دور المرجعية الدينية في رسالة المنبر الحسيني الإصلاحية -قراءة تحليلية لتوصيات المرجعية الدينية إلى الخطباء- (3)
د . الشيخ عماد الكاظمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . الشيخ عماد الكاظمي

- المحور الثالث: الجانب العلمي والمهارة. 📙📗📘
إنَّ الجانب العلمي لخطيب المنبر الحسيني من الجوانب المهمة التي يستعين بها الخطيب في إعداد ما يبتغي عرضه وإيصاله إلى الحضور، والمنبر يتطلب من الخطيب أنْ تكون المادة العلمية متنوعة وفي مجالات مختلفة؛ ليمكن بذلك أنْ يجذب ﭐنتباه الحاضرين إلى هذه الموضوعات التي تكوِّن فيما بينها وحدة الموضوع، من خلال آية ورواية وقصة ومثل وحكمة وموعظة وهكذا مما يقع ﭐختياره من قبل الخطيب، وهذا يتوقف على مدى علمه، ومستوى مهارته وخبرته في المنبر الحسيني لاختيار الموضوعات التي لها تأثير في المجتمع، والتراث الروائي لأهل البيت (عليهم السلام) غزير وعظيم، وله أبلغ الأثر في بناء الإنسان والمجتمع، ولكن يحتاج من الخطيب حُسْن ﭐختيار ومعرفة في بيان أهدافه، وشرحه وتحليله، وهذا الجانب قد تم ذكره في بيان المرجعية والتأكيد عليه؛ ليكون الخطيب عل بينة من أهميته، فضلاً عن الاعتناء به ﭐعتناء كبيرًا، فقد ورد في ذلك: ((إِنَّ تُرَاثَ أَهْلِ الْبَيْتِ "عَلَيْهِمُ السَّلَامُ" كُلَّهُ عَظِيْمٌ جَمِيْلٌ، وَلَكِنَّ مَهَارَةَ الْخَطِيْبِ وَإِبْدَاعَهُ يَبْرُزُ بِاخْتِيَارِ النُّصُوْصِ وَالْأَحَادِيْثِ الَّتِي تُشَكِّلُ جَاذِبِيَّةً لِجَمِيْعِ الشُّعُوْبِ عَلَى ﭐخْتِلَافِ أَدْيَانِهِمْ، وَمَشَارِبِهِمْ الْفِكْرِيَّةِ وَالاجْتِمَاعِيَّةِ، ﭐنْتِهَاجًا لِمَا وَرَدَ عَنْهُمْ "عَلَيْهِمُ السَّلَامُ": (إِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوُا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُوْنَا), وَمَحَاسِنُ كَلَامِهِمْ هُوَ تُرَاثُهُمْ الَّذِيْ يَتَحَدَّثُ عَنِ الْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِيْ تَنْجَذِبُ إِلَيْهَا كُلُّ الشُّعُوْبِ بِمُخْتَلَفِ تَوَجُّهَاتِهَا الثَّقَافِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ)).
وفي قراءة لهذا المقطع وما يتعلق بالجانب العلمي للخطيب ومهارته يمكن بيان ما يأتي:
1- أهمية أنْ يطلع الخطيب مهما أمكنه على تراث أهل البيت (علهم السلام) في موضوعاته المختلفة، من خلال الرجوع إلى الموسوعات الروائية التي جمعت ذلك التراث العظيم، وهي متعددة ولا بُدَّ أنْ تكون تلك الموسوعات في مكتبته الشخصية أو الرجوع إليها في المكتبات، ولكن عليه عدم مغادرة ذلك التراث الأصيل الوارد عن عِدْلِ القرآن الكريم.
2- ضرورة أنْ يكون الخطيب ذا بُعْدٍ معرفي بأصول المنبر الحسيني، وكيفية أدائه لمحاضرته وموضوعه، فيكون ذا معرفة بحاجة المؤمنين إلى ما يتم طرحه وبيانه على وفق المناسبات المعينة، وأهمية أنْ تكون الموضوعات المختارة مما تؤثر في النفوس، ولها مقام محبب لدى الحاضرين؛ ليكونوا على ﭐستعداد لتلقِّها والتفاعل معها، والتأثر بها بما يليق بالمقام، وهذا كله له أثر بعلمية الخطيب ومهارته، بل لعل المهارة في موارد تقدم على العلمية.
3- يجب أنْ يكون الخطيب للمنبر الحسيني على دراية بالمجتمع أو الفئة المخاطَبة، فضلاً عن دياناتهم ومذاهبهم وقومياتهم، فإنَّ ما يمكن بيانه في مجتمع لا ينفع في مجتمع آخر، بل لا يصح أو لا يمكن ذكره، فالخطيب الذي لا يُحسن معرفة ذلك قد يُفْسِدُ أكثر مما يصلح، فيفقد المنبر رسالته السامية، ومقامه الرفيع عند الناس، فالمنبر له منزلة عند جميع شرائح المجتمع، ولا بُدَّ للخطيب أنْ يكون على دراية من ذلك، لاختيار منهج يتبعه في الخطابة.
4- إنَّ في البيان تأكيدًا على عظمة التراث الإنساني لأهل البيت (عليهم السلام)، والذي له القدرة على التأثير في النفوس مهما كانت ﭐتجاهاتها؛ لاشتماله في كثير منه على القيم الإنسانية التي تجمع البشرية فيما بينهم، فكثير من رواياتهم تؤكد المعاني السامية التي يصبو إليه كُلُّ إنسان، والعقل يرجحها بأدنى تامُّل، فمثل الصدق والإحسان والبر والتعاون والإيثار وغيرها من المعاني مما يحتاجه كُلُّ إنسان يبغي سعادته في الدنيا، فضلاً عن آثار ذلك في الآخرة، ولكن يبقى على الخطيب أنْ يكون على بينة في تسخير ذلك التراث للدعوة الحسنى.
إنَّ هذه الموضوعات وغيرها نرى أنَّها –حقيقة- تتوقف على ما يتمتع به الخطيب من علم ومعرفة ومهارة في صياغة ذلك التراث العظيم صياغة تؤثر في المتلقي، وقد أكَّد الأئمة أنَّ لكلامهم تأثير في النفوس؛ وهذا مما لا شك فيه لأنهم أطباء النفوس، وهذا الحديث الوارد في البيان قد رأينا آثاره في الواقع تمامًا، وهذا هو المنهج المُتَّبع من قبل المرجعية الدينية والعلماء في الدعوة إلى الله تعالى وتعاليم الشريعة المقدسة، وهذا ما نراه جليًّا في فتاوى المرجعية ووصاياها وبياناتها وخطب الجمعة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat