اليوم، وبينما أُغمس رغيف ذكرياتي في كأسٍ من الزمن،
ارتدت مسامعي صوت التلاوة من الحرم المكي،
حيث كانت الساحات تغصُّ بأفواج البشر،
والمسجد يعجّ بالركّع السجود،
كأنه خلع ثوب الدنيا ليرتدي حلّة من نور،
قطعة من الجنة هبطت على الأرض.
وبعد أن كسرنا صيامنا بتمراتٍ مكية،
انطلقت آيات المغرب تشقّ عنان السماء،
وكانت عن الحبيب، صلى الله عليه وآله و الازكياء من اصحابه وسلم.
ارتجف قلبي كعصفورٍ أراد أن يحلّق من بين أضلعي،
ورأيت بخيالي ذاك الطهر، ذاك النور،
وكأنّه يُطلّ علينا من رحم الغيب،
يرى جموع المؤمنين وقد صدح اسمه في أرجاء مكة،
مكة التي كُذّب فيها، وعُذِّب فيها أصحابه،
تلك التي ضمّت آلامه وثباته ودموع دعائه.
وددت لو أني أراه،
أراه والناس تردد اسمه بخشوع،
والكون من حولهم يسكن بين يدي الله،
تتأمل الأرواح عظمة القرآن،
وتنحني القلوب أمام بهاء هذا الدين.
تبللت أقدام قلبي في أمواجٍ من السعادة،
وانفصلت عن أرض اللحظة، كأنني لم أكن معهم،
بل كنت أُحلّق بين الآيات،
وقلت في نفسي:
ما أعظم اختيار هذه التلاوة!
وكأن الله كتب أن تُقرأ اليوم،
وأن أكون أنا من يسمعها بهذا التوقيت،
كأن الآية نزلت لتهزّ وجداني.
فها أنا أغادر اللحظة، وما زال صدى التلاوة يهمس في أعماقي،
وكأن كل شيء في الكون اصطفّ ليبوح لي بسرٍّ قديم:
أنّ القلوب التي تعلقت بالحبيب،
لن تُضيّعها الطرق، ولن يُغشيها الزمان.
وأنّ ذكره إذا لامس الأرواح،
أوقد فيها ضياء لا يخبو،
وبثّ فيها حياةً لا تموت.
فهنيئًا لمن صلى خلف التلاوة بصدق الانتماء،
وهنيئًا لمن بكى تحت سُحب الذكر،
وهنيئًا لقلبي، إذ شهد لحظةً
تحمل من الجمال ما لا يُروى،
ومن الإيمان ما لا يُنسى.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat