نزع سلاح حزب الله فسح مجال لعبث الكيان الصهيوني
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

من كان يعتقد أنه بالإمكان كسر إرادة الشعوب، بإخضاعها إلى منطق الهزيمة والغلبة، فهو واهم وعليه أن يراجع موقفه ويصحح قناعاته، عليه أوّلا أن يراجع التاريخ القديم والمعاصر المليء بالأحداث والأمثلة، مؤكدة ثبات مواقف الشعوب المقاومة من أجل استعادة حريتها وكرامتها، فما خاب شعب سعى من أجل تحقيق تلك الغاية النبيلة، وقد لقّنت تلك الشعوب أعداءها دروسا في التضحيات والصمود، سجلها التاريخ بأحرف من العزّ والفخار.
مشروع توطين جذاذ الآفاق صهاينة العصر على ارض فلسطين بدأته بريطانيا عجوز الاستعمار الغربي، واستلمته أمريكا منها، دون أن تتخلى بدورها الذي انخرطت فيه، مؤسِّسة وشريكة بكامل حصّتها من ذلك المشروع الاستعماري الخبيث، وفيما كان قادة العرب وطنيين وعملاء يتنافسون على إضعاف القضية واستحقاقاتها، تدحرجا بها إلى ما خطط له أعداؤها، من ذهاب ريح جذوتها المتقدة حماسة من الشعوب العربية والإسلامية، كانت القوى الغربية تعمل جاهدة على نزع فتيل بقائها في مقدّمة اهتمامات الدول المعنيّة بها، فمن الجانب السياسي حققت سقوط دول في مستنقع التطبيع مع الكيان الغاصب، ولا مناص لبقية الدول من أن تسلك نفس المسلك إذا لم تبادر إلى غلق باب التطبيع بسن قانون ملزم يجرّم من يقترب منه، ومن الجانب العسكري تتهاطل امدادات الأسلحة والذخائر المتطورة القادمة من أمريكا على الكيان الغاصب، ومنها القنابل الثقيلة الخارقة لأعماق باطن الأرض التي استعملها الجيش الصهيوني في اغتيال الشهيد حسن نصر الله.
لقد أثبت الغرب بنزوعه عمدا إلى قتل الحق الفلسطيني، أنّه لم يتخلص من عقيدته الإستعمارية وبقي محافظا عليها، رغم معارضتها لما يدّعيه من شعارات حقوق الإنسان، أظهرت بهتان أصحابها ومناقضتهم لقيمها، بغضّ الطرف عما يرتكبه الكيان الغاصب من جرائم فاقت حدّ التصوّر، فما يحصل في غزّة وصمة عار على جبين دول الغرب لا تنمحي أبدا، فأيّ مصداقية لدول الغرب بعد جرائم المحق التي يرتكبها الكيان الصهيوني كل يوم في القطاع المنكوب حصارا وإبادة، وهو يراها بعين الحقد والكراهية العنصرية، دفاعا عن مشروعه في توطين نظام صهيوني استعماري فاقد للإنسانية؟
إنّ ما أفزع الغرب وحرّكهم من أجل الدفاع عن بؤرتهم الخبيثة، وسرطان عنصريتهم المتقدم في المنطقة، مشروع مقاومة الصهيونية والإستكبار العالمي، الذي دعا إليه الخميني منذ انتصار الثورة شعبه سنة 1979، وثبّته بعد ذلك نظامه الإسلامي كعقيدة في أوساط شعبه، ومضى عليه أحرار الشعوب الإسلامية، بما فيها الشعب الفلسطيني صاحب، القضية الأوّل، والذي يجب أن يبادر إلى تجسيدها بالعمل المسلح، فما أخذ بالقوة لا يستردّ بغير القوّة،
وقد استجابت طلائع شعوب العالمين العربي والإسلامي إلى هذا المشروع المصيري، فتأسست حركات مقاومة ودعم للقضية الفلسطينية، أثبتت بمرور الأيّام أنّها الحل الوحيد والناجع، لاستعادة الأرض المقدسة، المغتصبة من أيدي قتلة الأنبياء، فأزداد غيظ دول الغرب من إيران، بعد ثبات مواقفها في دعم حركات التحرر، سواء أكانت في فلسطين أو لبنان أو اليمن أو العراق، ومن أجل الحدّ من هذا الزخم المتنامي في عزائم الشعوب وإرادتها، بإنهاء استعمار لم يشهد له العالم مثيلا في التوحّش والإجرام، جاءوا بمقترحات مسمومة مثل حلّ الدولتين، الذي كان هدفه انهاء المقاومة المسلحة بأيد فلسطينية عميلة وكانت سلطة محمود عباس، اليد الباطشة بأيّ فلسطيني يُعْرَف عنه انتماؤه للمقاومة.
لقد خبر الصهيوني والغربي مدى فاعلية وقوة المقاومة، ولم يكن لديه خيار آخر من أجل التخلص منها، سوى انهاء أجنحتها العسكرية في فلسطين ولبنان، باستدراج الحكام الخاضعين لإرادة أمريكا ودول الغرب إلى العمل معها من أجل تحقيق هدف نزع أسلحة المقاومة، تمهيدا لإنهاء دورها العسكري في حماية الأرض والأنفس والعرض، وتتمكن القوات الصهيونية بعد ذلك من العربدة كما تفعل هذه الأسابيع في سوريا، حيث دمّرت طائراتها كل ما بُنِيَ سابقا من قواعد ومطارات ومخازن أسلحة، فضلا عن توغّل قواته البرّية في عمق الأراضي السورية دون أن يعترضها دفاع من الحكومة السورية الجديدة، المهتمة فقط في الإنتقام العشوائي من المدنيين السوريين، بعنوان طائفي بغيض.
وحتى لا يفوتنا ما وقع سابقا لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومحاصرتها من طرف القوات الصهيوني في العاصمة اللبنانية بيروت، كيف أسفرت المفاوضات على موافقة المنظمة على نزع أسلحتها والخروج من ميناء بيروت إلى تونس وعبر الحدود البرية السورية من 20/8/1982 إلى 1/9/1982 وما أسفر بعده ب 15 يوما، من استباحة مخيم صبرا وشاتيلا، من طرف عدوّ داخلي (الكتائب اللبنانية)، متعاونة مع قوات العدو الصهيوني، في سفك دماء مئات الأبرياء في المخيم المنكوب في 16/9/1982، والعبرة المستخلصة من ذلك، أنّ التخلّي عن سلاح المقاومة، من شأنه أن يعطي للأعداء فرصة سانحة للإنقضاض على عناصرها المتطوّعة وحواضنها الشعبية، فلا يبقوا لها بعد ذلك أثرا يذكر.
الدولة اللبنانية برئيسها وحكومته، يدركون جيّدا أن نزع سلاح حزب الله، ومعه سلاح المقاومة الفلسطينية ضرب من المستحيل، لكنّهم يأملون النجاح في ذلك، بتواطؤ مع أمريكا والقوى الغربية، خصوصا بريطانيا وفرنسا، وما نتابعه هذه الأيام من انتشار للجيش اللبناني في جنوب نهر الليطاني، بالتعاون مع قوات اليونيفيل الدولية، يؤشّر إلى أمر خطير جدّا، قد يشتعل فتيله في أيّ لحظة، خصوصا عندما يحاول هذا الجيش الضعيف فاقد الإرادة والإمكانيات، اختراق الخط الأحمر للمقاومة اللبنانية، وحزب الله يدرك تمام الإدراك، أنّ انتزاع سلاح عناصره، يساوي انتزاع روح إرادته في الدفاع عن أرضه وعناصر وجوده، كطليعة ايمانية لقّنت العدو الصهيوني دروسا لن ينساها في ميدان مواجهته في 2000 و2006، وما يستتبع ذلك من ملاحقة عناصره اعتقالا ومحاكمات في لبنان وخارجه.
نزع سلاح حزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية، مشروع غربي تسعى أمريكا ودول الغرب إلى تحقيقه، بمساعدة من سفهاء لبنان من سياسيين، وغيرهم من عبيد المنظومة الغربية، المتغلغلة داخل لبنان، والمدعومة من طرف قوى الغرب، من أمثال جعجع وكتائبه، وغيرهم ممن تجهزوا تماما للقيام بدور قذر، كانوا قاموا به من قبل في تقتيل الأبرياء، وشرفاء لبنان يدركون جيّدا حقيقة ما خفي على غيرهم، من أوضاع بلادهم الداخلية، والتي قاد تحركها جهات خارجية، متواطئة مع مشروع الغرب، في تقليم أظافر أحرار لبنان من أسلحتهم، تلك الأسلحة التي أثبتت شرف لبنان، وعزّ بقائه صامدا في وجه أعدائه، ولبنان بدون مقاومة يُراد له أن يعود خمّارة الشرق كما كان سابقا، يرتع فيها الفسّاق والخونة وفاقدي الوطنية والقيم، وهذا ضرب من الخيال، تسعى المنظومة الإستعمارية الغربية إلى تحقيقه، بكل ما أوتيت من جهد وخبث، وقريبا سنشهد ملحة عزّ، سيكون لها أثر في إيقاظ ضمائر واهمة، مازالت ترى في مشاريع الغرب فائدة وصلاحا للشعوب المستهدفة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat