التقية لغة (من اتقى يتقي تقية وتعني اجتناب الشيء)، وقولنا اتق الله أي احذره واجتنب معصيته. واصطلاحا، كما يقول إبراهيم سرور في كتاب المصطلحات الحوزوية الميسرة ص 53(هي تجنب العدو بإظهار ما يوافقه مع إضمار ما يخالفه من عقيدة وغيرها وهو واجب في موارد محددة). وهنالك مثلا وضوء التقية وهو أن يتوضأ المتوقي طبق مذهب المخالفين منعا للأذى وكذلك صلاة التقية.
وعموما هي إخفاء العقيدة أو الدين خوف الضرر أو لمصلحة من المصالح ومنها حفظ الوحدة واجتناب الاختلاف أمام الأعداء(الشيرازي: نفحات الولاية ج/2، 1430: 414-415). بمعنى آخر أن يكون متبع أهل البيت سيئا في الظاهر ولكنه صالح في الباطن.
ولنا أن نتبع التقية في القرآن الكريم. ففي قصة تعذيب الصحابي الجليل عمار بن ياسر على أيدي الكفار حتى اضطروه لان ينطق بكلمات ضد الإسلام والنبي(ص) أمام المشركين. وعندما أتى إلى الرسول(ص) باكيا خوفا من فساد دينه وإيمانه، قال الرسول(ص) قولته المشهورة (ملئ عمار إيمانا من شعر رأسه إلى أخمص قدميه). ثم أخبره أن الله سبحانه أنزل بحقه قرآنا : (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم)(الآية 106 من سورة النحل). ومن الآيات الأخرى حول التقية الآية 28 من سورة آل عمران (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه والى الله المصير). وكذلك الآية 28 من سورة غافر: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وان يك كاذبا فعليه كذبه وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) و كذلك الآية 195 من سورة البقرة: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة). (أنظر أيضا الموسوعة الإسلامية الميسرة للشيخ عبد الرضا فاضل، 2009: 446-448).
وقد ورد في أحاديث الأئمة المعصومين(ع) ما يدل على أن التقية مبدأ راسخ في مذهب أهل البيت. فعن أمير المؤمنين (ع) قال: (التقية من أفضل أعمال المؤمن يصون بها نفسه وإخوانه عن الفاجرين. عليك بالتقية فإنها شيمة الأفاضل. التقية معاملة الناس بما يعرفون وترك ما ينكرون حذرا من غوائلهم). وقال الإمام الباقر(ع) (التقية ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له). وقال الإمام الصادق (ع) (تسعة أعشار الدين التقية ولا دين لمن لا تقية له).
وكانت التقية شعارا لأهل البيت(ع) على مر تاريخهم، اتخذوها كما أمر الله سبحانه دفعا للضرر عنهم وعن أتباعهم كما أنها استصلاح لحال المسلمين وجمع لكلمتهم. وقد أصبحت سمة مميزة للأمامية دون غيرها من الطوائف والأديان الأخرى. ويزول العجب إذا عرفنا أن الأمامية وكذلك أئمتهم لقوا ما لم يلقه أحد غيرهم من المحن والضيق. وقد احتوت كتب علماء الامامية أحكام التقية من حيث وجوبها وعدمه. فتجب التقية عندما تكون سببا في إظهار الحق ونصرة الدين. وقد تحرم في الأحوال التي تستوجب فيها نصرة الدين قتل النفوس المحترمة أو ترويجا للباطل. فهي ليست وسيلة لخلق جمعية سرية غايتها الهدم والتخريب-كما يصورها الأعداء. والدليل على ذلك أن التقية بتفاصيلها موجودة في الكثير من كتب الشيعة التي تملأ الآفاق. ولقد استغل فكرة التقية أعداء أهل البيت للتشنيع على المذهب واعتبروها أحدى المطاعن.
على أن واقع المسلمين يستوجب تطبيق التقية. وهي مما يطبقه أتباع المذاهب الأخرى دون وعي منهم. ففي قصة شيخين مسافرين في طائرة، أحدهما من أتباع أهل البيت والآخر من إخواننا أبناء العامة، وهما يتحدثان عن التقية بين معترف بها ومنكر لها. وعند نزولهما من الطائرة كان على المنكر أن يبرر سفره إلى البلد الهدف بقوله انه يريد الاستشفاء وهو لم يكن كذلك. وهنا نبهه الشيخ الشيعي إلى أنها هذه هي التقية!
ويدعي البعض أن التقية نوع من النفاق. بيد أن الفرق واضح بين النفاق والتقية. ففي النفاق يُظهر الإنسان الإيمان ويُبطن الكفر، بينما في التقية يجري العكس تماما: إظهار الكفر واستبطان الإيمان.
أ. د.حميد حسون بجية
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat