صفحة الكاتب : هاشم الصفار

رؤية في حيثيات المقال الصحفي
هاشم الصفار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 رغم التطور الحاصل في السُبل الإعلامية المستخدمة بمختلف أنواعها، بقي المقالُ الصحفي مصدرَ إشعاع وقوة في مفاصل الماكنة الإعلامية، وله الدورُ الرئيس والبارز في الصحف والمجلات، باعتباره الناطقَ الحي والمعبّر عن التوجهات العامة للسياسة الإعلامية المتبناة، والمتحدث الرسمي عن هموم المجتمع، والدفاع عن الحريات، ويأخذ على عاتقه فتح آفاق جديدة من مستويات التفكير والإبداع في مختلف الأوجه العلمية منها والثقافية والأدبية... مما ظهرت الحاجة لرعاية واحتضان العناصر الكفوءة من الكتاب المثقفين المخلصين لرسالتهم الهادفة، من الذين لاتحرّكهم الرغبات والمطامع إلى حيث قلب الحقائق، والدعوة للشذوذ والإنحراف، أو خدمة أجندات تضرّ بقيم الفضيلة وثوابت المجتمع ومبادئه، من أصول دينية واجتماعية تمثل الهوية والإنتماء...   
 وقد يُعطى للكاتب فضاء رحب من التعبير عن مكنونات نفسه، وما ينتابه أو يحسّ به من مشاعر سلباً وإيجاباً تجاه المحيطين به، إذا كانت القوالب المتاحة جنساً أدبياً، شعرا كان أو نثرا أو حتى خاطرة أو تأمل... ولك أن تزيدَ من المسمّيات، بحسب ما ترى... وتلك الأجناس كما هو معروف مليئة بالرموز والإيحاءات المفعمة بالصور التشبيهية، تضع المتلقي في حيرة وتساؤل مبطن بالإعجاب، أمام ما يحرِّك عقله ومشاعره، ويهمس في أذن الروح إنسانيتها الغائرة في الآفاق...
 ولكن ما يدعو للإستغراب حقاً، هو أن تتحولَ بعضُ الصحف الملتزمة بنهجها العقائدي الثابت، وسياستها البنّاءة المثمرة على طول الخط... إلى أرض قاحلة مجدبة فقيرة الماء والكلأ، إلا من الصراعات الداخلية وتصفية الحسابات، وكأن المكانَ المخصص للعمود أو المقال الصحفي، قد ورثه الكاتبُ من أسلافه، فصار ملكاً عضوضاً، يرتكبُ فيه ما يشاء من الأباطيل والأراجيف، متناسياً الثقة التي أولتها إيّاه المؤسسة الإعلامية، والأمانة المودعة في رقبته... فما ان تكشفَ النقاب عن السطور الأولى لبعض المقالات، حتى تشمّ رائحة السطحية والإبتذال، والإبتعاد عن الموضوعية في قصدية الإصلاح والطرح الناضج الذي يستمر تأثيره لسنين، كلما بقيَ لتلك الحروف من رمق. 
 فالمؤسسات الإعلامية ذات التوجه المقروء، والتي تستقطب المتلقي الواعي القادر على التمييز بين ما يذهب جفاء وبين ما ينفع الناس، يكون للعمود الصحفي الباع الواسع، والمرتكز الأساس في توضيح سياسة المؤسسة، فتنتقي كتّاباً متمكنين من قراءة الساحة الإعلامية، وما يرزح تحت أقلامها من واقع معاش، بحاجة إلى ترويض بالتحليل والاستكشاف، ووضع اليد على العلل والمعالجات ذات الهم العام، والشريحة الواسعة، والأفق الرحب، وليس الإنزواء في دهاليز ضيّقة من التفكير القاصر المحدود، ذلك ما للمقال الصحفي من أهمية تُعد الدرع الحصينة لثوابت ونهج المؤسسة الإعلامية، الدينية منها خاصة، تجاه مختلف القضايا المصيرية، انطلاقا من الاهتمام بشأن المؤسسة الديني والثقافي إلى نشر الفكر واثراء المعرفة الانسانية... فترى المقال الصحفي يأخذ مديات واسعة من الإهتمام الجماهيري، كلما كان حاضراً في ساحتهم بقوة، يحاكي جيلاً من المتلقين، ينتظرون أن تمطرَ عليهم تلك المقالة غيثاً يرتوون به، مما يظمؤون... إذ يتناول قضايا حية نابضة، تحيا في الضمائر لعشرات السنين، حتى كأنها كُتبت الساعة... فما كان لله ينمو، تباركه السماء قبل ألسنة الأرضين، وما كان للعبد يضمحل وتتآكله الآفات.
  ومن الجهل بمكان أن ينجرفَ الكاتب لتسخير مقالته، بعدّها أمانة أولتها المؤسسة الإعلامية في رقبته، للرؤى القاصرة على المستوى الفردي الضيّق، وليس المستوى العقائدي العام، وقد تموت بعد برهة من زوال المؤثر، فكم سوف نقدر العمر الزمني لمقال كتب بأنا وتصورات وأوهام فردية، نابعة من القلق الداخلي؟ 
 ولا يغيب عن الأذهان أن الكاتبَ إنسان يتأثر بما يعتريه، ولكن الأجدى أن يُفرغَ إحساسه ومشاعره في شعر أو قصة أو خاطرة يحتفظ بها، أو ينشرها عبر الصحف ذات الشأن أو في مواقع الانترنت، في منتديات تُعنى بالبوح والخاطرة والتأملات النفسية... أما على مستوى الصحف الملتزمة بالنهج الثابت الرصين، والتي يمثل كتابة سطر فيها غاية مايتمناه الألوف من محبيها وقرائها، خاصة تلك التي يعوّل عليها في صناعة التفكير والتنظير، وفق مديات معاصرة، تلائم روحَ المتغيرات في شتى الأزمان، فلا مكان للهواجس النفسية، والصراعات الشخصية، داخل أطر العائلة الإعلامية، (فلكل مقام مقال)، والكتابة خارج التغطية، خيانة لشرف المهنة، والمؤسسة الإعلامية التي منحته الثقة للدفاع عن معطياتها بكل أمانة...


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


هاشم الصفار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/15



كتابة تعليق لموضوع : رؤية في حيثيات المقال الصحفي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net