في ليلة استثنائية ليست كبقية أخواتها من الليالي، حدثت أعظم رحلة سماوية في التاريخ، إنها رحلة المعراج، رحلة تخطت حدود الزمن، وحملت في طياتها عجائب العظمة وكشفت الأستار عن بعض الأسرار.
رحلة عجيبة ارتقى فيها الحبيب إلى السماوات العلا، متجاوزًا حدود الزمان والمكان، على دابة أكثر عجبّا، ناصع لونها، شديد بريقها، سريعة حركتها كالبرق، خطوتها مد البصر، ولجامها ياقوتة حمراء، لتحمل أشرف مخلوق على ظهر المعمورة ليصل إلى مقام لم يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ليقف في حضرة الرب الجليل، في لحظة من أسمى لحظات القرب الإلهي، والشهود الباطني { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ} ٨-٩ النجم، دنوًا واقترابًا من العلي الأعلى، ليظهر شريف مكانته و علو مقامه، وليتشرف بمقدمه أهل السماء، وينالوا الكرامة بمشاهدته كما أشار لذلك الإمام موسى الكاظم "عليه السلام" حين سئل عن علة المعراج فكان جوابه: "ولكنه عز وجل أراد أن يشرف به ملائكته وسكان سماواته، ويكرمهم بمشاهدته، ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه".
في هذه الرحلة، كان النبي شاهدًا على أسرار الوجود حتى {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} ١٨ النجم
آيات كبرى؛ لكبر عظمها، وشرافة محلها فمقامها من مقام حبيبه المصطفى، لماذا؟ لأنه اشتقها من ذات نوره الأكبر.
بعدما اجتاز السماوات، وخرق جميع الحجب، وأن وصل العرش، رأى منقوشًا بيد القدرة الإلهية: "إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة"
وجود اسمه في هذا المكان دليل على أن مرتبته فوق كل شيء، كمرتبة العرش فوق كل شيء، وأن له من التضحية والفناء والاندكاك في ذات الله عز وجل ما يباهى به، حتى استحق أن يرفعه فوق ملكوت السموات، ورفع الأشياء والسمو بها طريق الافتخار.
كما رأى هناك روحه التي بين جنبيه، ابنته وحبيبة قلبه فاطمة، ورد عن الإمام الباقر "عليه السلام" في تفسير {إِنَّها لإٍحْدَى الْكُبَرِ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ} ٣٥-٣٦ المدثر، {إنها} يعني فاطمة نذير للبشر؛ لأنّها الميزان يرضى اللهُ لرضاها ويغضب لغضبها، وقد أشارت لهذا المعنى في خُطبتها الشريفة: "وأنا ابنةُ نذيرٍ لكم بينَ يدي عذابٍ شديد" فهي نذير كأبيها المُصطفى.
وعلي كفاطمة نفس النبي وروحه، وقد قال في حقه كما قال في حقها: "إن عليًّا مني، روحه من روحي" وفي موضع آخر "يا علي أنت نفسي التي بين جنبي، وفاطمة روحي التي بين جنبي" ولقد حظيت النفس بنصيب الأسد فـ "ما لله عز وجل آية هي أكبر" من أمير المؤمنين، ويؤكد النبي هذا بقوله: "ليلة أسرى بي إلى السماء لم أجد بابًا ولا حجابًا، ولا شجرة ولا ورقة ولا ثمرة، إلا وعليها مكتوب علي وإن اسم علي مكتوب على كل شيء"، وأبصر ملكًا في صورته وخاطبه رب العزة بصوته، فحين سئل بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج فأجاب: "خاطبني بلغة علي بن أبي طالب، فألهمني أن قلت يا رب خاطبتني أم علي فقال: يا أحمد أنا شيء ليس كالأشياء، ولا أقاس بالناس، ولا أوصف بالأشياء، خلقتك من نوري وخلقت عليًّا من نورك، فاطلعت على سرائر قلبك فلم أجد إلى قلبك أحب من علي، فخاطبتك بلسانه كي يطمئن قلبك"
وهكذا، كانت رحلة المعراج تجليًا لعظمة النبي صلى الله عليه وآله، ومقامه الرفيع في ملكوت الله، حيث تفتحت له أبواب الغيب، ورأى بعين اليقين ما لم يدركه غيره، رحلة تجلت فيها الأسرار، وتعالت المعاني، وازدانت الروح بالقرب الإلهي، فكان المعراج شاهدًا على أن الحبيب هو سيد الخلق، وصفوة الصفوة، وصاحب المقام المحمود الذي رفعه الله فوق السماوات العُلى، أن القرب من الله هو أسمى الغايات، وأن طريقه الأوحد محمد وآله، فمن تولاهم وتمسك بهم عرج وارتقى ومن تخلف عنهم غرق وهوى.
المصادر:
رسالة في المعراج للبلاغي
تفسير الأمثل للشيخ الشيرازي -ج١٧
تفسير القمي- ج ٢
التوحيد للشيخ الصدوق
منهاج الكرامة للحلي
محطات في حديث إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة للشيخ عبدالجليل البن سعد
مشارق أنوار اليقين للبرسي
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat