ما أشيع عن التجديد أخذ شكلا معرفيا شغل جميع مكونات المجتمع بمختلف مستوياته، لكون اشكالية التربية كفعل وكمشروع مجتمعي يطمح الى التنشئة الاجتماعية على قيم انسانية روحية، تحمل قيم المواطنة، وتنمّي المعرفة والتمكين بالكفايات سلوكيا، لتتغذى الأجيال من هذا التجديد وجدانيا، وتستلهم منه منطلقاته وأسسه الخاصة والعامة. والحديث عن التجديد يمثل صورا جديدة تتحرر من المستهلك الموروث الى نموذج واعد؛ أي انتقال المنظومة التربوية من الاعتماد على التدريس بالأهداف ذات النزعة السلوكية كمرجعية نظرية وفلسفية بمعنى (التوجه النفعي) الى نموذج التدريس بالكفايات النموذج المعرفي (نظام معالجة المعلومات) كأساس نظري، مما يترك لدينا الكثير من التأويلات حول اهداف هذا المتحول مادام الواقع التدويني لم يتغير...
لاشيء في المنهج التربوي تغير سوى طرق التدريس، وما ينقصنا اليوم هو احتواء مواضيع مهمة يعد التخلف عنها منقصة وتخلفا حقيقيا؛ كالبحث عن مصداقية التأريخ وابعاد التحريفات عنه، ودراسة المستحدث الموروث من نظم عالمية كي نأخذ ما ينفع ونحصّن اولادنا مما يضر، لنعرف قيم العولمة وحقوق الإنسان، وحوار الحضارات، ونبذ العنف، وابعاد الأشياء التي تفرّق الأمة، وتوزع وحدة الشعب الى حواضن مستوردة... نحتاج الى ما يميّزنا من قيم انسانية متأثرة بالنموذج الولائي المؤمن؛ كونه لايخص من حيث المؤثرات طائفة دون أخرى، ويتناغم مع مشاريع الانعطاف الحاصل في المسارات الفكرية التي تخضع لسيرورة هذا التجاوز المتقدم، واحتواء فلسفة المعاصرة النموذجية، لبناء قناعات جديدة في المواقف تجاه الإنسان، تهدف الى بناء اشكال من الحوار الحضاري يحترم الحقوق الانسانية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا للكائن الإنساني، باعتباره مصدرا للمعرفة، وسيدا على الطبيعة بفضل طاقات التقنية...
لكن الملاحظ وجود أمور ابتعدت الى امكانية الاحتواء، والنظر الى الأمور البيئية بتوازن معرفي غير مؤطر أو مؤدلج بفرعيات الرؤى السياسية؛ ولذا نجد الى الآن هناك تمرير قصدي للحس القومي العروبي محدود الرؤى، مما يدفع دعاة هذا الترويج الى ابقاء السياسة التعليمية لنجعلها بعيدة عن كل تأثير أو يمكن من شأنه أن يعرفنا وجودنا الحقيقي. وبالمقابل هناك من يريدنا أن ندخل المد العالمي (معتقدين) مما سيؤدي الى خلل على مستوى العلاقات البشرية.
مانحتاج اليه اليوم هو جعل المؤسسة التعليمية تحتفظ بميزات هذا الشعب التاريخية، مع مسايرة التحولات بامتلاك الهوية وعدم فقدانها كي لانفقد ايماننا وانسانيتنا ووطنيتنا لضخ الساحة الوظيفية بالأطر المؤهلة، والطاقات المعرفية التي تستجيب للتغيرات في حدود هذه الهوية.
الأكاديمية العراقية بحاجة الى فعل ناشط يتأسس على منظومة تربوية منفتحة على معطيات ومتغيرات المشهد المجتمعي المؤمن، دون التركيز على سلبية الظاهرة السياسية الآنية والتي من الممكن تغييرها، وانما النظر الى عمق التجربة المستجدة في العراق، وهذا سيوفر لنا مفهوم المواطن الصالح. بمعنى ان المنظومة التربوية عليها ان تمتلك زمانها الثقافي الذي يستقي من الزمن الفكري المؤثث من خلال ادراك حيثيات البناء ومستجدات التحول لتأسيس مشروع تربوي واعد له أسس منهجية من فلسفة وعلوم تربوية تعتمد العلمية والموضوعية في الدراسة. فتجديد المنظومة التربوية في افق تحقيق جودة التعليم يعد ضرورة؛ لكن علينا ان نعرف ماذا نريد أن نجدد كي لاندخل في متاهات المصطلحات المستوردة، والتي نشأت ضمن بيئات محددة قد لاتصلح لبيئاتنا...
فالتجديد لابد أن يسهم في تحسين الاداء وتحسين انماط التبرير وأساليبه، وجودة التعليم تُقاس كمياً ومعرفياً بمدى استجابة هذه المؤسسة للحاجيات المعرفية والوجدانية والاقتصادية... فليس التجديد يعني ادخال النظام محل النظام بل هو التصور بضرورة امتلاك رؤية منفتحة عن الانسان النموذج الذي تسعى الى تكوينه، وجعل المتعلم وخاصة الطفل في قلب الاهتمام، وفتح السبل امام الأطفال ليصقلوا ملكاتهم، لذا على التجديد أن يحمل التأريخ مفهوما واعيا، ولايتجاوز مفهوم جوهر التأريخ.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat