صفحة الكاتب : محمد زيد ابوالقيس كهية

الرثاء الحسيني المؤثر في الشعر التركي: رضا صراف تبريزي نموذجًا
محمد زيد ابوالقيس كهية

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

"ديشره گل خیمده ن آخر جگریم یاندی باجی

الیم اوستنده علي اصغريم اوخلاندى باجی"

 

بهذه الأبيات المفعمة بالحزن واللوعة، يفتتح الشاعر رضا صراف تبريزي إحدى أعمق قصائده حسًّا، فيرسم بالكلمات مشهدًا دامعًا من ملحمة كربلاء، حيث يُستشهد الطفل الرضيع عبد الله (علي الأصغر) بين يدي والده الإمام الحسين (ع). كلمات تُذيب القلب وتُجسد روعة الرثاء الحسيني في الأدب التركي.

 

من هو رضا صراف تبريزي؟

 

ولد الشاعر رضا صراف التبريزي سنة 1271هـ في مدينة تبريز، في حي "رسته كوجه"، في بيئة يغلب عليها الطابع العلمي والديني. توفي والده وهو في سن الثانية عشرة، مما اضطره إلى العمل في سوق الصيرفة، فارتبط اسمه بلقب "الصراف". لكن هذا الانشغال لم يمنعه من التعلّق بالأدب والعلم، فكان ينهل من العربية والفارسية والتركية، ويشارك في الحلقات الأدبية بمدينة تبريز.

 

في العشرين من عمره، أصبح عضوًا بارزًا في جمعية "صفا الأدبية"، وتأثر بعدد من أعلام الشعر كالشاعر لنكراني، وتأثيره امتد إلى أسماء كبرى مثل الشاعر شهريار الذي قال عنه: "كان رضا صراف أحد عباقرة الأدب في أذربيجان".

ويعد احد أربعة شعراء تصدروا الرثاء الحسيني في المائة والخمسين السنة الأخيرة في الأدب التركي

 

ملامح شعره وخصوصيته

 

امتاز شعر رضا صراف ببساطته وعاطفته الجياشة، وابتعد عن التعقيد اللفظي، فخاطب القلب مباشرة. كان يرسم الصور الحزينة ببلاغة عالية، ويُلبس الحزن ثوبًا شعريًا آسرًا، يتغلغل في الوجدان. ولذا، فقد قورن بكبار الشعراء كالفضولي، والنظامي، وسعدي، والكميت، ودعبل، وسيد حيدر الحلي.

 

كتب في أغراض متعددة، لكنه خصص معظم شعره لأهل البيت عليهم السلام، وصارت قصائده الحسينية تُتلى في المجالس العاشورائية حتى اليوم، في إيران وأذربيجان والعراق وسوريا وتركيا والقوقاز.

 

من مراثيه الخالدة

 

من أبرز قصائده، تلك التي تبدأ بـ:

 

"هله ساغدي قارداشون اولميوب

آنـام اغلاما باجـيم آغلاما"

 

في هذه الأبيات، يجسد لحظة وصية الإمام الحسين (ع) لأخته زينب (ع) بالصبر ليلة عاشوراء، فيطلب منها ألا تبكي، فالوردة لم تذبل بعد، والنجوم لم تنطفئ... ولا تزال كربلاء في بداياتها.

 

ثم يستمر الشاعر بوصف المأساة في مشاهد متتابعة، فيقول:

 

"هله ظلم عرشه دايانميوب

هله شمر باشيمي كسميوب"

 

مصورًا زينب (ع) وكأنها تُطمئن نفسها بأن الأسوأ لم يقع بعد، وأن الأمل لا يزال قائمًا، رغم بشاعة ما جرى.

 

وفي رثاء علي الأكبر (ع)، يقول:

 

"اي گول کیمی قانه باتان

اکبریم اویان یاوریم اویان"

 

كأن الإمام الحسين (ع) يناجي ابنه الشهيد: أيها الوردة المخضبة بالدم، قم يا مهجتي، يا فتاي اليافع.

 

وفي مشهد آخر، نسمعه يتقمص نداء القاسم (ع) لعمه:

 

"اؤليرم بيرجه يتيش داده عمو

قويما نعشيم قاله صحراده عمو"

 

صرخة استغاثة من فتى على مشارف الموت، يطلب عمه كي لا يُترك جسده الطاهر مهجورًا في رمضاء كربلاء.

 

وفي رثاء العباس (ع):

 

"دور اي دعوالر اصلاني

ابوالفضليم علمداريم"

 

يرفع الحسين (ع) نداء اللوعة بعد سقوط الساقي، قمر بني هاشم، وحامل الراية.

 

ويبلغ التأثر ذروته حين تتحدث زينب (ع) عند فقد أخيها:

 

"اي حسين اي تاجيداريم اين انت يا اخي

گئتدي الدن اختياريم اين انت يا اخي"

 

العبارات تختلط بالدموع، واللغة تنصهر في نار الفقد، وتتحول الكلمات إلى نحيب مؤلم.

 

أثره وانتشاره

 

شعره اليوم يُقرأ على ألسنة قراء ورواديد كثيرين في شمال العراق وإيران وأذربيجان، ومن أبرز من قرأوا شعره: السيد هادي الموسوي، الشيخ أبو القيس كهية، ملا عصاف، ملا نقي، ملا باقر إسماعيل، وملا مصطفى كريم، وآخرون من تلعفر وكركوك وطوزخورماتو وديالى.

 

تراثه المطبوع

 

ذُكر ديوانه في كتاب "الذريعة" لآغا بزرك الطهراني، وقد طبع في تبريز، ويجمع بين الشعر التركي والفارسي، ويغلب عليه الطابع الحسيني. ما يزيد عن نصف قصائده تدور حول أهل البيت (عليهم السلام)، ويختمها دومًا بطلب شفاعتهم.

 

خاتمة

 

توفي رضا صراف تبريزي سنة 1325هـ، عن عمر ناهز 54 عامًا. ورغم عمره القصير، فقد ترك إرثًا أدبيًا خالدًا في وجدان الأمة. هو شاعر الرثاء الحسيني ،والقلم العلوي، الذي أحيا بفنه مآسي كربلاء، وأشعل في قلوب الأمة شعل الحزن الواعي.

 

رحمه الله، وجزاه عن حبّه وولائه خير الجزاء.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد زيد ابوالقيس كهية
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/04/10



كتابة تعليق لموضوع : الرثاء الحسيني المؤثر في الشعر التركي: رضا صراف تبريزي نموذجًا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net