كتابات في الميزان
كتابات في الميزان

الحسين عليه السلام قاتل مضطرا  وليس مختارا..!!

57f14e94a1c1d1.jpg

 البيعة، ومن هذا المنطلق فان الحسين عليه السلام اعتمد هذه الكتب وشد الرحال للكوفة ليعلن رفضه لبيعة يزيد الخارج عن دائرة الاسلام بمعاقرة الخمر والسهر مع الجواري وكل سيرته تؤكد معارضة مباديء الاسلام الحنيف.. هكذا كان مسار الحسين في المعارضة وبعدها قتاله لجيش يزيد الجرار الذي يتفوق على جيش الحسين عدة وعدد، وهذا المعطى يوثق ان الحسين اضطر للقتال لا عن معجزة انما لمعطيات الحفاظ على قيم الدين والاصلاح بدليل قوله عليه السلام: (أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلَا بَطِراً وَلَا مُفْسِداً وَلَا ظَالِماً وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي محمد المصطفى)، كون الحكم الاموي قد خرج على سنن الاسلام في تجويع الشعب، وصرف أموال هذا الشعب في اللذات، والرشا وشراء الضمائر، وقمع الحركات التحررية، هذا الحكم الذي اضطهد المسلمين غير العرب وهددهم بالافناء، ومزق وحدة المسلمين العرب وبعث بينهم العداوة والبغضاء، هذا الحكم الذي شرد ذوي العقيدة السياسية، التي لا تنسجم مع سياسة البيت الأموي وقتلهم تحت كل حجر ومدر، وقطع عنهم الأرزاق وصادر أموالهم، هذا الحكم الذي شجع القبلية على حساب الكيان الاجتماعي للأمة المسلمة، هذا الحكم الذي عمل عن طريق مباشر تارة وعن طريق غير مباشر تارة أخرى على تقويض الحس الإنساني في الشعب، وقتل كل نزعة إلى التحرر بواسطة التخدير الديني الكاذب، كل هذا الانحطاط ثار عليه الحسين، وبهذا صار من المحتوم ان يثور الحسين الذي تربى في بيت النبوة وتغذى مباديء الاسلام الصحيحة، فهو قاتل بأمر موضوعي واقعي، لكنه قاتل بعقيدة ونية صادقة وفق مبادئ الإسلام السمحاء تحت مبدأ القرآن الكريم (لا اكراه في الدين) لهذا في ليلته الأخيرة، وبعد تأكده من وقوع المعركة اجتمع باصحابه وجنده وخاطبهم ها ان هذا أسدل ستاره فاتخذوه لكم جملا، بمعنى انتم حلّ مني اي ترك لهم حرية الانسحاب من المعركة، وتسرب البعض وثبت معه البعض الآخر، فكان قتال من ثبت مع الحسين يعد اسطوريا كونهم تيقنوا بانهم مقتولون لامحالة، فكل المعطيات ان الحسين لم يقاتل عن معجزة، انما كانت معركة الطف ضمن معطى واقعي مرهون بضرورات القتال، حيث قبل هذا كان كتبه لمعاوية حين خاطبه : (ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقى الله من وزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه، فوالله ما برحت تقدح باطلا في جور، وحنقا في ظلم حتى ملأت الأسقية، ومابينك وبين الموت الاّ غمضة)، ونلاحظ ان الامام استخدم الطرق السلمية حقنا للدماء، وفي كتاب للوليد بن عتبة والي المدينة: (أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد فاسق، فاجر، شارب للخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لايبايع مثله)، وهنا وضع الهدف الرئيسي من ممانعته لمبايعة يزيد، مستعملا الطرق الدبلوماسية الصحيحة، وتعرية مساوئ يزيد، الذي يعرفه القاصي والداني، وهذه الحالة اظهرت الجوانب الواقعية من معارضة الحسين لخلافة يزيد، كون وضع يزيد الاجتماعي والاخلاقي ظاهرا وواضحا امام الجميع، فلايسمح له تولي خلافة المسلمين، فهذا الرجل افسد وعاث ظلما وجرما في بلاد المسلمين، وكان العامل الثاني الملح لثورة الحسين رسائل اهل الكوفة التي بلغت الالاف يحثون الحسين بالقدوم لاجل مبايعته كما اسلفنا، وهكذا يتبدى لنا من خلال هذه الرسائل ان الحسين من دعاة السلام، لكنه رجل غير عادي، يشار له بالبنان وعليه مسؤولية القيام بالمهمة، لهذا طلب الإصلاح، ودليل آخر هو خطاب زهير بن القين (رض)،أحد صحابه في ساحة المعركة:(ياأهل الكوفة نذار لكم من عذاب النار نذار، إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن أخوة على دين واحد وملة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منا أهل، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنا نحن أمة وأنتم أمة..)..اذن كل ثورة الحسين قامت على السلام والأخوة والنصيحة، وعلى مبدأ قرآني واضح تجلى بالاية الكريمة : (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، والاهم من هذا ان دعوة الرسول والخلفاء ولبة الاسلام، هي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم ان هناك امرا وهي وصية معاوية ليزيد باخذ البيعة من الحسين اخذا شديدا ليس فيه رخصة، اي بالقوة، وكان رد الحسين حينها بقوله: (ومثلي لايبايع مثله)، هذه الاسباب الموجبة التي دفعت الحسين ان يقارع جبروت الظلم والعدوان والفسق والجحود لرسالة محمد "ص"، هذه الرسالة الانسانية التي استثمرت كل رسالات الاديان السابقة بجعل الانسان هو القيمة العليا التي اوجدها الله في الارض وسخر لها جميع مخلوقاته، فهل تستقيم الحياة بالظلم والكراهية، ام بالسلم والحب، فكانت دماء الحسين، هي التي سقت شجرة محمد المغذاة بالعدالة والحق والرحمة، فاخضّرت اغصانها وعادت عافيتها واصبح الحسين عنوان محبة وثورة متجددة ضد الطغاة، واستثمار فكري وادبي انساني.

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!