التربية في ظل التطورات الحديثة
د . بتول عرندس
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . بتول عرندس

تواجه التربية اليوم تحديات كبرى مع تسارع التطورات التكنولوجية والثقافية التي أثرت على بنية الأسرة والمجتمع. فالبيئة الرقمية فرضت أنماطًا جديدة من التفاعل، ما يستوجب إعادة النظر في الأساليب التربوية لتكون أكثر تكاملًا مع القيم الدينية والثقافية، دون أن تنفصل عن الواقع المعاصر.
إنّ التربية في البيئة الإسلامية ليست مجرّد عملية تقليدية، بل هي بناء متكامل يستند إلى المبادئ الإلهية والتوجيهات النبوية، مع الأخذ بعين الاعتبار التحولات الحديثة التي طرأت على الذهنية الفردية والجمعية. فاليوم، لم تعد المعرفة مقتصرة على الكتب والمجالس العلمية، بل صارت ممتدة إلى العالم الرقمي، حيث تتشكل المفاهيم وتتأثر العقول بسرعة غير مسبوقة. وهنا تبرز الحاجة إلى تربية متوازنة، تجمع بين الأصالة والتجديد، بين التراث والحداثة، دون أن تفقد هويتها أو تذوب في تيارات غريبة عن بيئتها.
التربية في الفكر الإسلامي ليست ترفًا فكريًا، بل مسؤولية ذات أبعاد اجتماعية وروحية. إذ تؤكد النصوص على أهمية البناء الأخلاقي إلى جانب البناء العقلي، وهو ما يستوجب التركيز على تربية الوجدان إلى جانب تعليم المهارات. ومن هذا المنطلق، فإنّ التربية اليوم يجب أن تتبنى وسائل حديثة دون أن تتخلى عن جوهرها. فمثلاً، يمكن توظيف الذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية لتعزيز القيم الدينية، بدلًا من أن تتحول هذه الأدوات إلى معاول هدم للهوية الثقافية.
أما على المستوى الأسري، فإنّ العلاقة بين الأبوين والأبناء يجب أن تتخذ بعدًا جديدًا يتجاوز التلقين التقليدي، ليكون حوارًا قائمًا على التفهّم والاحتواء. فالتربية الإسلامية الحقة ليست قائمة على القسر، بل على زرع القيم بالإقناع والتجربة الحية. وهذا يستدعي أن يكون المربّي نفسه قدوة، لا مجرد ناصح، وأن يمتلك من المعرفة ما يؤهله لمواكبة أسئلة الجيل الجديد الذي بات أكثر وعيًا وانفتاحًا على الأفكار المختلفة.
وفي ظل هذه التحولات، تأتي ضرورة إعادة النظر في المناهج التربوية بحيث تصبح أكثر انسجامًا مع التحديات الراهنة. فلا يمكن أن تظل التربية في إطارها التقليدي بينما يعيش الأطفال والمراهقون في بيئة مليئة بالإثارات الفكرية والتقنية. لذا، من الضروري أن يتضمن المنهج التربوي مهارات التفكير النقدي، وإدارة الذات، والتفاعل الواعي مع الوسائل الحديثة، بحيث يكون الجيل القادم قادرًا على مواجهة التيارات الفكرية دون أن يفقد ثوابته.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat