الإمام الحسن العسكري والتمهيد المباشر للإمام المهدي
علي الخالدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي الخالدي

يُعَدُّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام القائدَ الممهِّد الأول للإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، إذ هو الذي خطَّ للجماعة المؤمنة جهازَ الغيبة، وأرسى قواعده بدقة وإحكام.
لقد كانت الفترة التي عاشها الإمام الحسن العسكري عليه السلام مرحلةً مفصليةً في تاريخ الإسلام، وأحرجَ فصولِ تَناوُب الأئمة عليهم السلام على تاج الولاية والإمامة، حيثُ كان القضاء الإلهي قد رسم ـ وفق منهاج عمارة الأرض وخلافتها ـ غيبةَ الإمام الثاني عشر المهدي عجل الله فرجه الشريف، وهي غيبة قد تُحدث صدمةً لدى الأمة، وتشكّل خطرَ ارتدادها عن الإسلام نحو الضلال والكفر، لفقدانها المؤثّر المباشر الذي اعتادت حضورَه بين ظهرانيها.
من هنا كان لزاماً على الإمام الحسن العسكري عليه السلام أن يضع حلاً لمعضلة الغياب وفقدان الولي، كي لا يسقط المجتمع المسلم في هاوية الحيرة والانحراف. فجاء "جهاز الغيبة" ليكون السبيل الوحيد لضمان بقاء الأمة على جهوزيتها الرسالية، كما أرادها آباؤه الأئمة، وقد تشكّل هذا الجهاز من المفاصل التالية:
1- وحدة الوكلاء: وهم خاصةُ الإمام وثقاته، الذين اتّخذهم وسطاء بينه وبين الناس، تدريباً للأمة على أسلوب الغيبة، واعتياداً للتواصل غير المباشر عبر هؤلاء الوكلاء. ومن أبرزهم الشيخ عثمان بن سعيد العمري، الذي غدا فيما بعد سفيراً أول للإمام المهدي.
2- التواصل من وراء ستار: فقد درج الإمام طيلة إمامته ـ التي لم تدم سوى ست سنوات ـ على محادثة ضيوفه من خلف ستر، ليدربهم على برنامج الاختفاء والاعتياد على غياب الطلعة المباركة.
4- الغيبة ذات الحضور: أراد الإمام أن يُعوِّد الأمة على إدارة شؤونها من دون تدخل مباشر منه، كأنه حاضرٌ بينهم غائبٌ عنهم في آنٍ واحد؛ اختباراً لصدقهم وثباتهم على العهد في زمن الغيبة الكبرى.
5- الغيبة بمعنى الظهور: كما أن الإمام علي الهادي عليه السلام لم يُعلن ولادة ولده الحسن على الملأ، كذلك فعل الإمام الحسن العسكري فلم يُفصح عن ولادة المهدي، حفظاً له من بطش السلطات. وهكذا تحمّل الإمامان مسؤولية إعلان الموعود في اللحظة الإلهية المقررة، بما يُدخل الأمة في مرحلة الانتظار العملي والحراك الممهِّد للظهور.
6- الانتظار والصبر العملي: من رسائل الإمام الحسن العسكري "عليه السلام" لعليّ بن الحسين بن بابويه القمّي:
{عليك بالصبر وانتظار الفرج، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج، ولا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً} إذ لم يُرِد الإمام أن يكون الموالون اتكاليين مكتوفي الأيدي، بل أن يعيشوا حالة البناء والتهيؤ وكأن إمامهم حاضرٌ على رؤوسهم، فيعدّوا أنفسهم روحياً وبدنياً وفكرياً لاستقبال ظهوره الشريف.
إن الإمام الحسن العسكري عليه السلام ترك للأمة جهازاً متكاملاً، يرعاها في غيبة وليّها، ويضمن بقاءها على طريق النهضة والثورة ضد الظلم والجور، تحت قيادة الإمام المهدي الموعود، القائد الحاضر الغائب، عجل الله تعالى فرجه الشريف.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat