صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

الديمقرطية بين الكائن والكامن!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

المجتمعات البشرية فيها الكائن والكامن, وهي تتعامل بالكائن ولا تغطس إلى الكامن, أو تعبّر عنه وفق سياقات الكائن في الحياة. 

ولو تأملنا أية دولة متقدمة , سنجد مجتمعا متنوعَ الأطياف والرؤى والإتجاهات, فيه لغات وأديان وقوميات متعددة.

وهي مفردات إجتماعية قائمة, ذات كوامن, يراها الجميع بوضوح , ولا يتحرك على ضوئها , لأنه يجد نفسه ضمن الكائن وليس الكامن.

هذا الكامن لو تحرك لذاته , لحقق الحروب والنزاعات المتواصلة , ولتحولت الحياة  إلى جحيم, بينما هو غائب ومرفوض إجتماعيا وفكريا , وفقا لما هو كائن وصالح للجميع.

ولو تأملنا مجتمعاتنا لرأينا أن كوامنها بإسم الديمقراطية المجهولة قد برزت بقوة , لأن الكائن الحضاري الذي تتفاعل فيه ضعف وغاب. 

فالكائن يصنع وجودا آمنا ومنهاجا عمليا للمجتمع , فيكون من خلاله قادرا على تحقيق ذاته , والتعبير عن حياته والعيش بسلام وسعادة. 

والكائن المُعبّر عنه بالدولة وقوانينها وأدواتها عندما يضعف, فأن الكوامن البشرية تتفاعل بأسلوب دفاعي للحفاظ على وجودها, الذي تشعر بأنه مهدد لفقدان الكائن الآمن الجامع , ومن هنا تبدأ مسيرة التفاعلات الخطيرة لتؤذي الوطن والدولة.

إن بزوغ الكامن في أي مجتمع تحققه عوامل الضعف التام للدولة أو غيابها , 

ولا يمكن أن تكمن الكوامن إلا بحيوية الكائن الذي تترعرع فيه وتكون.

وأطياف أي مجتمع لكي تتخلص من سلبياتها, عليها أن تجدّ وتجتهد في سبيل تحقيق دولة قوية , تساهم بإعادة الكوامن إلى مخابئها, وتحقق كائنا إجتماعيا تتحرك فيه , وتعبّر عن نفسها من خلاله.

هذا الكائن بأدواته التشريعية والتنفيذية والقضائية, هو الذي يصنع محيطا قويا ووحدة وطنية صحيحة. 

أما إذا أُطلِق العنان للكوامن لتتشامخ , وتقضي على وجود الدولة , فأن ذلك سيدفع إلى مالا يحمد عقباه. 

فالكوامن المنطلقة تدفع إلى صناعة صراعات لا تستفيد منها ولاتحقق وجودها فيها.

إن العلاقة ما بين الكامن والكائن , لابد لها أن تأخذ أسلوبا آخر, مثلما هو حاصل في الدول المتقدمة , حيث يذوب الكامن في بودقة الكائن المتحقق, ويكون الجميع أبناء وطن واحد, لا يعرفون شيئا كائنا , إلا دولة ذات راية واضحة, يحقق فيها الجميع الخير للوطن الكبير.

فالمجتمعات لا تتحرك وفقا لما هو كامن بل لما هو كائن , وواضح ومتعارف عليه من أسباب تحقيق الحياة الجماعية في الوطن.

في الدول المتقدمة, كلٌّ يحمل هوية ويعبّر عنها , في حدود ما يراه مفيدا وصالحا للجميع , ومؤكدا لوطنيته وإنتمائه لبلده الذي يعيش فيه. 

فالإنتماء الوطني وقوة الوطن وعزته أعلى قيمة من الكوامن التي يحملها , لأنها تفقد قيمتها  بغياب الوطن الذي تستمد منه قوتها , ودورها ومعنى وجودها الإجتماعي.

إن قلب الحقائق ومعارضة بديهيات الحياة والإنحسار والتكتل لا يفيد , بل أن يتوجه الجميع  نحو غاية واحدة عنوانها , صناعة الكائن الوطني الذي يحقق القوة والسعادة , والعزة والرفاه لجميع أبناء الشعب ,  وبهذا تستطيع التعبير عن التطور والحضارة والسلوك الديمقراطي الصحيح.

فهل سنتعلم التمسك بالكائن لا بالكامن , لكي نحقق حياتنا الديقراطية المعاصرة؟!!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/08/29



كتابة تعليق لموضوع : الديمقرطية بين الكائن والكامن!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net