تقنية الرد عند الدكتور يوسف شفيق بيومي الرضوي
طارق الغانمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
طارق الغانمي

اختط الباحث الدكتور يوسف شفيق الرضوي أسلوبا رائعا في التحاور في زمن ضج بجفوة التحاور والغلظة في البحث والمناظرة، وهو يبحث في هدوء، يتحرى الصواب، ويتمسك بالعروة الوثقى ولين الخطاب مهما كان الموضوع معقدا وفلسفيا.
عنده الموضوع القرآني من أهم المواضيع تمرسا، كونه ينهل من منهل أهل البيت عليهم السلام، ودائما ما يكون الطعن فيها مرتبكا، كون أغلب تلك الطعون ممنهجة سياسيا، ومحاورتها حسب علمية التقنية الخطابية عبر رصد الخطأ ومناقشته مناقشة متنامية.
وصفحات الفيس بوك لا تبخل علينا بمثل هذه المواضيع التي تثير حساسية التحاور لعظم أخطائها.
احد تلك التعليقات تقول (لماذا علينا ألا نأخذ بظواهر الألفاظ الواردة بالقران الكريم لنغير المعنى عن ظاهره؟ أليس هذا من التحريف؟
إن التأويل كما يرى صاحب التعقيب يغير المعاني القرآنية، ونحن نجد أن من أكبر أخطاء صاحب التعقيب الثقة العالية بالوهم، فهو لا يعقب بسؤال استفهامي مثلا، أو رأي أو تفسير، أو أي مقوم من مقومات الثقافة الاعتراضية، وإنما هو يعطي حكما لا يقبل الجدال والحوار ولا يسمح بمناقشة، ويحكم بقطع كل علاقة بالموضوع، وهذا الحكم القطعي هو الذي يركز الخلاف.
صاحب الحكم لا تهمه قضية الإقناع ولا يهمه من يقتنع بحكمها أو لا يقتنع، يدفع تلك الأحكام على عواهنه، بمعنى أقرب أن الأحكام المتصلبة لا تخضع حتى لمبدأ المحاورة وإنما تذهب صوب العناد والجدل الفارغ.
كونه لا يمتلك وجهة نظر أو فكرة تعني للمتلقي شيئا وإلا فهو لا يعد بقيمة، يقول صاحب التعقيب ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ انبرى لتحقيق هدفه في قذف التهمة، وفي الحكم الاعتراضي فهو يعلق، إن جميع تخريجات علماء الشيعة لن تقنعني أن موسى عليه السلام ليس بالشخص الجبان الذي ولى هاربا، ويبدأ بالتهجم على علماء الشيعة لماذا تختبئون خلف أصابعكم وتصرحون؟
ليصل إلى نتيجة أن الآية لا يمكن تأويلها إلا بأنه خاف وهرب، من الطبيعي أن رد السيد الرضوي يعتمد على عدة مهام منها قناعته الفكرية وعدم مصداقية حجج الخصم باعتبارها مجرد مغالطات غير منطقية، وأخطاء فكرية، والتناقضات تخل بقيمة الفكرة، لدينا شغلة مهمة من أجل إقناع المتلقي، يلجأ اغلب المتحاورين إلى إشاعة الفضائح والتشنيع على الخصم المحاور، وعلى منهجه، ويعمل على إعلان تفوقه بقصد إحداث نوع من التأثير فيكون الهدف الأساسي هو المتلقي، الباحث الدكتور الرضوي يمتلك تقنية عالية وله تمكن في توظيف التفسير والتأويل وأحداث التاريخ، يذهب الباحثون إلى تعدد أنماط الردود، فمنها الرد البلاغي ويرتبط عندهم بالفيلسوف البلجيكي برلمان، وهناك ردود منطقية تنسب إلى عالم المنطق والرياضيات السويسري جان بليز غريز.
ونوع من الردود يسمونها تداولية ترتبط بالمدرسة الهولندية رائدها كما يكتبون فان إيميل، وبعض الردود اللغوية عندهم تعود للعالم اللغوي ويكرو، في حال أن السيد الرضوي لا يعتمد على أي من هذه المنهجيات بل يرجع إلى منهجية أهل البيت عليهم السلام، هم البحر الزاخر بالعلوم ومن مناهلهم خرجت تلك المناهج فهو يرى أن الثقافة العامة غير ثقافة التخصص، بل تدل بعض الأمور على وجه التقريب وليس التخصيص وإلا الثقافة العامة لا تسمح للإنسان أن ينتقد علماء الشيعة لفرضيات لا تعني الحقيقة، هي أفكار، مجرد أفكار، وهناك الكثير من القول يحمل أبعادا أكبر من اللفاظة، يضرب الدكتور يوسف شفيق مثلا (فلان يده طويلة) هل يعني أن قياسات اليد أطول من أيدِ البشر، أم أن المعنى أن صاحبها غير أمين، لص يسرق الردود تبحث عن النتيجة، والمعقب يسأل هل للخوف معنى غير المعروف والثابت في الذهن؟، فكيف لكلمة واضحة المعنى ظاهرة البيان أن يكون لها معنى أخر؟ ويسال هل فعلا العلماء يقولون أن موسى لم ينتابه شعور الخوف؟ والردود عندها استدلالات منطقية وبراهين ونتائج وعندها منطق قد يكون حوارا متفردا فهو يعّرف لنا الخوف: ـ هو الحذر من شيء والخشية من الخطر، والخوف اضطراب في النفس لتوقع مكروه.
قال علماء النفس الخوف هو الشعور الناجم عن الخطر أو التهديد المتصور ويحدث عند الكائنات الحية ويؤدي إلى تغيير في السلوك مثل الهروب أو الاختفاء، نجد أن الرد عند السيد الرضوي تنامى في كشف الحقائق فهو يسعى لتعليم صاحب التعقيب ليصل به إلى الحقيقة التي تبحث عن التسليم والنتيجة حاسمة، صاحب التعقيب الصق بالخوف صفة الجبن، والسيد الرضوي بحث في معنى الجبن ليفرق بين مفردتي الخوف والجبن.
الجبن ضد الشجاعة وصاحب التعقيب ادعى خوف النبي والموقف دون التحيز السياسي وتأويل معين يجعل من العلاقة بين السيد الرضوي وبين صاحب التعقيب علاقة معلم وتلميذ، الخطاب بالظن والظن يحتمل الصواب والخطأ واحتمالية الخطأ هي مبعث الردود كون هذه المنطقة هدف الرد في كشف ضحالة
ة الاحتمال، وتكون منطلق فرز الحقيقة عن الباطل والإقناع أو الإقحام بواسطة النقاش العقلي والحوار مع الموضوع.
التعقيب يعتمد على القراءة الحرفية، والحقيقة أن الأنبياء عليهم السلام هم أكمل البشر، والنبي موسى حين خاف أو أخذ ناحية ليحتمي بها حتى لا يناله أذى الحية التي كانت تهتز كأنها جان، فهو يعمل وفق كماله العقلي الواجب عليه أن يخاف هذا الاحتياط والمحافظة على الروح هو كمالي وليس نقصا.
كيف لنا أن نطلب من النبي المعصوم أن يعرض نفسه لخطر حين ينتابه ويقع عليه واجب التحرز وفقا للأحكام الظاهرية التي لا بد للأنبياء من مراعاتها كغيرهم من البشر.
حين أتاه نداء لله الذي رفع عنه هذا التكليف وليصبح عذرا له في ترك الحذر، حين طمأنه الله سبحانه وتعالى، إلا أن هذه الحية التي كانت عصا خاضعة للأمر الإلهي وتحت تصرفه ليظهر معاجز الله سبحانه وتعالى أمام فرعون، وبهذا تكون العصا المنقولة إلى حية، وحركتها بأمر الله عز وجل، للتأمل في طريقة السيد الرضوي للوصول إلى الخصائص الجوهرية لمحتوى الرد، وتوسل المعاني التي يريد الوصول إليها، وإنما ستقوم بتبليغ ما يريد بيانا، لولا التطبيق الإلهي لما سقط عنه وجوب الحذر بل كان الله سبحانه سيطالبه به لو وقع قبل صدور هذا التطمين، الحذر والخوف من الخطر ليس جبنا كما صوره ذلك المثقف بل قمة العقل والكمال
المعروف في عمليات التحاور والنقاش وأصعب تلك المحاورات عندما تصل مع مجال العقائد، لأن بذرة الخلاف بما تتضمنه قناعة الفكر، قناعة تواجه قناعة، فكر يواجه فكرا، ادعاء واعتراض، هنا ما يدعم وما يفند، والقران الكريم هو المصدر الأول للتشريع وبالإضافة إلى السنة ومصادر التشريع الأخرى التي اختلفت الفرق الإسلامية على تحديدها.
الحوار يبدأ من وجود فرقة اعتبرت القرآن المصدر الوحيد للتشريع (حسبنا كتاب الله) وتجددت في عصرنا الأسماء أهل الذكر والقرآن، أمة مسلمة، القرآنيون، وأسماء أخرى، وهذه المسميات أنتجت مواقف وأفكار، والكشف عن تلك المواقف هي مهمة الرد، ينظر إلى أن فرقة (القرآنيون) انقسمت إلى قسمين، القسم الأول أن الحجية للقران الكريم وحده، وليس للسنن أو الأحاديث أي حجية حتى وأن وصلت بالتواتر، فقط الكتاب دون السنة النبوية المروية عن طريق رواة الاحاديث، القسم الثاني لا ينفون الاحاديث والروايات بشكل مطلق لكن حجيتها لا بد أن تكون ما خوذة من القران، يؤمنون بالسنة والحديث لكنهم يرون أن القران الكريم هو من يعطي الشرعية والحجية و سائر مصادر المعرفة الدينية النقلية، وفي رايهم أن الحديث الشريف لا تتوفر فيه الحجية، إلا بعد العرض على القران، نجد أن (القرآنيين) اعتمدوا على الشحن الدلالي يقصد به انفعالات وأحاسيس باتجاه أي رأي آخر، ويستخدمون الضغط والتأثير بواسطة الإثارة والتحريض.
البعض منهم يعتقد أن منع مدرسة الخلفاء لتدوين الحديث تحت أعذار واهية عدم حجية اختلاط الحديث مع القران، ابتعاد العهد بهم لتدوين الحديث، كان المنع لمدة ستة عقود، وهذا ما دفع القرآنيين للتشكك في صحة الأحاديث، وحجتهم في ذلك المسافة الزمنية، ولديهم هدف يعدونه أساسيا هو تناسب الوحي مع العلوم العصرية والطبيعية والفيزياء والكيمياء، ويعتبرون في السنة الشريفة مشاكل كثيره تصادم العلم، بعض الأحاديث الواردة عن النبي يعتبرون فيها الغبن اتجاه الناس، ويتحججون أن ليس في القران الكريم ما يثبت وجوب اتباع الحديث والسنة الشريفة فهم يعتبرون أن لا قيمة لأقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا لفعله ولا تقريره، والحاكمية فقط لكتاب الله عز وجل دون الغير، ويعدون الخلافات التي وقعت بين الفرق الإسلامية، تناحرت فيما بينها لأثبات أن كل طائفة هي الفرقة الناجية والسبب الرئيسي أن الشيعة حاولوا إثبات إمامة أهل البيت عليهم السلام من خلال الأحاديث الموجودة في مصادر أهل السنة، ولقطع الطريق على الشيعة فأنهم نفوا حجية الأحاديث التي تنسب الولاية لأهل البيت عليهم السلام.
نحن نجد وبثقة عالية إن هذه الردود قادرة على كشف فحوى العملية التحاورية، وكشف إمكانيات تفكير المحاور ومعرفة هدف كل محاورة ومعرفة الشبهات المعروضة لكل محاورة.
وفي محاورة السيد يوسف شفيق يرى أن القوانين المكتوبة لا بد لها من ترجمان يشرحها على أكمل وجه حتى لا تنحرف عن مقاصدها وإلا فسدت تلك الأحكام، وفقدت معناها والأحكام الإلهية لها صفة القداسة وهي أساسا لخيرهم في الدنيا والآخرة.
الحاكم على تلك الأحكام هو الشخص الذي يترجمها بأفعاله وأقواله ويراقب تطبيقها ويرشد الأشخاص المعنيين بها لأفضل الوسائل للعمل بها هو الحاكم، هو الأعلم بوسيلة الوصل بين الأحكام والأمر بها هو الله سبحانه وتعالى والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، هو حاكم على الكتاب وتأويله وتفسيره وكافة ما يختص به، ندرك تماما أن مثل هذه الردود تحتاج إلى لغة قادرة على التوضيح وتوجيه الرؤية وكيفيه توظيفها ليكون الرد مكثفا بليغا وليلائم مجرى الحديث الحواري، وبعض الحوارات يعطي للحوار قيمة فعالة في
استدراج المخاطب مع الانتباه على معطيات الإقناع والتركيز على المحور الأساسي الذي قامت عليه الردود، لو أن الله عز وجل أرسل الكتاب القران الكريم دون رسول للناس لما كانوا عملوا به لأنهم جاهلون، وغير مطلعين على أسراره وخباياه، وعلى خاصته وعامته ومطلقه ومقيده.
كتاب الله سبحانه، ليس مجرد كتاب يمكن لأي شخص أن يقرأه، إذن لصار جميع الناس رسل لله عز وجل، ومقتضى الحكمة أن يأتي إنسان من عند الله عز وجل هو منهم وعالم بأحوالهم وفي ذات الوقت يوحى له من الله تعالى.
ودوافع تحل محاورة تسهم في تركيز ذهنية المتلقي إلى فكرة البحث أي بمعنى تعميم رد الشبهة إلى الناس والمعنى الأقرب تحصين الفكر الإنساني من الشبهات، وبناء ثقافة الانتماء لمدرسة أهل البيت عليهم السلام، القران كان محفوظا في صدور المؤمنين تناقلوا ما حفظوه حتى تمت كتابته على صحف والواح وأخشاب، والناس تقطع بحجته دون الأحاديث ولا يمكن لهم أن يغفلوا الآيات المباركة التي أمرت الناس بأن تهتدي بهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الدكتور يوسف شفيق توغل في نصوص المعارضين ليصل إلى ثقافة الحوار ضمن علومهم وكتبهم وأسانيدهم، خاص أنه خبر الانتماء الثاني ودرس فيه حتى مال عنه إلى هداية مذهب أهل البيت عليهم السلام.
(تقنية الرد عند الدكتور يوسف شفيق بيومي الرضوي) //
طارق الغانمي
اختط الباحث الدكتور يوسف شفيق الرضوي أسلوبا رائعا في التحاور في زمن ضج بجفوة التحاور والغلظة في البحث والمناظرة، وهو يبحث في هدوء، يتحرى الصواب، ويتمسك بالعروة الوثقى ولين الخطاب مهما كان الموضوع معقدا وفلسفيا.
عنده الموضوع القرآني من أهم المواضيع تمرسا، كونه ينهل من منهل أهل البيت عليهم السلام، ودائما ما يكون الطعن فيها مرتبكا، كون أغلب تلك الطعون ممنهجة سياسيا، ومحاورتها حسب علمية التقنية الخطابية عبر رصد الخطأ ومناقشته مناقشة متنامية.
وصفحات الفيس بوك لا تبخل علينا بمثل هذه المواضيع التي تثير حساسية التحاور لعظم أخطائها.
احد تلك التعليقات تقول (لماذا علينا ألا نأخذ بظواهر الألفاظ الواردة بالقران الكريم لنغير المعنى عن ظاهره؟ أليس هذا من التحريف؟
إن التأويل كما يرى صاحب التعقيب يغير المعاني القرآنية، ونحن نجد أن من أكبر أخطاء صاحب التعقيب الثقة العالية بالوهم، فهو لا يعقب بسؤال استفهامي مثلا، أو رأي أو تفسير، أو أي مقوم من مقومات الثقافة الاعتراضية، وإنما هو يعطي حكما لا يقبل الجدال والحوار ولا يسمح بمناقشة، ويحكم بقطع كل علاقة بالموضوع، وهذا الحكم القطعي هو الذي يركز الخلاف.
صاحب الحكم لا تهمه قضية الإقناع ولا يهمه من يقتنع بحكمها أو لا يقتنع، يدفع تلك الأحكام على عواهنه، بمعنى أقرب أن الأحكام المتصلبة لا تخضع حتى لمبدأ المحاورة وإنما تذهب صوب العناد والجدل الفارغ.
كونه لا يمتلك وجهة نظر أو فكرة تعني للمتلقي شيئا وإلا فهو لا يعد بقيمة، يقول صاحب التعقيب ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ انبرى لتحقيق هدفه في قذف التهمة، وفي الحكم الاعتراضي فهو يعلق، إن جميع تخريجات علماء الشيعة لن تقنعني أن موسى عليه السلام ليس بالشخص الجبان الذي ولى هاربا، ويبدأ بالتهجم على علماء الشيعة لماذا تختبئون خلف أصابعكم وتصرحون؟
ليصل إلى نتيجة أن الآية لا يمكن تأويلها إلا بأنه خاف وهرب، من الطبيعي أن رد السيد الرضوي يعتمد على عدة مهام منها قناعته الفكرية وعدم مصداقية حجج الخصم باعتبارها مجرد مغالطات غير منطقية، وأخطاء فكرية، والتناقضات تخل بقيمة الفكرة، لدينا شغلة مهمة من أجل إقناع المتلقي، يلجأ اغلب المتحاورين إلى إشاعة الفضائح والتشنيع على الخصم المحاور، وعلى منهجه، ويعمل على إعلان تفوقه بقصد إحداث نوع من التأثير فيكون الهدف الأساسي هو المتلقي، الباحث الدكتور الرضوي يمتلك تقنية عالية وله تمكن في توظيف التفسير والتأويل وأحداث التاريخ، يذهب الباحثون إلى تعدد أنماط الردود، فمنها الرد البلاغي ويرتبط عندهم بالفيلسوف البلجيكي برلمان، وهناك ردود منطقية تنسب إلى عالم المنطق والرياضيات السويسري جان بليز غريز.
ونوع من الردود يسمونها تداولية ترتبط بالمدرسة الهولندية رائدها كما يكتبون فان إيميل، وبعض الردود اللغوية عندهم تعود للعالم اللغوي ويكرو، في حال أن السيد الرضوي لا يعتمد على أي من هذه المنهجيات بل يرجع إلى منهجية أهل البيت عليهم السلام، هم البحر الزاخر بالعلوم ومن مناهلهم خرجت تلك المناهج فهو يرى أن الثقافة العامة غير ثقافة التخصص، بل تدل بعض الأمور على وجه التقريب وليس التخصيص وإلا الثقافة العامة لا تسمح للإنسان أن ينتقد علماء الشيعة لفرضيات لا تعني الحقيقة، هي أفكار، مجرد أفكار، وهناك الكثير من القول يحمل أبعادا أكبر من اللفاظة، يضرب الدكتور يوسف شفيق مثلا (فلان يده طويلة) هل يعني أن قياسات اليد أطول من أيدِ البشر، أم أن المعنى أن صاحبها غير أمين، لص يسرق الردود تبحث عن النتيجة، والمعقب يسأل هل للخوف معنى غير المعروف والثابت في الذهن؟، فكيف لكلمة واضحة المعنى ظاهرة البيان أن يكون لها معنى أخر؟ ويسال هل فعلا العلماء يقولون أن موسى لم ينتابه شعور الخوف؟ والردود عندها استدلالات منطقية وبراهين ونتائج وعندها منطق قد يكون حوارا متفردا فهو يعّرف لنا الخوف: ـ هو الحذر من شيء والخشية من الخطر، والخوف اضطراب في النفس لتوقع مكروه.
قال علماء النفس الخوف هو الشعور الناجم عن الخطر أو التهديد المتصور ويحدث عند الكائنات الحية ويؤدي إلى تغيير في السلوك مثل الهروب أو الاختفاء، نجد أن الرد عند السيد الرضوي تنامى في كشف الحقائق فهو يسعى لتعليم صاحب التعقيب ليصل به إلى الحقيقة التي تبحث عن التسليم والنتيجة حاسمة، صاحب التعقيب الصق بالخوف صفة الجبن، والسيد الرضوي بحث في معنى الجبن ليفرق بين مفردتي الخوف والجبن.
الجبن ضد الشجاعة وصاحب التعقيب ادعى خوف النبي والموقف دون التحيز السياسي وتأويل معين يجعل من العلاقة بين السيد الرضوي وبين صاحب التعقيب علاقة معلم وتلميذ، الخطاب بالظن والظن يحتمل الصواب والخطأ واحتمالية الخطأ هي مبعث الردود كون هذه المنطقة هدف الرد في كشف ضحالة
ة الاحتمال، وتكون منطلق فرز الحقيقة عن الباطل والإقناع أو الإقحام بواسطة النقاش العقلي والحوار مع الموضوع.
التعقيب يعتمد على القراءة الحرفية، والحقيقة أن الأنبياء عليهم السلام هم أكمل البشر، والنبي موسى حين خاف أو أخذ ناحية ليحتمي بها حتى لا يناله أذى الحية التي كانت تهتز كأنها جان، فهو يعمل وفق كماله العقلي الواجب عليه أن يخاف هذا الاحتياط والمحافظة على الروح هو كمالي وليس نقصا.
كيف لنا أن نطلب من النبي المعصوم أن يعرض نفسه لخطر حين ينتابه ويقع عليه واجب التحرز وفقا للأحكام الظاهرية التي لا بد للأنبياء من مراعاتها كغيرهم من البشر.
حين أتاه نداء لله الذي رفع عنه هذا التكليف وليصبح عذرا له في ترك الحذر، حين طمأنه الله سبحانه وتعالى، إلا أن هذه الحية التي كانت عصا خاضعة للأمر الإلهي وتحت تصرفه ليظهر معاجز الله سبحانه وتعالى أمام فرعون، وبهذا تكون العصا المنقولة إلى حية، وحركتها بأمر الله عز وجل، للتأمل في طريقة السيد الرضوي للوصول إلى الخصائص الجوهرية لمحتوى الرد، وتوسل المعاني التي يريد الوصول إليها، وإنما ستقوم بتبليغ ما يريد بيانا، لولا التطبيق الإلهي لما سقط عنه وجوب الحذر بل كان الله سبحانه سيطالبه به لو وقع قبل صدور هذا التطمين، الحذر والخوف من الخطر ليس جبنا كما صوره ذلك المثقف بل قمة العقل والكمال
المعروف في عمليات التحاور والنقاش وأصعب تلك المحاورات عندما تصل مع مجال العقائد، لأن بذرة الخلاف بما تتضمنه قناعة الفكر، قناعة تواجه قناعة، فكر يواجه فكرا، ادعاء واعتراض، هنا ما يدعم وما يفند، والقران الكريم هو المصدر الأول للتشريع وبالإضافة إلى السنة ومصادر التشريع الأخرى التي اختلفت الفرق الإسلامية على تحديدها.
الحوار يبدأ من وجود فرقة اعتبرت القرآن المصدر الوحيد للتشريع (حسبنا كتاب الله) وتجددت في عصرنا الأسماء أهل الذكر والقرآن، أمة مسلمة، القرآنيون، وأسماء أخرى، وهذه المسميات أنتجت مواقف وأفكار، والكشف عن تلك المواقف هي مهمة الرد، ينظر إلى أن فرقة (القرآنيون) انقسمت إلى قسمين، القسم الأول أن الحجية للقران الكريم وحده، وليس للسنن أو الأحاديث أي حجية حتى وأن وصلت بالتواتر، فقط الكتاب دون السنة النبوية المروية عن طريق رواة الاحاديث، القسم الثاني لا ينفون الاحاديث والروايات بشكل مطلق لكن حجيتها لا بد أن تكون ما خوذة من القران، يؤمنون بالسنة والحديث لكنهم يرون أن القران الكريم هو من يعطي الشرعية والحجية و سائر مصادر المعرفة الدينية النقلية، وفي رايهم أن الحديث الشريف لا تتوفر فيه الحجية، إلا بعد العرض على القران، نجد أن (القرآنيين) اعتمدوا على الشحن الدلالي يقصد به انفعالات وأحاسيس باتجاه أي رأي آخر، ويستخدمون الضغط والتأثير بواسطة الإثارة والتحريض.
البعض منهم يعتقد أن منع مدرسة الخلفاء لتدوين الحديث تحت أعذار واهية عدم حجية اختلاط الحديث مع القران، ابتعاد العهد بهم لتدوين الحديث، كان المنع لمدة ستة عقود، وهذا ما دفع القرآنيين للتشكك في صحة الأحاديث، وحجتهم في ذلك المسافة الزمنية، ولديهم هدف يعدونه أساسيا هو تناسب الوحي مع العلوم العصرية والطبيعية والفيزياء والكيمياء، ويعتبرون في السنة الشريفة مشاكل كثيره تصادم العلم، بعض الأحاديث الواردة عن النبي يعتبرون فيها الغبن اتجاه الناس، ويتحججون أن ليس في القران الكريم ما يثبت وجوب اتباع الحديث والسنة الشريفة فهم يعتبرون أن لا قيمة لأقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا لفعله ولا تقريره، والحاكمية فقط لكتاب الله عز وجل دون الغير، ويعدون الخلافات التي وقعت بين الفرق الإسلامية، تناحرت فيما بينها لأثبات أن كل طائفة هي الفرقة الناجية والسبب الرئيسي أن الشيعة حاولوا إثبات إمامة أهل البيت عليهم السلام من خلال الأحاديث الموجودة في مصادر أهل السنة، ولقطع الطريق على الشيعة فأنهم نفوا حجية الأحاديث التي تنسب الولاية لأهل البيت عليهم السلام.
نحن نجد وبثقة عالية إن هذه الردود قادرة على كشف فحوى العملية التحاورية، وكشف إمكانيات تفكير المحاور ومعرفة هدف كل محاورة ومعرفة الشبهات المعروضة لكل محاورة.
وفي محاورة السيد يوسف شفيق يرى أن القوانين المكتوبة لا بد لها من ترجمان يشرحها على أكمل وجه حتى لا تنحرف عن مقاصدها وإلا فسدت تلك الأحكام، وفقدت معناها والأحكام الإلهية لها صفة القداسة وهي أساسا لخيرهم في الدنيا والآخرة.
الحاكم على تلك الأحكام هو الشخص الذي يترجمها بأفعاله وأقواله ويراقب تطبيقها ويرشد الأشخاص المعنيين بها لأفضل الوسائل للعمل بها هو الحاكم، هو الأعلم بوسيلة الوصل بين الأحكام والأمر بها هو الله سبحانه وتعالى والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، هو حاكم على الكتاب وتأويله وتفسيره وكافة ما يختص به، ندرك تماما أن مثل هذه الردود تحتاج إلى لغة قادرة على التوضيح وتوجيه الرؤية وكيفيه توظيفها ليكون الرد مكثفا بليغا وليلائم مجرى الحديث الحواري، وبعض الحوارات يعطي للحوار قيمة فعالة في
استدراج المخاطب مع الانتباه على معطيات الإقناع والتركيز على المحور الأساسي الذي قامت عليه الردود، لو أن الله عز وجل أرسل الكتاب القران الكريم دون رسول للناس لما كانوا عملوا به لأنهم جاهلون، وغير مطلعين على أسراره وخباياه، وعلى خاصته وعامته ومطلقه ومقيده.
كتاب الله سبحانه، ليس مجرد كتاب يمكن لأي شخص أن يقرأه، إذن لصار جميع الناس رسل لله عز وجل، ومقتضى الحكمة أن يأتي إنسان من عند الله عز وجل هو منهم وعالم بأحوالهم وفي ذات الوقت يوحى له من الله تعالى.
ودوافع تحل محاورة تسهم في تركيز ذهنية المتلقي إلى فكرة البحث أي بمعنى تعميم رد الشبهة إلى الناس والمعنى الأقرب تحصين الفكر الإنساني من الشبهات، وبناء ثقافة الانتماء لمدرسة أهل البيت عليهم السلام، القران كان محفوظا في صدور المؤمنين تناقلوا ما حفظوه حتى تمت كتابته على صحف والواح وأخشاب، والناس تقطع بحجته دون الأحاديث ولا يمكن لهم أن يغفلوا الآيات المباركة التي أمرت الناس بأن تهتدي بهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الدكتور يوسف شفيق توغل في نصوص المعارضين ليصل إلى ثقافة الحوار ضمن علومهم وكتبهم وأسانيدهم، خاص أنه خبر الانتماء الثاني ودرس فيه حتى مال عنه إلى هداية مذهب أهل البيت عليهم السلام.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat