هل تصنع الصين ثورة علمية... بطابع حضاري جديد ؟.
شاكر عبد موسى الساعدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
شاكر عبد موسى الساعدي

في الآونة الأخيرة، يبدو أن اسم شينجيانغ يتردد أكثر من أي وقت مضى على لسان علماء الحكومة الصينية. هذه المنطقة الشاسعة الواقعة في غرب البلاد بمساحة تضاهي مساحة إيران تقريبًا، لكنها أقل كثافة سكانية بشكل لافت مقارنة بعاصمتها بكين.
واليوم، نجد أن شينجيانغ تقف في قلب مشروع هائل لتطوير البنية التحتية على نحو غير مسبوق، حيث تشهد تحولات ملحمية تعيد تعريف المشهد الاقتصادي والعلمي في الصين.
من مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي يمكن رؤيتها من الأقمار الصناعية، إلى التلسكوب الراديوي الأكبر من نوعه على مستوى العالم، مرورًا بالسدود الكبرى التي تشكل معالم متفردة، وشبكات المياه الجوفية التي تمتد لمسافات مذهلة لتغذي صحراء تاكلامكان "بحر الموت"، يبدو كل شيء في شينجيانغ وكأنه جزء من خطة متقنة لإثبات قدرة البشر على تحويل المستحيل إلى ممكن.
قد تبدو فكرة استثمار هذه الموارد الضخمة في منطقة صحراوية، وفق معايير معظم الدول، ضربًا من التبذير. إلا أن الصين لديها رؤية مغايرة تمامًا. فالنتائج تتحدث عن نفسها : ثروة هائلة من الطاقة النظيفة التي تقلل تكاليف الإنتاج على مستوى البلاد، والعائدات الزراعية والصناعية والمعادن التي تُعاد توزيعها لتسريع نمو شينجيانغ وربطها ببقية الاقتصاد الصيني. بهذه الطريقة، لا تخدم هذه المشاريع الإقليم فقط، بل تمتد آثارها لتعيد تشكيل أسواق الاستهلاك العالمي، إذ تتيح للصناعة الصينية إنتاج سلع بجودة أعلى وأسعار أكثر تنافسية.
لكن شينجيانغ ليست إلا جزءًا واحدًا من مشهد التحول الكبير في المناطق النائية بغرب الصين. في التبت، يتم إنشاء محطة كهرومائية عملاقة تفوق ثلاث مرات حجم سد الخوانق الثلاثة الشهير.
وفي قويتشو، يشق أطول جسر في العالم طريقه فوق - وادي هواجيانغ - العميق. هذه المعجزات الهندسية، التي كان يُنظر إليها يومًا كأحلام مستحيلة التحقيق، أصبحت اليوم واقعًا ينبض بثمرة الابتكار والعمل الجاد في المناطق التي كانت تُعدّ الأكثر فقرًا وتهميشًا.
وتقود هذا التحول العشرات من الآلاف من العلماء والمهندسين الذين هاجروا إلى تلك المناطق النائية. فهم لا يغيرونها فقط، بل يغيرون أيضًا أحد أقدم أنماط التفكير حول التنمية. لقد دحضوا الفكرة القائلة بأن المجتمعات لا يمكنها أن تتقدم بالتساوي, فبتحويلهم الأراضي القاحلة إلى مراكز للابتكار والحداثة، أعادوا تعريف قواعد اللعبة.
ولكن ربما يكمن السؤال الأكبر هنا في مدلولات كل هذه التحولات على مفهوم "الشيوعية". بالنسبة للكثيرين، لطالما اقترنت الشيوعية بالفقر والعزلة والتخلف الاقتصادي.
لكن دعونا نتخيل مستقبلًا لكل هذا الجهد العلمي المتقدم : ماذا لو أضاءت المفاعلات النووية الصينية مدن العالم بحلول طاقة نظيفة غير محدودة ؟.. وماذا لو قدمت مستشفياتها علاجات مبتكرة للأمراض المستعصية بأسعار تناسب الجميع؟ .
هل ستصبح الصين قاطرة تحول عالمي تجعل التكنولوجيا والخدمات المتطورة في متناول الجميع؟ وماذا لو غزت السيارات الكهربائية الصينية الأسواق العالمية ليس فقط بمواصفاتها المتفوقة ولكن أيضًا بأسعار تنافسية جريئة .؟
ربما ما يجري في الصين الآن ليس مجرد مشروع تحديث أو تطوير عادي, إنه جهد يعيد تعريف القوة العلمية كوسيلة لإعادة صياغة الواقع الاجتماعي والاقتصادي بالكامل. فكّر للحظة : هل يمكن لهذه الثورة العلمية أن تحمل بالفعل لمحات من رؤية شيوعية حديثة ؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat