تفاسير قرآنية لكلمة (النعيم) (ح 3)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

وردت كلمة النعيم في عدد من الآيات القرآنية "لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم" (المائدة 65)، و "تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم" (يونس 9)، و "فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم" (الحج 56)، و "الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم" (لقمان 8)، و"في جنات النعيم" (الصافات 43) (الواقعة 12)، و "ان للمتقين عند ربهم جنات النعيم" (القلم 34)، و "واجعلني من ورثة جنة النعيم" (الشعراء 85). حلقات هذه السلسلة تبين تفاسير الآيات التي وردت فيها كلمة (النعيم) لمجموعة من المفسرين منهم الطبرسي والميسر والطباطبائي وطنطاوي ومغنية ومكارم الشيرازي.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴿التكاثر 8﴾ قال مقاتل: يعني كفار مكة كانوا في الدنيا في الخير والنعمة فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه إذ لم يشكروا رب النعيم حيث عبدوا غيره وأشركوا به ثم يعذبون على ترك الشكر وهذا قول الحسن قال لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار وقال الأكثرون: أن المعنى ثم لتسئلن يا معاشر المكلفين عن النعيم قال قتادة: إن الله سائل كل ذي نعمة عما أنعم عليه وقيل عن النعيم في المأكل والمشرب وغيرهما من الملاذ عن سعيد بن جبير وقيل النعيم الصحة والفراغ عن عكرمة ويعضده ما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ وقيل هو الأمن والصحة عن عبد الله بن مسعود ومجاهد وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام وقيل يسأل عن كل نعيم إلا ما خصه الحديث وهو قوله ثلاث لا يسأل عنها العبد خرقة يواري بها عورته أو كسرة يسد بها جوعته أو بيت يكنه من الحر والبرد وروي أن بعض الصحابة أضاف النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مع جماعة من أصحابه فوجدوا عنده تمرا وماء باردا فأكلوا فلما خرجوا قال هذا من النعيم الذي تسألون عنه. وروى العياشي بإسناده في حديث طويل قال سأل أبو حنيفة أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الآية فقال له ما النعيم عندك يا نعمان قال القوت من الطعام والماء البارد فقال لئن أوقفك الله يوم القيامة بين يديه حتى يسألك عن كل أكلة أكلتها وشربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه قال فما النعيم جعلت فداك قال نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين وبنا ألف الله بين قلوبهم وجعلهم إخوانا بعد أن كانوا أعداء وبنا هداهم الله للإسلام وهي النعمة التي لا تنقطع والله سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم الله به عليهم وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وعترته.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: عن النعيم: قوله علا شأنه "وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ" ﴿الشعراء 85﴾ تقدم معنى وراثة الجنة في تفسير قوله تعالى: " أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ" (المؤمنون 10) عن النعيم: قال الله تعالى "فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ" ﴿الواقعة 12﴾ ثمّ يوضّح ـ في جملة قصيرة ـ المقام العالي للمقرّبين حيث يقول سبحانه: "في جنّات النعيم" التعبير بـ "جنّات النعيم" يشمل أنواع النعم المادية والمعنوية، ويمكن إعتبار هذا التعبير إشارة إلى أنّ بساتين الجنّة هي وحدها مركز النعمة والراحة في مقابل بساتين الدنيا التي تحتاج إلى الجهد والتعب، كما أنّ حالة المقربين في الدنيا تختلف عن حالة المقرّبين في الآخرة، حيث أنّ مقامهم العالي في الدنيا كان توأماً مع المسؤوليات والطاعات في حين أنّ مقامهم في الآخرة سبب للنعمة فقط. ومن البديهي أنّ المقصود من (القرب) ليس (القرب المكاني) لأنّ الله ليس له مكان، وهو أقرب إلينا من أنفسنا، والمقصود هنا هو (القرب المقامي). قوله جل جلاله "إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ" ﴿القلم 34﴾ يستعرض البارئ عز وجل حالة المتقين فيقول: "إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم". "جنات" من (الجنة) حيث كل نعمة متصورة على أفضل صورة لها تكون هناك، بالإضافة إلى النعم التي لم تخطر على البال. ولأن قسما من المشركين والمترفين كانوا يدعون علو المقام وسموه في يوم القيامة كما هو عليه في الدنيا، لذا فإن الله يوبخهم على هذا الادعاء بشدة في الآية اللاحقة.
والنعمة (بالكسر): المنة أو الفضل. النعماء أو النعيم يعني واسع النعمة. النعمة بكسر النون في الملك، وبفتحها في البدن والدين، ورأي ثاني بالكسر من المنة وهو الإفضال والعطية، وبالفتح من التنعيم وهو سعة العيش والراحة. النعمة عادة سعة وراحة محدودة ودنيوية بينما النعيم أكبر من النعمة وللآخرة "جنات النعيم". النعيم أبدي أو لفترة أطول من النعمة. لذلك يطلق على جنة الآخرة بالنعيم بينما جنة الدنيا بالنعمة. و نعيم المكان يعني أن كل شيء فيه نعمة. في تفسير قوله تعالى: "ثم لتسألن يومئذ عن النعيم" (التكاثر 8)، أن المراد بالنعيم الولاية. في القرآن الكريم وردت النعمة بالكسر في آيات كثيرة حيث العبد يشكر النعمة بينما النعمة بالفتح وردت في عدد قليل من الآيات تدل على ان العبد لا يشكر النعمة.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: عن النعيم قوله جل اسمه "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ" ﴿لقمان 8﴾ أجل، إنّ هذه الفئة على عكس المستكبرين والضالّين المضلّين الذين لا يرون آثار قدرة الله في عالم الوجود، ولا يصغون إلى كلام أنبياء الله. إنّ هؤلاء يؤمنون بحكم العقل الواعي، والعين البصيرة، والاُذن السامعة التي منحهم الله إيّاها، يؤمنون بآيات الله ويعملون بها صالحاً، فما أجدر أن يكون لاُولئك العذاب الأليم، ولهؤلاء جنّات النعيم. والأهمّ من ذلك أنّ هذه الجنان الوافرة النعم خالدة لهؤلاء "خالدين فيها وعد الله حقّاً" والله سبحانه لا يعد كذباً، وليس عاجزاً عن الوفاء بوعوده "وهو العزيز الحكيم". وثمّة مسألة تستحقّ الدقّة، وهي أنّه قد ورد العذاب في حقّ المستكبرين بصيغة المفرد، وفي شأن المؤمنين الذين يعملون الصالحات جاءت (الجنّات) بصيغة الجمع، وذلك لأنّ رحمة الله عزّوجلّ وسعت غضبه. والتأكيد على الخلود ووعد الله الحقّ، تأكيد أيضاً على سعة هذه الرحمة، وتفوّقها على الغضب. وللنعيم معنىً واسع يشمل كلّ أنواع النعم الماديّة والمعنوية، وحتّى النعم التي لا يمكن أن ندركها، فنحن اُسارى شهوات البدن في هذه الدنيا، والراغب في (مفرداته) يقول: النعيم: النعمة الكثيرة. قوله سبحانه "فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ" ﴿الصافات 43﴾ أنواع الفواكه التي تقدّم لأهل الجنّة باحترام وتجليل، لنتطرّق إلى أماكنهم في الجنّة، حيث أنّ القرآن الكريم يقول: إنّ أماكنهم في حدائق خضراء مملوءة بنعم الجنّة (في جنّات النعيم). فأي نعمة يتمنّونها موجودة هناك، وكلّ ما يطلبون يجدونه أمامهم.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat