نظام الأسد ولجم العقيدة الأموية
د . علي المؤمن
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . علي المؤمن

رغم معرفتي الدقيقة والمباشرة بتجربة نظام الأسد في سوريا، لا تزال علامات الاستفهام والاستغراب والتعجب تتراكم عندي حيال المشهد السوري، كلما ظهرت جرائم إبادة جديدة ترتكبها عصابة الجولاني، أو أهداف ومخططات وممارسات دموية وتخريبية وعدوانية جديدة لها، وكلما استجدّت خطوة على طريق التحالف الأمني والسياسي مع الكيان الصهيوني.
ومكمن الاستغراب هو قدرة حافظ الأسد وابنه بشار على لجم العقيدة الدموية الأموية المتوحشة المتغلغلة في شرايين هذه العصابات! وكبح ميول أتباعها للتطبيع مع الكيان الصهيوني. هذه القدرة العجيبة التي استمرت على مدى خمسة عقود زاخرة بالدروس والعبر السياسية والأمنية.
صحيح أن جزءاً من هذه القدرة كان يستند إلى الأدوات الأمنية، إلّا أن ما لا يقل عن 75 بالمائة منها كان تدبيراً سياسياً وترويضاً نفسياً بمختلف وسائل التخدير والعلاجات النفسية. ولكن عندما ضعف نظام الأسد ثم سقط، غاب المروِّض المحترف، فاستفاق الوحش الأموي الكامن في هذه النفوس، وعاد أكثر ضراوة وعطشاً للدماء والتكفير والتخريب والتدمير.
قد يقول البعض: هي قدرة القمع، كما كان صدام حسين قادراً على قمع الأغلبية الشيعية في العراق مدة خمسة وثلاثين عاماً.
لكن هذا قياسٌ باطل؛ فدكتاتورية حافظ وبشار الأسد وطائفيتهما لم تكن تعادل واحداً بالمليون من طغيان صدام وطائفيته ودمويته، من جهة. ومن جهة أخرى، فإن الأغلبية الشيعية في العراق لا تحمل عقيدة إرهابية ولا فكراً دموياً؛ بل هي طائفة مسالمة مدافعة، وكانت كل تحركات أفرادها وجماعاتها ضد النظام، دفاعاً عن النفس أمام قمع مطلق لم يعرف التاريخ مثيلاً له.
وفوق ذلك، فإن الشيعة يعادون الكيان الصهيوني ويكرهونه ويعملون ضده بكل الوسائل. كما أن هذا الكيان يعاديهم ويعمل على تدميرهم. وبناءً عليه؛ لا مجال للمقارنة بين شيعة العراق وأمويي سوريا، ولا بين طغيان صدام ودكتاتورية حافظ وبشار.
فعلى سبيل المثال، بعد سقوط دولة صدام، أصبحت الأغلبية الشيعية العراقية المقموعة، تتودد للأقلية السنية الحاضنة لنظام القمع، وتسعى لکسبها من أجل مشاركتها في السلطة وإدارة الدولة، في حين كانت العصابات التي تنتمي إلى هذه الأقلية تمارس أبشع ألوان العنف والإرهاب والمجازر والتخريب ضد الأغلبية الشيعية، وهي تحمل العقيدة الدموية الأموية نفسها التي تحملها أغلبية سوريا.
بل إن تلك العصابات استطاعت، عبر الإعلام والمال والسياسة، ومن خلال دعم أجهزة مخابرات تركيا والسعودية والأردن، وأموال قطر والإمارات، أن تضرب الشيعة ببعضهم وتُمزِّق مجتمعاتهم، وصولاً إلى محاولات جادة لإسقاط الدولة العراقية الجديدة، كان أبرزها محاولة عام 2014 على يد عصابة داعش.
أما العصابات الأموية في سوريا، فقد بدأت، حتى قبل سقوط نظام بشار، بعمليات انتقامية همجية ومجازر دموية ضد الشيعة العلويين المسالمين. وبمجرد سقوط نظام بشار، أخذ العلويون ينكمشون ويسلمون حتى هوياتهم الوظيفية وكل ما لديهم من أسلحة لسلطة الجولاني، ولم يقوموا بأي أعمال مسلحة أو تخريبية أو عرقلة ضد السلطة الجديدة. ومع ذلك، لم يشفع لهم هذا الانكفاء، إذ استمرت عصابات الجولاني في عملياتها الانتقامية الإرهابية ضد الشيعة العلويين، وذبحت مئات من نسائهم وأطفالهم، لا سيما في الساحل السوري.
لذلك، فإن نجاح سياسة حافظ وبشار الأسد في كبح جماح العقيدة الدموية الأموية طوال خمسين عاماً أمرٌ يثير الاستغراب حقاً، لأنه ينطوي على دهاء سياسي عميق ومعقد، وهو موضوعٌ بالغ الأهمية، يستحق الدراسة والبحث.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat