟"

وفي مشهد مؤلم، يقول:
عالم‌ باطنده‌ ايندي‌ كربلا قان‌ آغليري‌
خنجر قاتل‌ باخير مقتوله‌ هر آن‌ آغليري‌
بير طرفده‌ ليلي‌ زار و پريشان‌ آغليري‌
بير طرفده‌ زينبه‌ گويا قيامت‌ دور بوگون‌


"فی عالم الباطن الآن كربلاء تبكي دمًا
الخناجر تبكي، والسيوف تذرف الدمع
ليلى حزينة وباكية، وزينب وكأنها في يوم القيامة"

بهذه الكلمات يصوّر الشاعر حزن الأرض والسماء في يوم كربلاء، حيث تبكي كل الكائنات لمصاب أهل البيت (ع). كربلاء تبكي دما !


2. قصيدته في علي الأصغر (ع): "لای لای علی لای لای"

اي سود أمر قارداش
لاى لاى على لاى لاى
چوخ توکمه گوزدان یاش
لاى لاى على لاى لاى

سن بولمیسن یوخسا یوخ رحم دشمنده
رحم ایت منه قارداش سو ایستمه سنده
آخر باجون ئولسون سنده سوسوز منده
.
وفي هذه القصيدة المؤثرة، يُجسّد الشاعر لسان حال أخت علي الأصغر وهي تخاطب شقيقها الرضيع:

"يا أخي، لا تذرف دموعك...
لا تطلب الماء، فالعدو بلا رحمة
اختك عطشى كما أنت، فاصبر"

يصف صافي التبريزي مشهد العطش في كربلاء بأبلغ العبارات، ويجسّد عمق المأساة عبر كلمات حزينة تُلامس القلوب.
وفي مقطع آخر من هذه القصيدة يقول صافي

اوچ گوندی بیر کیمسه سو ایچمیوب بوللّم
شامه کیمی قارداش آردونجا من گَلّم
آخر یقینیمدور ویرانه ده ئولّم

منذ ثلاثة أيام ولم يتذوق احد منا الماء
عندما اصل إلى الشام سألحق بك
أنني متيقن ان شهادتي سيكون في خرابة الشام

وصف مأساوي يعبر به الشاعر عن عمق المعاناة التي مر بها اهل البيت عليهم السلام وقد منع عنهم الماء لأيام لم يتذوقوا منه قطرة واحدة ويؤكد الشاعر ذلك في مقطع آخر اذا يقول

آل پیغمبردن بیر گل یوزی گولمز
رحم ایلمز بیر کس گوز یاشلارین سیلمز
بیر قطره شیرین سو نیلوم اله گلمز

في الطف ال النبي(ص) لن ترى منهم أحد مبتسما
لا يوجد من يعطف عليهم لا يوجد من يمسح دموعهم
قطرة واحدة من الماء لن يصل الينا ماذا نفعل

الماء قصة بذاتها ومنع الماء عن العترة الطاهرة يوم عاشوراء تجسد في قصائد كثير من الشعراء الحسينيين منذ القرون الأولى ومن أولئك الذين أكدوا هذا المعنى الشاعر الكبير الشريف الرضي في قصيدته كربلا ما زلت كربلا وبلا حيث يقول
لَم يَذوقوا الماءَ حَتّى اِجتَمَعوا
بِحِدى السَيفِ عَلى وِردِ الرَدى

وكما يقول شاعر الفروسية أبي فراس الحمداني
فحرمت قرب الوصل منه مثل ما
حرم الحسين الماء وهو يراه
إذ قال: اسقوني. فعوض بالقنا
من شرب عذب الماء ما أرواه

وقصيدة شاعرنا صافي التبريزي يركز على هذا الموضوع المؤلم لإظهار مظلومية العترة الطاهرة الذين تعرضوا وهم من هم إلى الحيف والظلم حسبنا الله ونعم الوكيل..

أثره ومكانته

خلّد أهل تبريز شاعرهم بإقامة مؤتمر خاص لإحياء تراثه، واحتضنت محافل أدبية عديدة شعره وأدبه. وقد ذُكر في عدد من الكتب والموسوعات، منها:

الذريعة لآغا بزرك الطهراني

الموسوعة الحسينية للشيخ الكرباسي
كما ورد اسمه في كتاب "براوجليده تراثي سينه زنلار"، وهو مصدر مهم لحفظ تراث الشعراء الحسينيين.

دعوة للباحثين

رغم مكانته الأدبية الرفيعة وانتشار شعره في أذربيجان، إيران، العراق، وتركيا، إلا أن الدراسات الأكاديمية لم تنصف شعره بعد. ومن هنا، نوجّه دعوة للباحثين والأكاديميين إلى الاهتمام بشعر صافي التبريزي وتحليل خصائصه الفنية والفكرية، لما فيه من فرادة وشاعرية خالدة.

الختام

توفي الشاعر سنة 1353 هـ، بعد أن ترك أثرًا خالدًا في الشعر الحسيني، رحم الله صافي التبريزي،فكان شاعر اهل البيت(ع) وارتبط اسمه بعاشوراء وبكربلاء فجزاه الله خير الجزاء وأسكنه فسيح جناته.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد زيد ابوالقيس كهية
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/04/29



كتابة تعليق لموضوع : كريم آغا صافي التبريزي: شاعر الرثاء الحسيني في أذربيجان
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net