(قراءة في خطاب الجمعة لسماحة السيد أحمد الصافي) 4ذ الحجة1439هـ ٢٠١٨/٨/١٧م
علي حسين الخباز
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي حسين الخباز

وسائل توجيه الوعظ أحد الروافد المهمة في خطاب الجمعة، كونها تساعد على تحقيق النتائج المرجوة للخطاب من خلال عرض الأفكار بشكل مباشر وبأسلوب مؤثر ومقنع، والخطاب عند سماحة السيد أحمد الصافي يشتغل على توجيه المتلقي وإرشاده عبر وسائل الإقناع.
تارة يستخدم لغة حتمية الوجوب (ما دام الإنسان في هذه الدنيا واجب عليه أن يرعى هذا الوجود الذي أفاضه الله علينا) وتارة يخفف من شد الجملة (لذا يتعين على كل منا أن يفهم وظيفته) ويلجا إلى حروف الاحتمال ليعطي الخطاب احتمالية (الإنسان قد يكون في غفلة) ثم يدخل وسائل الإقناع عبر مفردة (تعلمون) (أن الدنيا لها قابلية ينجذب إليها فهي تدغدغ المشاعر والحواس والغرائز، والإنسان يندفع ولعله بهذا الاندفاع يأخذ منها أكثر من الأمور الضرورية لإقامة صلبه).
قضية الإقناع من أهم ما تحتويه اللغة الصريحة أو الدلالية في موضوع التفاعل والتواصل مع المتلقي، وأسلوب الإقناع هو أسلوب هادئ تحاوري يكسب روح المتلقي ليذعن إلى الفكرة، يحاورها مع نفسه وتأثر فيه (يحتاج الإنسان إلى أن يلتفت، ويحتاج إلى أن يقف وقفة متأمل، ينظر ماذا عليه أن يفعل؟ وماذا فعل؟ والإنسان كفى بنفسه واعظا)
فهو يطلب من متلقيه التأمل إلى نفسه، أسلوب هادئ، والإقناع مقدرة يتمتع بها الخطيب الجاد، يمكنه من ترسيخ سلوكيات وقناعات إيصال رسائل ومشاعر ومعلومات ومنطق مدرك دون استخدام لغة الترهيب والإلحاح، أو المبالغة ولا الحماس، المبالغ كونه يعي مسؤوليته ويعرف شمولية الخطاب، وخاصة بعد الانفتاح على العالم بواسطه تقنيات التواصل الإلكتروني.
هو يمتلك خطابا يرتكز على القضايا الإنسانية، التعمق في المحور الإنساني ليراجع المتلقي الفكرة ويعالجها مع نفسه.
قول سماحة السيد أحمد الصافي( إن الإنسان عندما يرى نفسه ويبدأ بمحاسبتها ويبدا بتوجيهها معنى ذلك أن الإنسان على خير) توفر اليوم الفضاء الإعلامي الواسع لانتشار صوت الخطاب وكثرت المنابر الدينية والسياسية والخطابية، وكل خطاب له أسلوب، منهم من يرتكز على الوعد والوعيد، ومنهم من يعتمد صوت الحماس، والقليل الذي يرتكز على خطاب الإقناع، كل منطق موجه إلى الغير لإفهامه أو لنقل فاعلية استدلالية بأدلة مؤثرة مثل أساليب المودة والرفق والنصح فهو يرى (إن الإنسان يدرك بفطرته أن هناك أشياء مطلوبة منه لكنه لا يعرفها فيبدأ بالسؤال، مطلوب منه أن يحافظ على صحته إذا مرض يسأل عن الطبيب الذي يستطيع أن يرشده إلى الدواء) يعمل الخطاب على التنبيه لأجل ضمان إصغاء المتلقي إليه عبر الأسئلة المحورية التي تجذب الأذهان إلى ما تحمله الأسئلة، مجموعة من الأسئلة تواجه الإنسان، مثلا ما هي وظيفته كيف يتعامل مع جاره كيف يتعامل مع العامل كيف يتعامل مع أبويه هل يجوز أن يأخذ مال الغير؟ بالنتيجة هو يحتاج أن يهذب نفسه من خلال أجوبة هذه الأسئلة حين يكون أنسانا سويا) جسد الخطاب مفهوم الرزق بمنهج أهل البيت "عليهم السلام" الرزق تمكين ما ينتفع وما يخدم وليس باستطاعة أحد أن يمنعه من هذا الانتفاع والرزق لا يكون من حرام، الرزق عند مفهوم بعض الناس المال والذهب والأسهم والأرصدة، والرزق أوسع من هذا المعنى العلم رزق والدين الأبن الصالح رزق، والإمام السجاد "عليه السلام" يدعو الله أن يرزقه التحفظ من الخطايا والتحفظ طاعة والاحتراس أي الاحتراز (وارزقني الاحتراس من الزلل في الدنيا والأخرة)
الاحتراس أنا أطلب حرسا، أو أنا في حالة حراسة، أنا محترس يعني يقظ، لماذا يحترس الإنسان؟ يأخذنا الخطاب إلى أسباب وضع الحراسة أما لامتلاكه الشيء الثمين، وقد يكون وجوده أو حياته، وقد يكون أغلى من وجوده ويحترس من الشخص الذي يريد الفتك به، يحترس بمعنى هناك تهديد.
والاحتراس يقتضى أن يطلب من الله أن يرزقه التحفظ من الخطايا، والاحتراز من الزلل، قراءة الخطاب ترشدنا لمسألة مهمة، الاعتماد الكلي على مسائل الإقناع، وتجنب استعمال صيغ الأمر، فهو لا يستعمل الفعل الأمري، بل يبدله إلى توجه آخر، لم يقل احترس، بل قال الاحتراس من الدنيا (يعني من الذنوب) والاحتراس من الآخرة (يعني العقاب)، ولو نتابع كيف تعامل الخطاب مع جميع المفردات المتعلقة بالعقوبة دون أن يستخدم معها فعل الأمر، الوعظ المباشر، يتميز الخطاب بتشكيل الفكر بمعنى خطاب عقلي، خطاب يبلغ العقول بحكمة ويتناسب مع المستوى المعرفي (قد يغفر الله سبحانه أو يرحم بحسب رحمته الواسعة واستعداد العبد لشموله بالرحمة) بدل أن يركز على أحذر وإياك وتيقن واستعد وافعل، وأفعال الأمر الأخرى، يوضح علاقة الإنسان بالشيطان علاقة خطر، الشيطان لا يحب الإنسان، لا يريد له الخير، ويحذرهم بأسلوب لا مباشر (شياطين الإنس قد يكونون في بعض الحالات أخطر) سئل أمير المؤمنين "علي عليه السلام" عن شر الإخوان قال من يزين لك معصية الله هو شيطان من شياطين الإنس، ويرى سماحة السيد أحمد الصافي، إن الإنسان عندما يتشبع بالمعصية يضجر من النصيحة يتحول إلى شيطان.
خطاب يعالج القضايا النفسية والإنسانية بوعي معرفي، يتجاوز المعرفة أحيانا الى فاعلية الصياغة الفكرية، يعمل لبناء الأفكار فتكون المعالجة عميقة، الإمام السجاد عليه السلام يقول (أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد ) بمعنى أن إبليس يتأذى من السجود، يذكره بعاره وشناره، ما بين السجدة وإبليس عداء أزلي، والشيطان لعنه الله يفرح كثيرا بموت العالم
استفتاء جرى لمعرفة ما هو السؤال الأصعب؟
كانت الأجوبة تذهب الى جوانب كثيرة ومنها ما بعد الموت، وذكر الناس بعد الرحيل والصدقة الجارية، هل تغفر الخطايا؟ ذهبت بعض الأسئلة صوب الدعاء والاستغفار والبر والصدق وأمور كثيرة، سماحة السيد أحمد الصافي وجه سؤالا والحرج أحيانا أشد من الألم يجعلنا نلتفت إلى أنفسنا هل يجرؤ احدنا إذا حل بساحته الموت أن يقول فزت رب الكعبة؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat