صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

الامامة باختصار .
مصطفى الهادي

 (قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين).(1)

بعض الأنبياء حملوا خلافة الله في الأرض منذ زمن آدم إلى زمن النبي إبراهيم عليهم السلام، فلم تنزل النبوة إلا ومعها الامامة. وهذا يتضح من خلال قوله تعالى : (وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة).(2) أو قوله تعالى : (إني جاعلك للناس إماما)؟.(3) ومن البديهي أن الله تعالى لا يقصد خلافة الظالمين، وذلك لقطعه العهد مع نفسه بقوله : (لا ينال عهدي الظالمين). إذن هي الفئة الصالحة التي يختارها تعالى لخلافته في الأرض. فلا بد من خليفة يخلف آدم عليه السلام حتى في أهله نظرا لعدم توسع ذريته في زمنه، ويتضح ذلك أيضا في قول موسى لأخيه هارون عليهم السلام : (اخلفني في قومي). وهذا ما قاله أيضا رسول الله صلوات الله عليه واله لعلي : (اخلفني في أهلي).(4) وفي رواية أنه (ص) قال لعلي : (لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي في كل مؤمن من بعدي).(5) فهو خليفته من بعده على المؤمنين وحجته على الآخرين، فمن رفض خلافته فهو ليس من المؤمنين.

وبداية ذلك على عهد آدم عندما امره الله تعالى أن يعلن امامة هابيل، فحسده قابيل وقتله. وبسبب ذلك تأخر تنصيب الإمام إلى ولادة شيث فأورثه آدم مواريث النبوة وجعله خليفته من بعده. فجمع له النبوة والخلافة وأورثه كتابه (الأعاجيب). ثم أعقبه إدريس عليه السلام.(6) فاستمرت إمامة شيث اكثر من تسعمائة سنة بحسب التوراة : (فكانت كل أيام شيث تسع مئة واثنتي عشر سنة).(7)

وهكذا حتى زمن نبي الله إبراهيم عليه السلام حيث أعاد مجد الامامة فجعلهُ تعالى اماما : (قال اني جاعلك للناس إماما).( 8 ) ثم زمن موسى حيث أمره الله تعالى أن يأخذ بيد يوشع بن نون وينصبه خليفة من بعده بعد طلب موسى من ربه أن يوكل للناس اماما يجمعهم كما نقرأ في الكتاب المقدس : (فكلم موسى الرب قائلا : ليوكل الرب إله جميع البشر رجلا على الجماعة، لكيلا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها. فقال الرب لموسى : خذ يشوع بن نون، وضع يدك عليه، وأوصه أمام أعينهم، واجعل من هيبتك عليه).(9) فليس من حق النبي أن يقوم بتنصيب إمام فهذه حق إلهي وفق مبدأ الجعلية (أني جاعلك). وهكذا يستمر منصب الخلافة والامامة حتى زمن عيسى عليه السلام حيث أمره الله تعالى أن يأخذ سمعان ويُغير اسمه إلى شمعون الصفا ويُعينه خليفة من بعده : (فنظر إليه يسوع وقال : أنت سمعان بن يونا، أنت تدعى صفا.. طوبى لك يا سمعان، على هذه الصخرة ابني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليه. وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطهُ على الأرض يكون مربوطا في السماوات، وكل ما تحلهُ على الأرض يكون محلولا في السماوات).(10) وهذا نظير الامامة في الاسلام عندما وصف النبي (ص) الأئمة من آل بيته بأنهم أهل الحلّ والعقد وأنهم : (حبلٌ ممدود بين السماء والأرض).(11) وكذلك نظير قوله للإمام علي : (أنت قسيم النار والجنة).

فكما أن سلسلة الأنبياء مترابطة وكتبهم مترادفة فإن الإمامة أيضا مستمرة حتى زمن نبينا محمد صلوات الله عليه وآله، لأنها الرابط بين السماء والأرض ولولاها لساخت الأرض بأهلها.(12) فلولا بركات وجود الامام لانتهى عصر البشرية الحالي. الا ترى أن عملية انقاذ العالم ستتم على يد آخر خليفة وإمام يملأها عدلا كما مُلئت ظلما وجورا. بقاء العالم والبشرية لا بل رجائها يتوقف في آخر المطاف على شخصين وهذا ما صرّح به آخر كتاب سماوي بعد موسى (الإنجيل) الذي ذكر ذلك بكل وضوح كما نقرأ : (سبحوا الرب يا جميع الأمم، وامدحوه يا جميع الشعوب، سيكون أصل يسوع والقائم ليسود على الأمم، عليه سيكون رجاء الأمم).(13) فجعل الإنجيل رجاء الأمم على القائم وحده وهو الذي سوف يسود يسانده في ذلك السيد المسيح.

المصادر:

1- سورة الأحقاف : 9.

2- البقرة آية : 30.

3- البقرة آية : 124.

4- بحار الأنوار، المجلسي ج37 ص : 265.

5- نقله الألباني في تخريج السنة رقم الحديث : 1188. واخرجه ابن أبي عاصم في السنة، وأحمد في مسنده رقم : 3061. والنسائي في السنن الكبرى وغيرهم. وفي الشيعة ورد في البحار، المجلسي ج38، ص : 242.

6- (واذكر في الكتاب إدريس إنهُ كان صديقا نبيا، ورفعناه مكانا عليا).() سورة مريم آية : 56. وهو أخنوخ في التوراة : (وسار أخنوخ مع الله ، ولم يوجد لأن الله أخذه).() سفر التكوين 5 : 24. وقوله سار مع الله هو نفسه قول القرآن : (ورفعناه مكانا عليا).

7- سفر التكوين 5 : 8.

8- البقرة آية 124.

9- سفر العدد 27 : 15 ـ 20.

10- إنجيل يوحنا 1 : 42. وإنجيل متى 16 : 17.

11- وهو حديث الثقلين المشهور المتفق عليه بين السنة والشيعة (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهم).() رواه الترمذي وصححه الالباني.

12- السيد الطباطبائي، مقالات تأسيسية. ص : 268.

13- رومية 15 : 11 ــ 12.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/09/30



كتابة تعليق لموضوع : الامامة باختصار .
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net