آيات قرآنية في كتاب أسرار الصلاة للشيخ جوادي الآملي (ح 2)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

جاء في کتاب أسرار الصلاة للشيخ جوادي الآملي: سر الوقت واستقبال القبلة: كما أنّ بالتأمّل فيما مضى يمكن استكشاف سرّ الوقت واستقبال القبلة، وأنّ المعبود لا صباح عنده ولا مساء له، ولذا صلَّى رسول الله صلَّى الله عليه وآله صلاة الظهر في المعراج، مع أنّه كان في الليل، لأنّه عقيب الإسراء الذي كان في بضعة من الليل، كما قال تعالى "سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِه ِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَه" (الاسراء 1). كما أنّ المعبود سبحانه أيضا لا اختصاص له بجهة دون جهة، كما قال تعالى "فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه ُ ا للهِ" (البقرة 115).
وعن سر النية يقول الشيخ الآملي مؤلف الكتاب: والمراد من النيّة هنا ليس هو قصد العنوان: كصلاة الظهر أو العصر في الأمر العباديّ، وكأداء الدين أو الهبة في الأمر المعامليّ. كما أنّه ليس المراد منها هو قصد الوجه: كالوجوب أو الندب، بل المراد منها هنا: هو خصوص قصد القربة من اللَّه سبحانه، لأنّ هذا القصد هو المدار في البحث العرفانيّ والكلاميّ والخلقيّ الناظر حول صلاح القلب وفلاحه. وقد ورد في شأنها والاهتمام بها نصوص كثيرة من الآيات والأحاديث، نحو قوله تعالى "لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَه ُ رِئاءَ النَّاسِ" (البقرة 264) وقوله تعالى "مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ ا للهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ" (البقرة 265) وقوله تعالى: "قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّه ِ رَبِّ الْعالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَه ُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" (الأنعام 162-163). ونحو ما روي عن أهل البيت عليهم السّلام: عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال: قال رسول اللَّه صلَّى الله عليه وآله: (لا عمل إلَّا بنيّة، ولا عبادة إلَّا بيقين، ولا كرم إلَّا بالتقوى). وبهذا المضمون روايات أخر لا احتياج إلى نقلها، لكثرتها ومعروفيّتها، ولا نصيب للعامل إلَّا بنيّته ومقدارها وكيفيّتها. والشاهد عليه ما روي عن رسول اللَّه صلَّى الله عليه وآله أنّه قال: (إنّما الأعمال بالنيّات، ولكلّ امرئ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند اللَّه فقد وقع أجره على اللَّه، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلَّا ما نوى). وفي وصيّة رسول اللَّه صلَّى الله عليه وآله لأبيّ ذرّ: (وليكن لك في كلّ شيء نيّة، حتّى في النوم والأكل). فالنيّة بمعنى: قصد التقرّب من اللَّه سبحانه هي روح العمل الذي بها يحيى وبدونها يموت، ولا أثر للميّت، وبها تصحّ العبادة، وبدونها تبطل. وحيث إنّ للنيّة درجات فللصحّة مراتب وإن كانت مشتركة في أصل الامتثال، وسقوط الإعادة أو القضاء ولكن لكلّ من تلك المراتب ثواب يختصّ بها، وقرب يحصل منها، ولا يحصل ذلك الثواب أو القرب بدونها. وحيث إنّ المواقف الهامّة يوم القيامة ثلاثة: من النار، والجنّة، والرضوان كما أشار إليه قوله تعالى "وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ ا للهِ وَرِضْوانٌ" (الحديد 30)، وأنّ الشؤون العمليّة الرئيسيّة للنفس الإنسانيّة ثلاثة أيضا: من الغضب الدافع للمنافي، والشهوة الجاذبة للملائم، والعقل العمليّ الشائق للكمال التامّ المجرّد المعقول فلذا صارت العبادة ثلاثة أقسام، وصار العبّاد ثلاثة، حيث إنّ قوما يعبدون اللَّه سبحانه خوفا من النار وتلك عبادة العبيد، وإنّ قوما يعبدونه تعالى شوقا إلى الجنّة وتلك عبادة الحرصاء، وإنّ قوما يعبدونه تعالى حبّا له تعالى وتلك عبادة الأحرار الكرام.
ويستطرد الشيخ الآملي حفظه الله عن النية قائلا: أنّ النيّة بمعنى قصد القربة: روح العمل وقلبه، وأفضل من العمل، لأنّ حياته بها، كما يستفاد ممّا رواه الكلينيّ رحمه اللَّه بإسناده، عن سفيان بن عيينة، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام في قول اللَّه عزّ وجلّ "لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" (الملك 2) قال: ليس يعني: أكثركم عملا، ولكن أصوبكم عملا، وإنّما الإصابة خشية اللَّه عزّ وجلّ، والنيّة الصادقة والحسنة، ثمّ قال: الإبقاء على العمل حتّى يخلص أشدّ من العمل، والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلَّا اللَّه عزّ وجلّ، والنيّة أفضل، ألا وإنّ النيّة هي العمل، ثمّ تلا قوله تعالى "كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِه" (الاسراء 84) يعني: على نيّته.
وعن الاخلاص يقول آية الله الشيخ جوادي الآملي: والذي يدور مداره الكلام هو: ما رواه أبو الفتوح الرازيّ في تفسيره، عن حذيفة ابن اليمان قال: سألت رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله عن الإخلاص ؟ فقال: سألته عن جبرئيل ؟ فقال: سألته عن اللَّه تعالى؟ فقال: الإخلاص سرّ من سرّي أودعه في قلب من أحببته. وذلك لأنّ العبد السالك إذا أحبّ اللَّه سبحانه يتّبع ما أنزل إليه بلسان حبيبه أي: محبوبه وهو الرسول الأكرم صلَّى اللَّه عليه وآله، فإذا اتّبعه صار محبوبا للَّه تعالى، إذ اتّباع المحبوب يورث المحبوبيّة كما قال تعالى "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ ا للهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ا للهُ" (آل عمران 31)، فإذا صار السالك الصالح محبوبا للَّه تعالى فيدرج تحت مواعيد القرب الولائيّ، حيث إنّ اللَّه تعالى قد وعد من تقرّب إليه بالنوافل وصار محبوبا له تعالى بأمور لا ينبغي الذهول عنها، نحو: كونه تعالى سمعا للعبد المتقرّب به يسمع، وبصرا له به يبصر. ومن تلك المواعيد هو ما يستفاد من حديث حذيفة: من (أنّ اللَّه تعالى يودع سرّه الذي هو الإخلاص في قلب محبوبه). فالإخلاص الذي هو الأساس في النيّة سرّ ملكوتيّ لا يناله إلَّا من أحبّه اللَّه، ولا يحبّ اللَّه أحدا إلَّا من تقرّب إليه بالنوافل، وباتّباع آثار حبيبه رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله، المتقرّب إليه تعالى بالنوافل كلَّها، والفرائض طرّها. فللنيّة سرّ إلهيّ لا ينال إلَّا بطيّ مراحل تكون النيّة في بعضها حالا، وفي بعضها ملكة إلى أن تنتهي إلى مرحلة الإخلاص الذي هو سرّ إلهيّ، وكما أنّ المحبّ للَّه إنّما يصير محبوبا إذا اتّبع حبيبه فكذلك المخلص بالكسر إنّما يصير مخلصا بالفتح إذا اتّبع من استخلصه اللَّه لنفسه فصار مخلصا بالفتح محضا، وللمخلص بالفتح أوصاف وأحكام ودرجات، لعل أعلاها ما هو المستفاد من قوله تعالى "سُبْحانَ ا للهِ عَمَّا يَصِفُونَ. إِلَّا عِبادَ ا للهِ الْمُخْلَصِينَ" (الصافات 159-160)، حيث دلّ على أنّه ليس لأحد أن يصف اللَّه سبحانه إلَّا العباد المخلصين، وأنّهم يعرفونه تعالى بما هو اللازم اللائق وإن لم يكتنهوه، وكفى بذلك ذخرا وشرفا.
وعن علاقة النية بالقلب السليم يقول الشيخ الآملي حفظه الله في كتابه: المهمّ في النيّة هو: انبعاث الروح من العادة إلى العبادة بحيث لا يقرأ ولا يركع ولا يسجد في الصلاة، وهكذا لا يغسل ولا يمسح في الوضوء، و. إلَّا ببعث ذلك الأمر القلبيّ، وهذا إنّما يتمشّى من قلب ليس فيه سوى اللَّه، المعبّر عليه في لسان النصوص (بالقلب السليم) كما رواه الكليني رحمه اللَّه. قال: سألته عن قول اللَّه عزّ وجلّ: "إِلَّا مَنْ أَتَى ا للهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" (الشعراء 89)؟ قال: القلب السليم: الذي يلقى ربّه وليس فيه أحد سواه، قال: وكلّ قلب فيه شرك أو شكّ فهو ساقط، وإنّما أراد بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة. والقطب الراونديّ في لبّ اللباب، عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه وآله أنّه سئل، ما القلب السليم ؟ فقال: (دين بلا شكّ وهوى، وعمل بلا سمعة ورياء). وإذا كان القلب وعاء لعدّة من الأهداف والأغراض الَّتي يجمعها حبّ الدنيا فكيف يكون العمل الصادر عنه للَّه وحده ؟ وحيث إنّ الإخلاص صعب الوصول فقد أمر بالزهد ونحوه لا لنفسه، بل لحصول ذلك الهدف السامي. والإخلاص بالمعنى الذي هو سرّ من أسرار اللَّه ليس أمرا ذهنيّا حصوليّا، بل هو أمر عينيّ حضوريّ، فعليه يكون مقاما معلوما لدى اللَّه سبحانه لا يتخطَّاه إلَّا من ارتدى برداء المحبّة، أي: كان محبوبا للَّه بعد أن كان محبّا للَّه تعالى. وقد تقدّم: أنّ بين عبادة العبيد وعبادة الطمعاء (التجّار) وبين عبادة المحبّين الأحرار فرقا، فضلا عن عبادة المحبوبين، سيّما إذا بلغوا أي: المحبوبون مرتبة المخلصين بالكسر الَّذين إذا جدّوا واجتهدوا وهاجروا من غير اللَّه إليه تعالى يستخلصهم اللَّه لنفسه، فيصيرون مخلصين بالفتح، وهنا لك تتبيّن روح النيّة وسرّها الَّتي هي روح العمل وسرّه، فالعمل حيّ بالنيّة، وهي تحيي بسرّها الذي هو الإخلاص، الذي هو سرّ من إسراره تعالى المودع في قلب من أحبّه تعالى ولم يحبّ سواه، سواء نفسه أو غيره.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat