مفهوم الامامة وعلاقتها بالعصمة عند الشيخ مغنية
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى عن الظالمين "وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" ﴿البقرة 124﴾ الإمامة وفكرة العصمة: يطلق لفظ الإمام في اللغة على معان: منها الطريق: لأنه يقود السائر إلى مقصده، ومنها ما يقتدي الناس به في هداية، أو ضلالة، قال تعالى: "وجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا" وقال في آية أخرى: "وجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ". وقد يكون الإنسان إماما إذا كان متبوعا في شيء، ومأموما تابعا في شيء آخر. هذا بحسب اللغة، أما بحسب الدين والشرع فان الإمام يطلق على من يؤم الناس في الصلاة إلا أنه لا يستعمل في ذلك إلا مقيدا، فيقال إمام الجمعة والجماعة. وإذا كان مطلقا غير مقيد فإنه يستعمل في معنيين: الأول في النبي، ومرتبته أعلى مراتب الإمامة. الثاني يستعمل في وصي النبي.. والإمام بمعنى إمامة النبوة والرسالة، وإمام الوصاية والخلافة متبوع في كل شيء غير تابع لغيره في شيء في زمن إمامته. والإمام بمعنى النبي يفتقر إلى النص من اللَّه بواسطة الروح الأمين، وبمعنى الوصي لا بد فيه من النص من اللَّه سبحانه على لسان نبيه الكريم، وشرط هذا النص أن يكون بالاسم والشخص، لا بالصفات وصيغة العموم فقط، كما هي الحال في المجتهد والحاكم الشرعي، بل بالنص الخاص الذي لا يقبل التأويل، ولا التخصيص، ولا مجال فيه إطلاقا للبس، أو احتمال العكس، ومن هنا يتبين ان اطلاق لفظ الإمام من غير قيد على غير النبي، أو غير الوصي محل توقف وتأمل، وغير بعيد أن يكون محرما، تماما كأطلاق لفظ وصي النبي على غير الإمام المعصوم. ومهما يكن، فان قول هذا الإمام نبيا كان، أو وصيا هو قول اللَّه، وهداه هدى اللَّه، وحكمه حكم اللَّه الذي لا يحتمل العكس.. ومن ادعى شيئا من ذلك لنفسه دون أن يثبت النص القطعي عليه بالخصوص فهو مفتر كذاب.
وعن عصمة الامام يقول الشيخ مغنية: وخير ما قرأته في صفة الإمام قول الإمام الأعظم زين العابدين عليه السلام في الصحيفة السجادية: (اللهم انك أيدت دينك في كل أوان بإمام أقمته علما لعبادك، ومنارا في بلادك بعد أن وصلت حبله بحبلك، وجعلته الذريعة إلى رضوانك، وافترضت طاعته، وحذرت معصيته، وأمرت بامتثال أوامره، والانتهاء عند نهيه، وان لا يتقدمه متقدم، ولا يتأخر عنه متأخر أي يبقى متابعا له فهو عصمة اللائذين، وكهف المسلمين، وعروة المؤمنين، وبهاء رب العالمين). هذه هي أوصاف من يختاره اللَّه إماما لعباده. وبديهة ان الإمامة بمعنى النبوة والوصاية تستدعي العصمة، ولا تنفك. عنها بحال، بل هي هي، لأن الأعمى لا يقود أعمى مثله، والأقذار لا تطهر أقذارا مثلها، ومن كان عليه الحد لا يقيم على غيره الحد. واستدل الشيعة الإمامية بقوله تعالى: "جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً" على ان الإمامة لا تكون الا بجعل من اللَّه سبحانه، ويؤيده طلب إبراهيم منه جل وعز ان يجعل أئمة من ذريته، وإذا كانت الإمامة بالجعل منه تعالى احتاجت بحكم الطبيعة إلى النص منه. وأيضا استدل الشيعة الإمامية بقوله تعالى: "لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" ﴿البقرة 124﴾ على وجوب العصمة للنبي والوصي، ووجه الدلالة ان اللَّه قد بيّن صراحة انه لا يعهد بالإمامة إلى ظالم، والظالم من ارتكب معصية في حياته مهما كان نوعها، حتى ولو تاب بعدها، حيث يصدق عليه هذا الاسم، ولوآنا ما، ومن صدق عليه كذلك فلن يكون إماما. وتشاء الصدف والظروف أن ينشأ غير علي في حجر الشرك والرجس، وعبادة الأصنام، وان ينغمس في أرجاس الجاهلية إلى الآذان، وان لا ينطق بالشهادة الا بعد أن عصي عوده، وبعد أن شبعت الأصنام منه، ومن سجوده لها، وشاء اللَّه لعلي بن أبي طالب أن ينشأ في حجر النبوة والطهر، وان يكيّفه محمد صلى الله عليه واله وفقا لإرادة اللَّه، وهو طري ندي، وان ينزل الأصنام من على عروشها، ويلقي بها تحت أقدام محمد. وهنا سؤال نلقيه على كل عاقل منصف، ليجيب عنه بوحي من عقله ووجدانه، وهو: مال لقاصر ورثه عن أبيه، ولا بد له من ولي يحرص ويحافظ عليه، ودار الأمر بين ان نولي عليه رجلا لم يعص اللَّه طرفة عين مدى حياته، لا صغيرا، ولا كبيرا، وبين أن نولي عليه رجلا عصاه أمدا طويلا، وهو بالغ عاقل، ثم تاب وأناب، فإيهما نختار: الأول أو الثاني؟.
وعن عصمة أهل البيت عليهم السلام يقول الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه التفسير المبين: ويكفي دليلا على عصمة أهل البيت عليهم السلام شهادة اللَّه لهم بالعصمة في الآية 33 من الأحزاب: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" (الأحزاب 33). وتكلمنا عن العصمة مفصلا عند تفسير الآية 39 فقرة (عصمة الأنبياء). وفقرة (أهل البيت) فراجع، وهذه الفقرة تتمة للفقرتين السابقتين. وفكرة العصمة لا تختص بالشيعة وحدهم، فان السنة قالوا بها، ولكنهم جعلوها للأمة، مستندين إلى حديث لم يثبت عند الشيعة، وهو: (لا تجتمع أمتي على ضلالة). والمسيحيون قالوا بعصمة البابا، والشيوعيون بعصمة ماركس ولينين، وقال القوميون السوريون بعصمة انطون سعادة، والاخوان المسلمون بعصمة حسن البنا، وكل من استدل بقول انسان، واتخذ منه حجة ودليلا فقد قال بعصمته من حيث يريد أولا يريد. وفي الصين مئات الملايين اليوم تؤمن بعصمة ماوتسي تونغ نحن الآن في سنة 1967ويشيدون بتعاليمه، وإذا اختلف الشيوعيون فيما بينهم وكذلك غيرهم ممن ذكرنا فإنهم يختلفون في تفسير أقوال الرؤساء والمراد منها، لا في وجوب العمل بها، والولاء لها، تماما كما يختلف المسلمون في تفسير نصوص القرآن، والمسيحيون في تفسير الإنجيل. ومن خص العصمة بالشيعة فهو واحد من اثنين: اما جاهل مغفل، واما مفتر متآمر.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat