صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

القرآن الكريم وأخذ العبرة من انتكاسة ثورة العشرين العراقية 1920 (ح 1)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

العبرة من قصة ثورة العشرين العراقية عام 1920 دروسها أن العدو الداخلي أهم من العدو الخارجي وأن البرغماتية في التعامل للوصول الى منفعة الشعب مطلوبة جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى في عبرة "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" ﴿يوسف 111﴾ "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ". فهي مرآة يستطيعون من خلالها أن يروا عوامل النصر والهزيمة، الهناء والحرمان، السعادة والشقاء، العزّ والذلّة، والخلاصة كلّ ما له قيمة في حياة الإنسان وما ليس له قيمة. وهي مرآة لكلّ تجارب المجتمعات السابقة والرجال العظام. ومرآة نشاهد فيها ذلك العمر القصير للإنسان كيف يطول بمقدار عمر كلّ البشر. ولكن أُولي الألباب وذوي البصائر فقط بإستطاعتهم أن يشاهدوا العبر في صفحة المرآة العجيبة هذه: "مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ". فهذه الآيات التي أنزلناها عليك والتي أزاحت الستار عن التأريخ الصحيح للاُمم السابقة ليست من العلم البشري الذي يمكن معرفته عن العلماء، بل إنّ الكتب السّماوية السابقة تشهد على ذلك وتصدّقه وتؤيّده وبالإضافة إلى ذلك ففي هذه الآيات كلّ ما يحتاجه الإنسان في تأمين سعادته وتكامله: "وتفصيل كلّ شيء". ولهذا السبب فهي "وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" فالظاهر من الآية أعلاه أنّها تُريد أن تشير إلى هذه النقطة المهمّة وهي: إنّ للقصص المصنوعة ذات الإثارة كثيرة في أوساط الاُمم وهي من الأساطير الخيالية، ولكن لا يتوهّم أحد بأنّ سيرة يوسف أو سير بقيّة الأنبياء التي ذكرها القرآن الكريم من ذلك القبيل. المهمّ أنّ هذه القصص المثيرة وذات العِبَر هي عين الواقع ولا تحتوي على أدنى إنحراف عن الواقع الموضوعي، ولهذا السبب يكون تأثيرها كبيراً جدّاً، لأنّنا نعلم أنّ الأساطير مهما تكن شيّقة ومثيرة فإنّ تأثيرها قليل إذا ما قُورنت مع سيرة واقعيّة لأنّ: 1 ـ عندما يصل القاريء أو المستمع للقصّة إلى أقصى لحظات الإثارة يتبادر إلى ذهنه فجأة أنّ هذا وهم وخيال ليس أكثر. 2 ـ إنّ هذه القصص في الواقع هي من هندسة الإنسان، فهو يحاول أن يُجسّم أفكاره في سلوك بطل القصّة، ولذلك فهي ليست أكثر من فكر الإنسان، وهذه القصّة بالمقارنة مع السير الواقعيّة بينهما فرق شاسع ولا تستطيع القصّة البشرية أن تكون أكثر من موعظة لصاحب المقالة. ولكن التاريخ الواقعي للبشر ليس كذلك، فهو أكثر ثمراً ونفعاً وأكثر بركة.

جاء في موقع الألوكة الشرعية عن القصص القرآني: عبر ودروس للكاتب مرشد الحيالي: قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" (يوسف 111) منهج القصص القرآني: إن القصص القرآني له أهداف عظيمة، وغايات سامية في طريقة العرض والبيان، وهذا ما جعل للقصة أسلوبًا، ومنهجًا في القرآن يُغاير ما يُحكى من قصص وحكايات في الأدب والفن، ويتبيَّن ذلك فيما يلي: أولًا: التكـرار: وهـذا التكـرار في القصَّـة القرآنيـة جاء لغرض ديني ليس أسلوبًا جديدًا يتناسب مع سياق الآيات التي وردت في القصة، فهو ليس تكرارًا مطلقًا فتُعرض القصة في صور مختلفة، ومشاهد مختلفة من جوانب عدة في التقديم والتأخير، والإيجاز والإطناب كما في قصة موسى، وهي أكثر القصص تكرارًا كما قال ابن تيمية رحمه الله؛ لما احتوته من المعاني الجليلة والقضايا الهامَّة. ثانيًا: في طريقة عرض القصة فنجد القرآن تارةً يذكر القصة أحيانًا بكامل تفاصيلها، وتارةً يكتفي بذكر ملخص عنها أو إشارة إليها، وتارة يتوسَّط بين هذا وذاك، كل ذلك بحكمة بالغة وبلاغة بديعة؛ مما يُحقِّق الغرض من القصة، تأمَّل مثلًا "وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ" (يس 20-25). يتكلم عن الرجل الداعية ثم ينقطع الكلام فجأة ويوحي سياق القصة بعد ذلك أنهم لم يمهلوه أن قتلوه، وإن كان لا يذكر شيئًا من هذا صراحة، إنما يسدل الستار على الدنيا وما فيها، وعلى القوم وما هم فيه، ويرفعه لنرى هذا الشهيد الذي جَهَر بكلمة الحق، متبعًا صوت الفطرة، وقذف بها في وجوه من يملكون التهديد والتنكيل، نراه في العالم الآخر، ويطلعنا القرآن على ما ادَّخر الله له من كرامة تليق بمقام المؤمن الشجاع المخلص الشهيد. "قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ" (يس 26-27) ويُلاحَظ أن سورة يوسف ذكرت بكامل تفاصيلها من البداية إلى النهاية؛ لأنها تجربة حياة من الشباب إلى إنهاء الأجل.

جاء في كتاب ثورة العشرين ودورها في تأسيس الدولة الطائفية للدكتور عبدالخالق حسين: كما بينا في فصل سابق، كان البريطانيون يعتقدون قبل إقدامهم على احتلال العراق في الحرب العالمية الأولى، أن الشيعة سيستقبلون قواتهم بالأحضان والورود، لأن الشيعة كانوا من أكثر المستفيدين من هذا الاحتلال أو التحرير. وقد بنوا اعتقادهم هذا على أساس أنه طالما كان شيعة العراق هم أكثر من تعرض للظلم والاضطهاد في الحكم العثماني وعلى أساس طائفي، وحتى عدم الاعتراف بمذهبهم، ومعاملتهم كمنحرفين عن الإسلام الصحيح، أو حتى اعتبارهم كمشركين. ولكن خاب ظنهم، لماذا؟ لأن هذا التفكير البريطاني رغم عقلانيته لأنه يوافق المنطق السياسي حول السعي وراء المصالح الدنيوية، ولكنه كان يختلف كلياً عن ذهنية رجل الدين، وبالأخص الشيعة منهم حيث لهم طريقتهم المختلفة في التفكير، إذ كان رجال الدين في معظم الأحيان يضحون بمصلحة أبناء طائفتهم الدنيوية في سبيل الإسلام والمصالح الأخروية وفق معتقداتهم الدينية، واعتبار الدولة العثمانية إسلامية يجب مساندتها وإن كانت ظالمة، مقابل الانكليز "الكفار" الذين يجب محاربتهم حتى ولو كانوا عادلين. ولذلك فوجئ الإنكليز بحرب الجهاد من قبل العشائر العربية الشيعية وبقيادة زعماء الدين ورؤساء العشائر. كذلك أشرنا في الفصل السابق عند حديثنا عن حرب الجهاد، أن هناك "نتائج غير مقصودة لأفعال مقصودة". والحقيقة أن معظم التاريخ هو نتاج ثانوي by-product، أي غير مقصود. ومن هذا النتاج الثانوي لحرب الجهاد نشوء الوعي الوطني الذي حفَّز على القيام بثورة العشرين التي كان من بين أهدافها طرد المحتلين البريطانيين وتأسيس الدولة العراقية ذات سيادة كاملة. ليس القصد هنا سرد تفاصيل الثورة، وإنما للتطرق إلى دورها في تأسيس الدولة العراقية الحديثة من قبل الإنكليز وعلى أساس التمييز الطائفي ضد الشيعة. وسنحاول قدر الإمكان تجنب الأسلوب الخطابي في التمجيد أو الذم لهذه الثورة، إذ كما حذر الدكتور علي الوردي قائلاً: "الملاحظ أن معظم الدارسين لهذه الثورة من الكتاب العرب اتخذوا في كتاباتهم أسلوب "التمجيد" و"الحماس" حيث رأيناهم يميلون إلى التأكيد على الجوانب الحسنة من الثورة، ويبالغون فيها، بينما هم يغضون النظر عن الجوانب السيئة أو يحاولون تبريرها". وقد اعتمدت كثيراً في هذا البحث على كتاب الراحل علي الوردي، الموسوم: (لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث، ج5، بمجلدين عن ثورة العشرين).

جاء في صوت الجالية العراقية في ذكرى مأساة ما بعد ثورة العشرين للدكتور علي المؤمن: كانت ثورة العشرين، التي قادها شيعة العراق ضد الاحتلال البريطاني، حركة عظيمة ومهمة بحد ذاتها، ورد فعل تاريخياً طبيعياً، عبّر عن تمسّك الشيعة بالثوابت الدينية والوطنية، وعن التزامهم بقرارات مرجعيتهم الدينية. لكن المشكلة الكبرى تمثّلت في المآلات المأساوية للثورة، وذلك للأسباب التالية: 1- لم يكن لدى الثوار، وعموم الشيعة، برنامج سياسي واضح لمقاومة الاحتلال، أو لاستثمار نتائج الثورة، ولا خطة استراتيجية لمرحلة ما بعدها. 2- غياب التنسيق بين مكونات الطيف الشيعي؛ فلم يكن هناك توزيع واضح للأدوار بين من يعتمد المرونة، أو يلتزم بالثبات، أو ينتهج التشدد أو البراغماتية، أو بين من يقاتل ومن يفاوض. 3- وقع الشيعة ضحية شعارات الوطنية والتضحية من أجل الوطن، فكانت مهمتهم تقتصر على إنقاذ العراق من الاحتلال، دون أن تكون السلطة موضع اهتمامهم. وترجع هذه السذاجة في التفكير والممارسة إلى ما يلي: 1- ثقافة موروثة تقوم على ابتعاد الشيعة عن السلطة ومشكلاتها، وعدم تحمل مسؤوليتها وتبعات الصراع عليها. 2- الافتقار إلى الخبرة السياسية، وإلى روح المبادرة، لا سيما فيما يتعلق بلعبة السلطة، والتنافس عليها، وسبل اقتناصها، كون شيعة العراق مواطنين عثمانيين من الدرجة الثالثة، لم يكن يُسمح لهم بممارسة العمل السياسي ضمن أجهزة الدولة العثمانية. 3- شعور النخب الشيعية بانعدام الوزن السياسي، وضعف الثقة بالنفس، وقلة الحيلة، نتيجة ما تعرض له الشيعة من استلاب نفسي، وقمع، وتهميش، وعزل على يد الدولة العثمانية. 4- عمق المخطط البريطاني، واستباقه للأحداث منذ العام 1916، حين اتفق البريطانيون مع الشريف حسين، حاكم الحجاز، على تسليم حكم سوريا والأردن والعراق لأبنائه علي وعبد الله وفيصل، مقابل تحالفه معهم وإعلانه الثورة على الدولة العثمانية. وبعد انتهاء ثورة العشرين، خدع البريطانيون النخب الشيعية مرة أخرى، من خلال سلسلة من المسرحيات السياسية، أوهموا عبرها تلك النخب بأنها شريكة في تقرير مستقبل العراق الجديد، وبأن بإمكانها اختيار شكل الحكم وتحديد هوية الحاكم. في وقت كان البريطانيون قد رتبوا كل شيء مسبقاً مع الشريف حسين منذ العام 1916، ثم فرضوا عميلهم فيصل، السني غير العراقي، حاكماً على العراق، رغماً عن إرادة شيعة العراق ونخبهم السياسية والدينية. ومن المفارقات أن بعض الشيعة لا يزالون يعتقدون أن النخبة السياسية الشيعية، برئاسة الشيخ محمد رضا الشبيبي، هي من اختارت فيصل بن الحسين لحكم العراق. ما يعني أن آثار أكبر عملية استغفال للنخب الشيعية العراقية في التاريخ الحديث، لا تزال قائمة.

جاء في صوت الأمة العراقية عن ثورة العشرين بين التقييم الوطني والموقف الشيعي للكاتب سلمان رشيد الهلالي: استذكر العراقيون هذا العام مرور مائة عام على انطلاق الثورة الشعبية المسلحة المعروفة بثورة العشرين. وهذه الثورة التي اندلعت في السماوة في الثلاثين من حزيران 1920 مازالت تشكل حدثا مؤثرا انقسم عليه العراقيون كعادتهم بعد 2003 حول ماهيته ونتائجه بين مقدس لها او ناقم عليها ولاسباب عدة سنشير اليها بهذا المقال ولكن يبقى اهمها هو القراءة الاسقاطية للتاريخ فبعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 ظهرت الكثير من الاصوات التي تطالب الشيعة بان لايكرروا خطا ثورة العشرين ويتعرضوا للاقصاء عن الادارة والحكم مثلما تعرضوا سابقا للتهميش على يد الانكليز بسبب مقاومتهم للاحتلال في البصرة عام 1914 وثورة العشرين. كما طرحت اصوات اخرى كنصائح للسنة بضرورة ان لايقعوا بنفس الخطا الذي وقع بيه الشيعة ويقاوموا الاحتلال الامريكي بسبب فقدانهم للسلطة والحكم وفعلا اخذ السنة النصيحة ولم يقاوموا الاحتلال وانما قاوموا العراق الجديد واستهدفوا الاغلبية الشيعية في البلاد واصبحوا ارهابيين وقتلوا الالاف ليس من الامريكان وانما من الشيعة. واما الحركات الشيعية والسنية التي صنفت نفسها مقاومة للامريكان فان دوافعها سياسية او مصلحية وليست مبدئية او وطنية هدفها الابتزاز والضغط على الحكومة لتحقيق امتيازات ومكاسب معينة والا لماذا لم يقاوموا الامريكان ابان احتلالهم العراق او في الاسابيع الاولى من دخولهم الاراضي العراقية على الاقل؟ وانتظروا حتى تاسيس مجلس الحكم في تموز 2003 وظهور الملامح الاولى للسلطة عندها ظهرت الفصائل المسلحة التي ادعت نفسها تقاوم الاحتلال فيما هى اخذت تستهدف العراقيون يوميا بالسيارات المفخخة والانتحاريون والاغتيالات وغيرها. وثورة العشرين هى الحدث الابرز الذي حاز على اكبر عدد من المؤلفات والدراسات والمقالات في تاريخ العراق الحديث والمعاصر لم يصل الى مستواها حتى ثورة تموز 1958 التي شكلت من جانبها حدثا مفصليا اخر في تاريخ العراق. وبالطبع ان تقييم تلك الثورة يجب ان يخضع بالضرورة الى المرجعية السياسية والايديولوجية والشخصية والطائفية والمناطقية والنفسية – وحى العشائرية – للكاتب.ولانستطيع الاحاطة بجميع تلك الاراء والمرجعيات التي استندت اليها ولكن سنقتصر في تقييمنا للثورة حول مرجعيتين: المرجعية الوطنية والمرجعية الشيعية. اولا: المرجعية الوطنية: وهو ادعاء البعض ان تقييمهم لثورة العشرين سينطلق من المعيار الوطني وما افرزته من نتائج ايجابية تصب في مصلحة الوطن الذي كان في طور التشكيل.

ويستطرد الكاتب الهلالي قائلا: وعليه اذا كان العراقي من الذين يتبنون المرجعية الوطنية فان عليه الفخر بثورة العشرين والاعتزاز بها لسببين: الاول: بلورة مفهوم الهوية الوطنية العراقية: كان اول نتائج ثورة العشرين هو بلورة مفهوم الوطنية العراقية او الهوية العراقية والشعور بالجماعة بين ابناء البلد الواحد الذي بدات ملامحه الاولى انذاك. فالعراق قبل الاحتلال البريطاني – او تحديدا قبل ثورة العشرين – لم يكن مجتمعا واحدا وانما كان منقسما الى العديد من المكونات الاثنية والمذهبية والدينية والمناطقية والقبلية التي خلخلت البنية الاجتماعية للبلد بصورة كبيرة جدا. واكد هذا الراي حنا بطاطو بقوله (في مطلع القرن العشرين لم يكن العراقيون شعبا واحدا او جماعة سياسية واحدة وهذا لايعني الاشارة فقط الى وجود الكثير من الاقليات العرقية والدينية كالاكراد والتركمان والفرس والاشوريين والارمن والكلدانيين واليهود واليزيديين والصابئة واخرين فالعرب انفسهم الذين يؤلفون اكثرية سكان العراق كانوا يتشكلون الى حد بعيد من جملة المجتمعات المتمايزة والمختلفة) ولم يتلمس العراقيون وجودهم كشعب او امة مستقلة لها كينونة خاصة – وان كانت غير مكتملة المعالم او محددة الابعاد – الا بعد الاحتلال البريطاني للبلاد عام 1914 والثورة العراقية عام 1920 فالاخر شرط الهوية والعراقيون اعتبروا الانكليز هو الاخر بحكم الاختلاف الديني والسياسي والمحمولات الاسلامية المتطرفة ضد الغرب فيما عززت ثورة العشرين التوحد السياسي والاجتماعي البدائي انذاك حتى وصفت بانها المدرسة الوطنية الاولى في تاريخ العراق الحديث والمعاصر لانها الحدث الوحيد الذي حاز اعلى نسبة من التاييد والمشاركة في البلاد رغم ان المساهمة القتالية الفاعلة قد اقتصرت في وسط وجنوب العراق الا ان مساحة التاييد – حتى لو كان بعضها باثر رجعي – قد شكل نوعا من التضامن العضوي بين ابناء البلد الذي لم يتشكل في الاصل انذاك بمعنى ان الوطنية في العراق سابقة على الدولة وليس نتيجة لها – كما حصل في بعض البلدان – ورغم ذلك فاننا نعترف ان الوطنية التي اسستها ثورة العشرين – او نادت بها – هى عبارة عن (وعي زائف) – حسب تعبير هيغل – او (ايديولوجيا) متسامية عن الواقع البدائي الذي يعيشه المجتمع العراقي الذي تحركه البنى التقليدية كالطائفة والدين والاثنية والعشائرية وغيرها وتفتقد الشروط الموضوعية لقيامها وبلورتها واهمها الوعي السياسي والتعليم الحديث والمجتمع المتوحد. وهذا (الوعي الزائف) لايشكل اختلالا كبيرا او منقصة جوهرية في هذه الثورة لسبب بسيط هو ان جميع التصورات والمفاهيم الغربية الوافدة الى العالم العربي والاسلامي من قبيل الديمقراطية والماركسية والوطنية والقومية والوجودية هى في الاصل (وعي زائف) لانها منفصلة عن واقعها الاجتماعي المتخلف والبدائي وبالتالي تلقفتها النخبة المثقفة (الانتلجنسيا العصرية) كموضة و صرعة فكرية وايديولوجية عسى ان تشكل حلا لتلك الاختلالات والانقسامات والصراعات البدائية الرائجة في المجتمعات التقليدية وتنقلها نحو افق التحديث والتقدم والعصرنة. وبهذا الصدد يذكر الكاتب الكوردي شيركو كرمانج في كتابه القيم (الهوية والامة في العراق) (اصبحت ثورة 1920 الاسطورة المؤسسة للوطنية العراقية فيما شكلت ثورة الشيخ محمود الحفيد اصبحت الاسطورة المؤسسة للقومية الكردية).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/09/09



كتابة تعليق لموضوع : القرآن الكريم وأخذ العبرة من انتكاسة ثورة العشرين العراقية 1920 (ح 1)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net