المقالة النقدية: أنواعها ودورها
السيد يوسف البيومي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
المقالة النقدية: هي مقالة تحليلية وظيفتها الشرح للقارئ بشكل توضيحي قد يكون فيها تأييد لأفكار ما أو مخالفة لأفكار أخرى ويجب أن يكون الكاتب موضوعياً يستخدم الدليل إن كان مؤيداً أو مخالفاً وإلا نزعت صفة النقد الموضوعي عن المقالة..
ما معنى كلمة النقد؟!:
إن كلمة النقد في لغة لها عدة معاني نقتصر على المهم منها، وهي:
ـ النقد هو: التمييز بين الجيد والرديء، وقيل: هو إظهار العيب والانتقاص.
وقد استعمل لفظ النقد عند الأدباء العرب باستعمالين، الأول: بمعنى التحليل والشرح والتمييز والحكم، والثاني: بمعنى العيب والمؤاخذة والتخطئة.
وأما معنى النقد اصطلاحاً: فهو التقدير الصحيح لأي أثر فني وبيان قيمته في ذاته ودرجته بالنسبة إلى سواه. وهو البحث عن أسباب الاستحسان والاستهجان، واستخلاص عناصر الجمال، وتبيين سمات القبح بتجرد من الهوى ونفي التعصب، وبتقرب أكثر إلى الموضوعية، بغرض تقويم العمل الأدبي وتقييمه. فالنقد بحد ذاته له وظيفتان:
الأولى: هي التفسير لما ورد من أفكار في أي عمل من الأعمال التي لها ارتباط بالفكر والعلم.
الثانية: هي الحكم وإعطاء الرأي إما تأييداً أو تنقحياً أو تصويباً لما ورد من أفكار في تلك الأفكار والعلوم.
وقد اختلف النقد باختلاف النقاد فمنهم من كان واقعاً تحت تأثير ما مما دفعه أن يكتب نقداً ما قد يسمى نقداً هداماً، أو كان النقد موضوعياً لما يساعد على الارتقاء في العلوم الإنسانية والخير العام من أجل البشرية، من هنا فإن النقد على نوعين:
النوع الأول: النقد التأثيري:
هو كل عمل نقدي قام صاحبه بالتعبير عنه وهو تحت تأثير الانطباعات الأولية السريعة، أو أهواءه الشخصية المنحازة، أو مزاجه الفردي الخاص، ولم يخرجه أو يعبر عنه نتيجة تأمل ودراسة حثيثة ودقيقة وضمن أسس ومعايير وضوابط متفق عليها يجب أن يعتمد عليها كل من تصدى للعمل النقدي.
وفي أغلب الأحيان يتصف هذا النوع من النقد بأحكام عامة غير معللة، حيث يقوم الناقد بوصف العمل علمي أو أدبي بصفة ما بدون تفصيل، وقد لا يقوم بتبيان الأسباب التي دفعته للإطلاق مثل هذه الأحكام.
وهذا النوع من أنواع النقد قد يكون حكم على شيء إيجابي معين فيحاول تعميم هذه الإيجابية على كل النص، أو خطئ معين فيعمل على تعميم سلبيته على كل النص.
ومما يتميز به هذا النوع من النقد السذاجة والمبالغة، وذلك يعود لسبب أن الناقد بناه نتيجة انفعالات مباشرة وقد أغفل بعض أجزاء النص، إضافة إلى ذلك أنه لم يهتم بالقواعد التي أتفق عليها العلماء من الذين يعملون في مجال النقد وإبداء الرأي.
وقد كثر هذا النوع من النقد ـ النقد التأثيري ـ في مراحل مبكرة من تاريخ النقد، حتى قبل أن يتحول إلى علم واسع ومنتشر، ونحن نشهد وفي إيامنا هذه طفرة من الذين يدعون النقد والعمل النقدي ومن هؤلاء على السبيل المثال لا حصر:
ـ المبتدئون: الذين لم يتمرسوا في العمل النقدي كما يجب.
ـ المتعصبون: الذين يتحمسون لكاتب ما أو عالم ما فيظهرون حسناته وحدها، ويكثرون من إيجابياته، ويحكمون عليه من خلالها ويغفلون عن عثراتة وزلاته.
ـ المزاجيون: الذين تكون لهم ميول فردية خاصة فيظهرون الإعجاب في أعمال دون آخرى، وذلك فقط لأنها توافق أهوائهم ويعملون إظهار العيوب والسلبيات في أعمال التي تخالف هذه الأهواء.
ومن البديهي أن هذه الأنواع من النقاد وهذا النوع من النقد لن يقدم شيء مفيد أو جديد للمجتمعات الإنسانية، ولن يسهم في ارتقاء الذوق الجماعي عند الجمهور، وهولا يساعد العالم أو الكاتب على تحسين إنتاجه وتطويره، وذلك يعود لأن مقاييس الجمال والقبح في النقد التأثيري ذاتية وغير مستقرة ولا تنطلق من أهداف صحيحة..
النوع الثاني: النقد الموضوعي:
هو كل عمل نقدي يصدر عن دراسة وتمحيص وتدقيق، ويلتزم الناقد فيه منهاجاً معين وظاهر، والناقد يعمل على تطبيق القواعد العامة التي أتفق عليها النقاد أو أجمعوا على القبول بها، وهذا النوع من النقاد يحكم كل من عقله وذوقه وثقافة العامة والفنية كلها في نفس الوقت، ولا يقوم باستسلام لميوله الخاصة أو أهواءه الداخلية أو حتى ضغوط خارجية ليشوه الحقائق، وهو كذلك لا ينحاز لأحد على أحد، ويقوم بدعم أحكامه بالإدلة والحجج والبراهين.
ويتميز هذا النقد بأنه مفصلاً ومعللاً، حيث يحلل الناقد العمل الذي هو بصدد نقده، ويمحص أجزائه كلها، ويعمل على تبيان مواطن التي أجاد فيها الكاتب و نواضع التقصير والخلل، ومن يشرح الناقد السبب في حكمه هذا إن كان سلباً أو إيجاباً وكما يفصل مواضع الإجادة أو التقصير على حد سواء، ومن ثم يبين الأحكام الجزئية لكي يصل إلى حكم عام، يوجه فيه العمل العملي كله.
وهذا النوع من النقد يتطلب أن يكون لدى الناقد خبرة كبيرة جاءت نتيجة تراكمت خبرته في حياته العملية، والتي تعطيه إمكانية التحليل الدقيق والقدره على المناقشة، إضافة إلى ذلك فإن الذوق الناتج عن خبرة واسعة يساعد على تميز مستويات الجمال والقبح المختلفة، وثقافة واسعة تمكنه من موازنة أراءه بشكل جيد وتعينه على تطبيق القواعد النقدية.
ويمكن ملاحظة مسألة وهي أن أحكام النقاد الموضوعيون كثيراُ ما تكون متماثلة أو متقاربة في معظم الأوقات، فلو مثلاً قمنا بعرض نص علمي أو عمل أدبي على مجموعة نقاد الموضوعيين متخصصون في هذه الأنواع من العلوم لكي يبدوا أراءهم فيها وينقدوها، فسوف نلاحظ أن أراءهم متماثلة أو متقاربة ونقدهم فيه الكثير من مواضع الشبه، وستكون الخلافات فيما بينهم محدودة، ويعود السبب في الفروقات الطفيفة فيما بينهم إلى ذوق الشخصي ونكهة الخاصة لكل واحد منهم.
ولا بد أن نلفت عناية القارئ الكريم إلى أن النقد الأدبي يختلف عن النقد في العلوم التجريبية مثل: (الفيزياء ـ الكيمياء ـ الرياضيات...الخ).
وذلك يعود إلى أن القواعد في النقد الأدبي ليست قواعد علمية وثابتة نوعاً ما كما هي الحال في العلوم التجريبية. إنما هي حقائق وجدانية، تسمح بوجود فروقات محدودة بين ناقد وآخر.
ومن لا شك فيه أن النقد الموضوعي هو نتيجة من نتائج ارتقاء النقد، ويدل على التقدم الأدبي والحضاري، وهذا لأنه يعتمد على الدراسة والتحليل، ولا يحيد عن درب الناقش البناء، حتى نقتنع بالأحكام النقدية الموضوعية، وهو يساعد الكاتب على تحسين إبداعه، ويساهم في تطوير القلم الأدبي، ويرتقي بالذوق العام والجماعي للقراء.
وأختم برأي أحد أشهر النقاد وهو في ذات الوقت رسام ونحات فرنسي مشهور، ويعد أحد أبرز المستشرقين الذين قدموا إلى الشرق العربى والإسلامى خلال القرن التاسع عشر، وله مجموعة من الرسومات التاريخية والأساطير الأغريقية وعن الشرق، وهو يدعى "جان ليون جيروم" حيث قال: (الناقد الجيد هو الذي يكيف أساليبه ومعايير القيمة لديه تبعاً للعمل الخاص الذي يدرسه، ومن ثم فإنه يستخدم في الحالات المختلفة أنواعاً مختلفة من النقد، كما أنه يضع في اعتباره الجمهور الذي يكتب له، ومستوى ذوقه، ومدى تعوده على عمل له هذا الأسلوب أو النمط).
