ناتنياهو بين فخاخ الهزيمة والمحاسبة الداخلية ومذكرات الإعتقال
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

مهما أخفى الإعلام الصهيوني متحالفا معه الإعلام الغربي، نتائج المعارك الدائرة بين قوى المقاومة والقوات الصهيونية في قطاع غزة وفي جنوب لبنان، فإن البيانات العسكرية لإعلام قوى المقاومة الحربي، تؤكد كلّ يوم عجز الجيش الصهيوني، بما يمتلكه من أسلحة أدوات ووسائل متطوّرة، عن تحقيق انتصار ببلوغ أهدافه المرسومة، كان في حسابات قادته سهلا، بإمكانهم تحقيقه في ظرف وجيز.
واثبتت المواجهات العسكرية، التي دارت رحاها بين عناصر المقاومة في غزة والجيش الصهيوني شجاعة نادرة للمقاوم الفلسطيني، بعدما ضرب أمثلة عظيمة من الشجاعة والثبات والصبر، حقق بها نجاحات مثيرة للعجب، في التغلب على قوات مدججة بأحدث الأسلحة الأمريكية، بينما كان يفتقد مع الحصار المطبق المفروض على قطاعه منذ سنوات، ابسط مستلزمات العيش، فضلا عن الأسلحة الضرورية، وهذه معادلة جديدة تحسب للمقاومة، في مواجهة عدو وحشيّ، يقف العالم وراءه بين داعم وصامت على جرائمه، والمثال الأسطوري الذي ضربه الشهيد القائد (يحي السنوار)، يكفي دلالة على تنسّم المقاومة علياء العزّ والإباء، وهيهات أن ينكسر منهج عزّ وإباء ولو تحالف العالم عليه.
في جنوب لبنان عجز الجيش الصهيوني بمختلف قطاعاته البرية، وفي مقدمتها الوية النخبة جولاني وغيرها من ألوية الاقتحام المحمولة جوا والمدرّعة، على التقدم بضعة مئات من الامتار، وإذا ما دخلت قرية حدودية بدباباتها ومدرّعاتها، لم تستطع التموقع والبقاء فيها، واتخاذها منطلقا جديدا لعملياتها، وهنا تظهر قدرة قوات المقاومة على امتصاص هجمات العدو الصهيوني، واستدراجها بفسح المجال لدخولها إلى مناطق معيّنة، مع اعداد الألغام ونصب الكمائن لها، ما أدى إلى وقوع عديد أفرادها بين قتيل وجريح، زيادة على الخسائر الكبيرة في الدبابات والأعتدة.
وفيما تتخبط القيادة العسكرية للعدو الصهيوني في قراراتها وأوامرها، من أجل إيجاد سبيل يغير حال هجومها البري المتعثر على جنوب لبنان، تبدو التقارير العسكرية سلبية بالمرة وقد مر شهر و23 يوما على انطلاق العدوان البريّ، وهدفه بلوغ جنوبي نهر الليطاني، بهدف تحويل المنطقة من شمالي فلسطين المحتلة، إلى الضفّة الجنوبية للنهر منطقة منزوعة السلاح، من شأنها أن تؤمّن مستوطنات الشمال الفلسطيني، من هجمات بريّة محتملة من قوى المقاومة، وتكون قاذفات صواريخها تحت السيطرة والمراقبة القريبة.
وفيما أعلنت القيادة العسكرية الصهيونية عن انتهاء المرحلة الأولى من هجومها وبدء المرحلة الثانية، يبدو الوضع على الجبهة الشمالية مثخنا بالخسائر لجيشها، دون أن يحقّق شيئا يستحقّ ذكره، خسائر تخشى حكومة الكيان الغاصب إعلانها، من شأنها أن تشكّل صدمة عنيفة في عمق الداخل الصهيوني، وتؤدّي حتما إلى تأليب الشارع عليها ودفعها إلى القبول بوقف القتال والاستجابة لشروط حزب الله كاملة، ونحن نعمل أن الإسرائيلي لا يحبّ الموت.
بلوغ نهر الليطاني أصبح مجرد أمنية، تحرّق لها ناتنياهو بحكومته وقيادته العسكرية، أسقط بلوغها رجال الله في ميدان المواجهات الشرسة التي وقعت في الأيام الماضية، ولا يزال حلم ناتنياهو قائما رغم أنّ الهدف أصبح هدفا بعيد المنال، وخسائر المرحلتين من الهجوم، بلغتا مبلغا لم يكن يتوقعه، رغم التكتم الشديد والتعتيم الإعلامي على مخلفات الهجمات، بلدة الخيّام تسطّر أروع الأمثلة في البطولة، وفيها وجد الجنود الصهاينة الويل والثبور، وبسواعد أبطال المقاومة فيها هزموا الفرقتين المهاجمتين محققين إصابات بين قتيل وجريح، مع تدمير دبابة ميركافا، واحتراقها بمن فيها.
قتال غير متكافئ في الأعتدة، ولا في التغطية الجوّية بالنسبة لحزب الله، فهو لا يملك سوى قوات برّية متحصّنة حسنة التدريب لها خبرة قتالية كبيرة، وهذا العنصر الذي جعل منها قوّة ذات بأس شديد، تمكنت من الصمود في وجه أعتى الهجمات الإسرائيلية، لحد كتابة هذه السطور، وهذا ما يبشّر بأنّ نصر المقاومة قادم لا محالة، ومن يشكّ في وعد الله من ينصُرُهُ بالنصر ( لينصرنّ الله من ينصره إنّ الله لقويّ عزيز)، في اعتقادي أنّ موقعة الخيام هي أكبر من موقعة وادي الحجير سنة 2006، وهي نموذج من المواجهات العسكرية التي يحكمها الايمان العميق الراسخ قي قلوب المقاومين على حدود لبنان الجنوبية، مع زيادة معتبرة في الإمكانيات العسكرية، وقد ظهرت في المعركة اسراب الطائرات الإنقضاضية، التي فتكت بعساكر لوائين صهيونيين، أردتهم بآلياتهم بين قتيل وجريح، وما زاد المهاجمين الصهاينة ارتباكا، خروج المقاومين عليهم من مكامن لم يكونوا يتوقعونها، وقائع الحرب هذه الأيام، درس تقدمه المقاومة الاسلامية للعالم باسره، غربيه المتعجرف وشرقيه المتردد، الذي يقدم مصلحته الاقتصادية قبل أي مصلحة، كموقف الصين الخجول، وهي تعلم أنّها على قائمة الدول التي تتهيأ لها أمريكا.
لقد برهن التاريخ بوقائعه العسكرية، في كوبا، وفي فيتنام، وفي نيكاراغوا، وفي أفغانستان، وفي حرب لبنان 2000 و2006 عجز الجيوش النظامية في مواجهة حرب العصابات، رغم عدّتها وعددها وامكاناتها اللوجستية، لذلك لا يختلف مختصان في المجال العسكري في القول، بأنّ دخول أي قوّة عسكرية نظامية في مواجهة مع مجموعات عسكرية غير نظامية، من شأنها أن تفضي إلى حرب استنزاف ليست في صالح القوات النظامية، وهذا ما ينطبق على حالة القوات الإسرائيلية، الواقعة هذه الأسابيع في مصيدة حزب الله، التي استدرجها إليها في جنوب لبنان.
وبعد مذكّرات الإعتقال التي وزعتها محكمة العدل الدولية على العالم للقبض على رئيس الوزراء الإسرائيلي (ناتنياهو) ووزير حربه (غالنت)، يزداد وضع الكيان صعوبة عسكريا وسياسيا وقانونا دوليا، فليست التّهم التي بنيت عليها مذكرات الإعتقال ظنّية، أو من قبيل خبر غير موثّق، وإنّما هي أحداث موثقة بالصوت وصور الفيديو، سجّلتها عدسات المصورين الصحفيين، ونقلوها على هواء فضائياتهم، من غزّة ومن بيروت ومدن جنوب لبنان، جرائم حرب مروعة في قتل المدنيين، وتدمير بنى تحتية لا غنى للحياة البشرية عنها، لقد تقيّدت مجال حركة رئيس حكومة الإسرائيلية بهذه المذكّرة، وخشية اعتقاله تبقى قائمة، فيما أراد الذهاب الى بلد قد يطبّق المذكرة، هذا دون أن نضع في الاعتبار سوء حاله بين الجمهور الصهيوني وتدنّي شعبيته بينهم إلى أدنى مستوى له، فأيامه أصبحت معدودة، وسقوط حكومته أصبح قاب قوسين أو أدنى، ويبدو أن أمريكا بايدن أو ترامب أيّا كان اسم رئيسها- فهو شكل من أشكال السياسة الأمريكية، التي تتخذ من مظاهر البهرجة والتعالي على العالم ما يعطي صورة مظهرية كاذبة لأمريكا شيطانة هذا العالم، ولا أراها مجازفة بالدخول في حرب، لمجرّد دعوى حماية قاعدتها العسكرية الكبرى (إسرائيل).
فخاخ تتكاثر حول رئيس الوزراء الإسرائيلي ويضيق عليه خناقه، بمرور الوقت، فأين مفرّه بعد كلّ هذا؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat