صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين

التفقه الإلزامي
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في الكافي للكليني ( ج١ ص٣١) : محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : " لوددت أن أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا ".
ونفس المصدر عن مفضل ابن عمر قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : " عليكم بالتفقه في دين الله ولا تكونوا أعرابا فإنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزك له عملا ".

الروايتان واضحتا الدلالة على الحرص الشديد لدى الإمام الصادق ؏ فيما يخصّ التفقه في الدين ، وحرصه على أصحابه أقوى وأشد صلوات الله وسلامه عليه ، فعبّر بما يُفهم منه التفقه القهري والإلزامي بحيث يُساق المؤمن إليه بالسياط سوقا ..!

منه نفهم دوافع وأهمية ومنطلقات المدرسة الفقهية الكبيرة التي أسسها الإمام الصادق ؏ بحيث كان لديه آلاف الطلبة ودُوّنت مئات الكتب الفقهية والاف الروايات والأحكام الشرعية بمختلف أبواب الدين ، عقيدة وقرآن وعلوم حديث وفرائض وسنن وآداب شرعية وإرشادات بمختلف الشؤون الإسلامية والإنسانية ..

وواضح أن الإمام عليه السلام لا يتحدث هنا عن أصل العمل بالدين والالتزام بشريعة سيد المرسلين ، وإنما كلامه يفترض أن الالتزام مفروغ منه ( لم يزك له عملا ) ، والمقصود هو ضبط العمل وفهم العابد ووعيه له ..

فقد يكون العمل بدون فقه عملاً باطلاً غير مكتمل الاجزاء والشروط ، وقد يكون التفقه به شرط الفوز بمصلحته وآثاره العاجلة ، وقد يكون العمل بلا تفقه نوع شرك او غلوّ والعياذ بالله .. عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله : " نوم مع علم خير من صلاة مع جهل ".

وهل تقليد الفقيه المجتهد يُغني عن التفقه بالدين الذي حثّ وحرص عليه الإمام الصادق ؏ ..؟

يمكننا القول بأن التقليد يوفر لنا من ناحية القدر المتيقن من التفقه الواجب ، ومن الناحية الأخرى فإنه بات في عصرنا الحاضر من أهمّ المسائل الشرعية وأوضح معالم الإلتزام الديني .. لما للفقيه المقلَّد محورية ومكانة تأتي بعد مكانة المعصوم ومركزيته في الإسلام ، وبه يُحفظ نظام وبيضة الدين ..
..
ولكنه بلا أدنى شك لا يشمل كل جزئيات الدين ولا يغطي مساحات مهمّة أخرى حساسة وخطرة أيضا ، وذلك :

أولاً : بإعتبار أنّ الرجوع الى الفقهاء يختصّ بمسائل الحلال والحرام ، والدين أوسع من ذلك ، ففيه العقيدة التي لا يجوز فيها التقليد ، وفيه الأخلاق التي تحتاج الى ترسيخ ملكات نفسانية لا علاقة لها بالتقليد وفيه القرآن الذي تمثّل آيات الأحكام أقل من معشار ( ١٠/١ ) آياته ، وفيه ولاية أمر الأمة والتي لا يقول بها أكثر الفقهاء الا بحدود ضيّقة .. الخ .

ثانياً : حتى مسائل الحلال والحرام التي نقلّد فيها الفقيه فإن التقليد فيها هو العمل بمضمونها ولا يعني بذلك أننا قد تفقّهنا بما عملنا منها أو فهمنا جميع أبعاد المسألة المعمول بها ، العقائدية والأخلاقية والتاريخية والاجتماعية .. الخ

ثالثاً : نفهم من بعض الأخبار أن للتفقه إنعكاساً على حال المتفقه وظهور آثار وعلامات مهمّة وواضحة على إيمان الشخص وبعض التزاماته .. عن الامام الباقر ؏ : " إن الفقيه حق الفقيه الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، المتمسك بسنّة النبي " . ويقول الشهيد الثاني رضوان الله تعالى عليه في منية المريد : ( إن مجرد تعلّم هذه المسائل المدونة ليس هو الفقه عند الله تعالى ، وإنما الفقه عند الله تعالى بإدراك جلاله وعظمته ، وهو العلم الذي يورث الخوف والهيبة والخشوع ويحمل على التقوى ومعرفة الصفات المخوفة فيجتنبها والمحمودة فيرتكبها ويستشعر الخوف ويستثير الحزن كما نبّه الله تعالى عليه في كتبه بقوله : ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ) انتهى كلامه قدس سره . وهذه كلها عبارة عن التزامات قلبية والتزامات نفسية ، بينما التقليد هو العمل برأي المجتهد حتى وإن لم يتبعه قناعة فضلاً عن التزامات نفسية وعقدية أخرى .. فالفقيه يستطيع أن يصدر لنا فتاواه وليس ايمانه وتقواه ..!

وهذا ما يدعو إلى ضرورة التسلّح بالثقافة الدينية وبذل الجهد في تحصيل علوم الشريعة بحسب الإمكان ، دراسةً أو قراءةً أو اطلاعاً أو سماعاً أو طرح الإسئلة وإثارتها والبحث عن أجوبتها المقنعة ، وكذلك إدمان التفكر وإعمال النظر .. فالتفقه في الدين أعمّ من التقليد ومسائله أوسع من مسائل الرسالة العملية بكثير ..

أو يدعو الى أن تكون المراجعة الفقهية أوسع وأشمل مما هو متعارف ، وتوجد فعلاً دعوات الى توسيع مسؤوليات الفقيه وأبواب الفقه ..

هذه بعض ملامح جامعة الإمام الصادق ؏ الإسلامية ، نسأل الله أن يرزقنا هديه في الدنيا وشفاعته في الآخرة وأن يعظم لنا ولكم الأجر بذكرى شهادته صلوات الله وسلامه عليه..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى غالي ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/05/16



كتابة تعليق لموضوع : التفقه الإلزامي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net