21/4/2013
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
السيد يوسف البيومي

المقالة النقدية: هي مقالة تحليلية وظيفتها الشرح للقارئ بشكل توضيحي قد يكون فيها تأييد لأفكار ما أو مخالفة لأفكار أخرى ويجب أن يكون الكاتب موضوعياً يستخدم الدليل إن كان مؤيداً أو مخالفاً وإلا نزعت صفة النقد الموضوعي عن المقالة..
ما معنى كلمة النقد؟!:
إن كلمة النقد في لغة لها عدة معاني نقتصر على المهم منها، وهي:
ـ النقد هو: التمييز بين الجيد والرديء، وقيل: هو إظهار العيب والانتقاص.
وقد استعمل لفظ النقد عند الأدباء العرب باستعمالين، الأول: بمعنى التحليل والشرح والتمييز والحكم، والثاني: بمعنى العيب والمؤاخذة والتخطئة.
وأما معنى النقد اصطلاحاً: فهو التقدير الصحيح لأي أثر فني وبيان قيمته في ذاته ودرجته بالنسبة إلى سواه. وهو البحث عن أسباب الاستحسان والاستهجان، واستخلاص عناصر الجمال، وتبيين سمات القبح بتجرد من الهوى ونفي التعصب، وبتقرب أكثر إلى الموضوعية، بغرض تقويم العمل الأدبي وتقييمه. فالنقد بحد ذاته له وظيفتان:
الأولى: هي التفسير لما ورد من أفكار في أي عمل من الأعمال التي لها ارتباط بالفكر والعلم.
الثانية: هي الحكم وإعطاء الرأي إما تأييداً أو تنقحياً أو تصويباً لما ورد من أفكار في تلك الأفكار والعلوم.
وقد اختلف النقد باختلاف النقاد فمنهم من كان واقعاً تحت تأثير ما مما دفعه أن يكتب نقداً ما قد يسمى نقداً هداماً، أو كان النقد موضوعياً لما يساعد على الارتقاء في العلوم الإنسانية والخير العام من أجل البشرية، من هنا فإن النقد على نوعين:
النوع الأول: النقد التأثيري:
هو كل عمل نقدي قام صاحبه بالتعبير عنه وهو تحت تأثير الانطباعات الأولية السريعة، أو أهواءه الشخصية المنحازة، أو مزاجه الفردي الخاص، ولم يخرجه أو يعبر عنه نتيجة تأمل ودراسة حثيثة ودقيقة وضمن أسس ومعايير وضوابط متفق عليها يجب أن يعتمد عليها كل من تصدى للعمل النقدي.
وفي أغلب الأحيان يتصف هذا النوع من النقد بأحكام عامة غير معللة، حيث يقوم الناقد بوصف العمل علمي أو أدبي بصفة ما بدون تفصيل، وقد لا يقوم بتبيان الأسباب التي دفعته للإطلاق مثل هذه الأحكام.
وهذا النوع من أنواع النقد قد يكون حكم على شيء إيجابي معين فيحاول تعميم هذه الإيجابية على كل النص، أو خطئ معين فيعمل على تعميم سلبيته على كل النص.
ومما يتميز به هذا النوع من النقد السذاجة والمبالغة، وذلك يعود لسبب أن الناقد بناه نتيجة انفعالات مباشرة وقد أغفل بعض أجزاء النص، إضافة إلى ذلك أنه لم يهتم بالقواعد التي أتفق عليها العلماء من الذين يعملون في مجال النقد وإبداء الرأي.
وقد كثر هذا النوع من النقد ـ النقد التأثيري ـ في مراحل مبكرة من تاريخ النقد، حتى قبل أن يتحول إلى علم واسع ومنتشر، ونحن نشهد وفي إيامنا هذه طفرة من الذين يدعون النقد والعمل النقدي ومن هؤلاء على السبيل المثال لا حصر:
ـ المبتدئون: الذين لم يتمرسوا في العمل النقدي كما يجب.
ـ المتعصبون: الذين يتحمسون لكاتب ما أو عالم ما فيظهرون حسناته وحدها، ويكثرون من إيجابياته، ويحكمون عليه من خلالها ويغفلون عن عثراتة وزلاته.
ـ المزاجيون: الذين تكون لهم ميول فردية خاصة فيظهرون الإعجاب في أعمال دون آخرى، وذلك فقط لأنها توافق أهوائهم ويعملون إظهار العيوب والسلبيات في أعمال التي تخالف هذه الأهواء.
ومن البديهي أن هذه الأنواع من النقاد وهذا النوع من النقد لن يقدم شيء مفيد أو جديد للمجتمعات الإنسانية، ولن يسهم في ارتقاء الذوق الجماعي عند الجمهور، وهولا يساعد العالم أو الكاتب على تحسين إنتاجه وتطويره، وذلك يعود لأن مقاييس الجمال والقبح في النقد التأثيري ذاتية وغير مستقرة ولا تنطلق من أهداف صحيحة..
النوع الثاني: النقد الموضوعي:
هو كل عمل نقدي يصدر عن دراسة وتمحيص وتدقيق، ويلتزم الناقد فيه منهاجاً معين وظاهر، والناقد يعمل على تطبيق القواعد العامة التي أتفق عليها النقاد أو أجمعوا على القبول بها، وهذا النوع من النقاد يحكم كل من عقله وذوقه وثقافة العامة والفنية كلها في نفس الوقت، ولا يقوم باستسلام لميوله الخاصة أو أهواءه الداخلية أو حتى ضغوط خارجية ليشوه الحقائق، وهو كذلك لا ينحاز لأحد على أحد، ويقوم بدعم أحكامه بالإدلة والحجج والبراهين.
ويتميز هذا النقد بأنه مفصلاً ومعللاً، حيث يحلل الناقد العمل الذي هو بصدد نقده، ويمحص أجزائه كلها، ويعمل على تبيان مواطن التي أجاد فيها الكاتب و نواضع التقصير والخلل، ومن يشرح الناقد السبب في حكمه هذا إن كان سلباً أو إيجاباً وكما يفصل مواضع الإجادة أو التقصير على حد سواء، ومن ثم يبين الأحكام الجزئية لكي يصل إلى حكم عام، يوجه فيه العمل العملي كله.
وهذا النوع من النقد يتطلب أن يكون لدى الناقد خبرة كبيرة جاءت نتيجة تراكمت خبرته في حياته العملية، والتي تعطيه إمكانية التحليل الدقيق والقدره على المناقشة، إضافة إلى ذلك فإن الذوق الناتج عن خبرة واسعة يساعد على تميز مستويات الجمال والقبح المختلفة، وثقافة واسعة تمكنه من موازنة أراءه بشكل جيد وتعينه على تطبيق القواعد النقدية.
ويمكن ملاحظة مسألة وهي أن أحكام النقاد الموضوعيون كثيراُ ما تكون متماثلة أو متقاربة في معظم الأوقات، فلو مثلاً قمنا بعرض نص علمي أو عمل أدبي على مجموعة نقاد الموضوعيين متخصصون في هذه الأنواع من العلوم لكي يبدوا أراءهم فيها وينقدوها، فسوف نلاحظ أن أراءهم متماثلة أو متقاربة ونقدهم فيه الكثير من مواضع الشبه، وستكون الخلافات فيما بينهم محدودة، ويعود السبب في الفروقات الطفيفة فيما بينهم إلى ذوق الشخصي ونكهة الخاصة لكل واحد منهم.
ولا بد أن نلفت عناية القارئ الكريم إلى أن النقد الأدبي يختلف عن النقد في العلوم التجريبية مثل: (الفيزياء ـ الكيمياء ـ الرياضيات...الخ).
وذلك يعود إلى أن القواعد في النقد الأدبي ليست قواعد علمية وثابتة نوعاً ما كما هي الحال في العلوم التجريبية. إنما هي حقائق وجدانية، تسمح بوجود فروقات محدودة بين ناقد وآخر.
ومن لا شك فيه أن النقد الموضوعي هو نتيجة من نتائج ارتقاء النقد، ويدل على التقدم الأدبي والحضاري، وهذا لأنه يعتمد على الدراسة والتحليل، ولا يحيد عن درب الناقش البناء، حتى نقتنع بالأحكام النقدية الموضوعية، وهو يساعد الكاتب على تحسين إبداعه، ويساهم في تطوير القلم الأدبي، ويرتقي بالذوق العام والجماعي للقراء.
وأختم برأي أحد أشهر النقاد وهو في ذات الوقت رسام ونحات فرنسي مشهور، ويعد أحد أبرز المستشرقين الذين قدموا إلى الشرق العربى والإسلامى خلال القرن التاسع عشر، وله مجموعة من الرسومات التاريخية والأساطير الأغريقية وعن الشرق، وهو يدعى "جان ليون جيروم" حيث قال: (الناقد الجيد هو الذي يكيف أساليبه ومعايير القيمة لديه تبعاً للعمل الخاص الذي يدرسه، ومن ثم فإنه يستخدم في الحالات المختلفة أنواعاً مختلفة من النقد، كما أنه يضع في اعتباره الجمهور الذي يكتب له، ومستوى ذوقه، ومدى تعوده على عمل له هذا الأسلوب أو النمط).
21/4/2013
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat