من أسرار زيارة النبي (ص).
مصطفى الهادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مصطفى الهادي

لا يختلف التفسير العلمي عن التفسير الديني حول العوالم الموازية أو ما يُطلق عليه دينيا الملكوت.
دينينا فإن الملكوت هو دون العرش عالم مادي غير مرئي يتداخل مع عالمنا او كوننا فهو أعلى منزلة من عالمنا، وتحكمه قوانين أرقى من القوانين التي تحكم عالمنا. فعالمنا والعوالم المتوازية كلاهما يتفرعان من عالم الجبروت، وكذلك يُطلق عليها العوالم العليا التي لا تُعتبر دينيا منفصلة عن العالم العادي بل في الفكر الإسلامي تبقى تلك العوالم ذات تأثير عميق ودائم عليه. بعضهم يذهب إلى أن هذه العوالم الغير مرئية هي حيّز أو مكان تسكن فيه مخلوقات مثل الملائكة والجن وشخصيات نورانية أختارها الله لتبقى وأسكنها هذا الحيّز. والقرآن يخبرنا بأن الله تعالى كشف بصر النبي إبراهيم (ع) وأراه هذا الملكوت.(1) والإنسان كذلك يستطيع أن يرى هذا العالم ولكن في اللحظات الحرجة من آخر عمره كما يقول تعالى : (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد).(2) حدة البصر وكشف الغطاء يكون حين الممات، وقت أن يتوقف البصر العادي عن النشاط، يبدأ البصر الحديد بالعمل، ربما لثوان معدودة أخيرة، يكون نطاق الرؤية واسعاً جداً وحاداً، يتم أثناءه رفع الحجاب.
أما علميا فقد اتفق العلم مع الرؤية الدينية حيث عرّفوا الملكوت بأنها العوالم الخفية أو العوالم الموازية فقالوا : بأنها مجموعة افتراضية من الأكوان غير القابلة للكشف أو الظهور، والتي تشبه كوننا ولكنها تفرعت منه بطريقة أو بأخرى، فهو يتعايش ويتجانس مع كوننا ولكنهُ يعمل من خلال قوانين فيزيائية مختلفة اختلافا جذريا عن عالمنا. والخلاصة فإن الاكتشافات العلمية الحديثة تحتمل وجود هذه العوالم لا بل تؤكد تأثيرها علينا وأن هذه العوالم بداخلها كائنات قد تكون مشابهة بنا أو مختلفة تماما.
خلاصة ذلك، كنت اقرأ يوم أمس زيارة النبي (ص) يوم وفاته فلفت نظري هذه الفقرات: (وأعلمُ أن رُسلك وخلفائك أحياء عندك (3) يرزقون يرون مكاني في وقتي هذا وزماني ويسمعون كلامي في وقتي هذا وزماني ويردون عليّ سلامي وأنت حجبت عن سمعي كلامهم وفتحت باب فهمي بلذيذ مناجاتهم .. السلام عليكم أيها الملائكة الموكلون بهذا الموضع المبارك ورحمة الله وبركاته...).(4) ثم تستمر الزيارة بالاستئذان من الله تعالى ومن نبيه وخلفائه وملائكته بدخول الضريح المقدس. ولكن الزيارة أتت على شيء مهم للغاية وهو : (وإني أستأذنك يا رب أولا وأستأذن رسولك صلواتك عليه وآله ثانيا وأستأذن خليفتك الامام المفروض علي طاعته، في الدخول في ساعتي هذه إلى بيته وأستأذن ملائكتك الموكلين بهذه البقعة المباركة، فكونوا ملائكة الله أعواني وكونوا أنصاري حتى أدخل هذا البيت).
نستخلص من هذه الزيارة بأن الأنبياء والخلفاء يسمعون ويرون كل ما نفعله ولكننا محجوبون عن ذلك. ونستفيد من كلمات هذه الزيارة أيضا بأننا في دخولنا لهذه المشاهد المشرفة سوف ندخل إلى عالم غير عالمنا لو نظرنا بعيون القلوب، وإلا لماذا يطلب الداخل لهذه الأماكن العون من الملائكة ويطلب نصرتهم حتى يدخل بيوتهم؟ أن عالم الملكوت في متناول يد الإنسان لو أنه سار بالطريق الصحيحة التي رسمها الله ورسوله وآل بيته. لقد حجبنا أنفسنا بحجب ثقيلة من المعاصي حالت بيننا وبين رؤية هذا الملكوت ألذي أراه الله لإبراهيم وخاصة أوليائه.
ولربما هناك حيز آخر خاص بالشياطين حيث يخبرنا القرآن بأنهم يروننا ولا نراهم فهم محجوبون عنّا بمكان معيّن كما نفهم من قوله تعالى : (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم).(5) فلم يكن الشيطان وحده الذي يرانا بل معهُ قبيلته. وكما معروف فإن القبيلة هي كيان اجتماعي اقتصادي سياسي يضم عائلات تجمعها روابط الدم . وتخضع لرئيس واحد ، لها عادات وأعراف خاصة. ولا نعلم شيئا عن قبائل الجن ولا الشياطين، ولكن على ما يبدو من النص القرآني أنهم يملأون حيزا خاصا بهم يخرجون منه في بعض الاحيان ليسترقوا السمع في العوالم العلوية وكذلك السفلية حيث يوحون للإنسان ما يضره.(6)
المصادر:
1- القرآن الكريم أشار إلى أن الملكوت هو عالم مادي أرقى حيث عيّن مكانه في سورة الأنعام: 75. فقال : (وكذلك نُري إبراهيم ملكوتَ السماواتِ والأرض). فجعلهُ ضمن الحيّز المادي الذي تقع فيه سمائنا وارضنا.
2- سورة ق آية : 22.
3- الكتب السماوية ايضا تؤكد بأن جميع الأنبياء يسكنون في ملكوت الله إلى أن يحلّ يوم القيامة كما نقرأ في إنجيل لوقا 13 : 28 (إبراهيم وإسحاق ويعقوب وجميع الأنبياء في ملكوت الله).
4- بحار الأنوار، العلامة المجلسي. ج99 ص : 145.
5- الأعراف آية : 27.
6- 112 سورة الأنعام (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ). وكذلك في 121 الأنعام يقول تعالى : (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ).وهو الكلام الخفي أو الوسوسة ، وقد كان الوحي يُكلم النبي محمد (ص) فلم يسمعهُ غيره.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat