آيات في کتاب اليتيم في القرآن والسنّة للسيد بحر العلوم (ح 7) (النفسية الشحيحة)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

يتضمن کتاب اليتيم في القرآن والسنّة للسيد عز الدين بحر العلوم آيات قرآنية لها علاقة بفقرات منها: اليتيم في الشرائع السابقة، الميثاق، العبد الصالح الخضر، حقوقه الاجتماعية، ايواء اليتيم، الانفاق عليه، التجارة مع الله، الاسرة الخاصة والعامة، قصة نوح عليه السلام، النفس الكريمة والشحيحة، الإنفاق بلا من، تربية اليتيم، الرفق باليتيم، المحافظة على أموال اليتيم، حقوق الأولياء والأوصياء، التجارة بمال اليتيم، تليم أمواله، سن الرشد، الاشهاد.
جاء في کتاب اليتيم في القرآن والسنّة للسيد عز الدين بحر العلوم: النفسية الشحيحة: وفي هذا الصدد يعرض القرآن صورة أخرى من هذه الصور التي يكون الاحسان فيها مشوباً بالمنة. لقد سأل الحرث بن نوفل بن عبد مناف النبي الأكرم صاى الله عليه وآله وسلم في ذنب أذنبه فيأمره رسول الله صاى الله عليه وآله وسلم أن يكفر فقال: (لقد ذهب مالي في الكفارات، والنفقات منذ دخلت دين محمد). ويحدث القرآن عن هذا بقوله تعالى: "يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَدًا" (البلد 6). وفي اطار هذا الجواب تتمثل نفسية هذا المخلوق الشحيح الذي يهرب من طرق الخير الموصلة إلى النتائج الحسنة. ولكن هل يترك، وشأنه يكيل الدعاوي جزافاً، وبغير حساب انه يقول ذهب مالي، وأنفقت كثيراً منذ دخلت في دين محمد. ومن وراء هذا الجواب يريد الاعتراض على الشريعة المقدسة المتمثلة في نظره بأنها تبتز أموال الناس، وتلقي بها من هنا وهناك. ولكن القرآن الكريم يقف له بالمرصاد ليحاسبه فيما ادعاه. "أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ". لماذا أهلك ماله؟. ألم تكن له حاسة البصر يتمتع بها في مشاهدة صور الحياة ويتوصل بها إلى عظمة الله، وقدرته في هذا الكون، فيتدبر هذه القدرة الجبارة، ويتعظ من وراء ذلك كله بما أودعه الله في عينيه من نعمة النظر، ويفكر بعد ذلك فيما يوصله إلى ما فيه خيره، وسعادته؟. "وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ" (البلد 9). وبهذه الاعضاء يتمكن من التعبير عما يجيش في النفس من متطلبات. فاللسان عضو وظيفته نقل ما ينطبع في النفس ليبرزه إلى الخارج وحينئذ ان خيراً فخير، وإن شراً فشر. فهو المرأة الحقيقية لما ينطبع على شاشة النفس. وبالشفتين تتم مقاطع الكلام فيمكنه بذلك أن يظهر بهما الكلام الطيب الذي ينفع المجموعة، ويأمر بمعروف، وينهى عن منكر، ويصلح بين اثنين. "وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ" (البلد 10). وبعد أن أكمل عليه حواسه أوضح له طرق الخير من الشر وأبان كل ذلك له، وخيره بما أودع فيه من طاقة عقلية، وفكرية أن يختار أحد الطريقين الخير، والشر. فلماذا يقف إذاً مكتوف اليد بين هذين النجدين لا يبصر طريق الخير، فيسلكه، أو لماذا يقدم طريق الشر، فيسلكه فتستحق عليه الكفارات المرتبة على الذنوب، وله العذر في اختيار هذا الطريق الوعر والذي جعلت الكفارة حاجزاً من سلوكه مرة أخرى وحينئذ: "إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا" (الانسان 3). وهذه نتيجة حتمية تتعقب سلوكه، واختياره لاحد النجدين: نجد الخير، ونجد الشر. فان اختار الاول فهو شاكر على نعمه تعالى، وان سلك الطريق الثاني فهو كافر بنعم الله تعالى بعد أن منحه كل وسائل الادراك، والتمييز من عين، ولسان، وعقل، وتفكير فلماذا بعد كل ذلك يختار نجد الشر ليسلكه، فيقف جزعاً من الجزاء الذي يرتبه الله على ذنبه الذي اقترفه؟
قال الله تعالى "فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ" (البلد 11-12) يقول السيد عز الدين بحر العلوم لماذا بعد كل هذه النعم لم يقتحم العقبة التي لا بد لمن يريد الخلود في الآخرة من اجتيازها ليصل منها إلى حيث الراحة والسعادة بدلاً من الجحيم الدائم، وانها العقبة في طريق الانسان يقتحمها ليخلص من جهنم بتعبيد طريقه بسلوك هذه المراحل التي رتبها القرآن على النحو التالي: "فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ" (البلد 13-16). هذه الفقرات الثلاث والتي يرتكز عليها حقيقة الاحسان والتحسس بشعور الآخرين والعطف نحو الطبقات الضعيفة. "فَكُّ رَقَبَةٍ" (البلد 13). أولى مراحل اقتحام العقبة، وأول خطوة يرفعها الانسان نحو آخرة سعيدة يكون جزاؤه فيها لنعيم الدائم هي: عتق العبيد في سبيل الله. إنها نسائم الحرية يشمها هذا العبد الضعيف ليكون حراً طليقاً، فيذوق طعم الانطلاق، والتحرر، والخلاص من كابوس الملكية. فعن الامام الصادق عليه السلام (قال: قال رسول الله صاى الله عليه وآله وسلم من أعتق مسلماً أعتق الله العزيز الجبار بكل عضواً منه عضواً من النار). وإذا ما أكمل الانسان هذه الخطوة الخيرة كان القرآن الكريم يقرر الخطوة الثانية في سبيل تذليل المصاعب لاقتحام العقبة ليصل العبد بذلك إلى مرضاة الله، ورضوانه. "أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ" (البلد 14-15). أنه يوم الجوع الاسود، والمرارة، والالم حيث تنسد في وجه اليتيم أبواب الرحمة، والاحسان فيئن من ألم الجوع ويتحمل المر في سبيل لقمة العيش. في ذلك اليوم يتبرع المحسن، فيطعم صغيراً تلاقفته عواصف الظلم الهوجاء ملبياً نداء الضمير بمد يد العون لهذا اليتيم البائس لينال بذلك الجزاء الاوفى بافتحام العقبة الكؤد. (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ" (البلد 16). ذلك المسكين وهو الفقير الذي لصق بالتراب من شدة جوعه، وفقره. اطعام هذا وأمثاله هو الذي يوجب اقتحام العقبة ليصل من ورائها الى الجنة فعن النبي صاى الله عليه وآله وسلم. (ان امامكم عقبة كؤداً لا يجوزها إلا المثقلون، وأنا أريد أن أخفف عنكم لتلك العقبة). وإذاً فرعاية اليتيم، وإكرامه بكل وسائل الرعاية هو أحد الاسس للجسد الذي يمر عليه المثقلون ليعبروا إلى شاطىء الامان.
وعن الإِنفاق بلا من يقول السيد بحر العلوم في كتابه: إذا كان الإِنفاق في سبيل الله مرغوباً، ومطلوباً له سبحانه، وهو في توفير الثواب كحبةٍ تزرع، فتنتج وتعطي الخبر الوفير، فليكن ذلك بلا من، وأذىً، ولا تحميل على حساب الآخرين تماما كما تصرح به الآية الكريمة في قوله سبحانه: "الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ" (البقرة 262). وإذا كان الانفاق يتوخى من ورائه لم الشمل، وانقاذ الطبقة الفقيرة من ويلات العوز فان هذه الفائدة تنعدم لو كان المنفق يتبع إحسانه بالمَنّ والأذى لمن ينفق عليه. فالقضية ليست اشباعاً من جوع، أو كساء من عري فقط بل إفهام الفقير أن هذه المساعدة مما يفرضها الذوق الانساني الرفيع ليصل المجتمع بعضه بالبعض الآخر. "قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ" (البقرة 263). فالكلام الحسن الجميل يرد به الانسان السائل، ويعتذر منه خير من صدقة تستتبع ايذاء السائل لان السائل في هذه الصورة وان حصل على الصدقة إلا أن الثواب يحرم منه المسؤول. وقد جاء في الحديث عن النبي الأكرم صاى الله عليه وآله وسلم (أنه إذا سأل السائل فلا تقطعوا عليه مسألته حتى يفرغ منها ثم ردوا عليه بوقار، ولين أما بذل يسير، أو رد جميل). وبعد هذا فالله غني حينما يأمركم بهذا الاسلوب الرفيع لانه غني عن طاعاتكم وعما يقربكم ويمنحكم الثواب، بل هو يدلكم على طرق الخير لحاجتكم إلى الثواب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat