اليهود وبني اسرائيل والفرق بينهما في القرآن الكريم (ح 51)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

ورد بني اسرائيل في التفاسير عند ذكر الأرض المقدسة كما جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (59)" (البقرة 58-59) التّفسير: عناد بني إسرائيل: و هنا نصل إلى مقطع جديد من حياة بني إسرائيل، يرتبط بورودهم الأرض المقدسة. تقول الآية الاولى: "وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَة " (البقرة 58) و القرية كل مكان يعيش فيه جمع من النّاس، و يشمل ذلك المدن الكبيرة و الصغيرة، خلافا لمعناها الرائج المعاصر، و المقصود بالقرية هنا بيت المقدس. ثم تقول الآية: "فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّة " (البقرة 58) أي حطّ عنا خطايانا،"نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ" (البقرة 58). كلمة "حطّة " في اللغة، تأتي بمعنى التناثر و المراد منها في هذه الآية الشريفة، آلهنا نطلب منك أن تحطّ ذنوبنا و أوزارنا. أمرهم اللّه سبحانه أن يردّدوا من أعماق قلوبهم عبارة الاستغفار المذكورة، و يدخلوا الباب، و يبدو أنه من أبواب بيت المقدس، و قد يكون هذا سبب تسمية أحد أبواب بيت المقدس (باب الحطة). و الآية تنتهي بعبارة "وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ" (البقرة 58) أي أن المحسنين سينالون المزيد من الأجر إضافة إلى غفران الخطايا. و القرآن يحدثنا عن عناد مجموعة من بني إسرائيل حتى في ترتيل عبارة الاستغفار، فهؤلاء لم يرددوا العبارة بل بدلوها بعبارة اخرى فيها معنى السخرية و الاستهزاء، و القرآن يقول عن هؤلاء المعاندين: "فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ" (البقرة 59) و كانت نتيجة هذا العناد ما يحدثنا عنه كتاب اللّه حيث يقول: "فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ" (البقرة 59). و (الرجز) أصله الاضطراب- كما يقول الراغب في مفرداته- و منه قيل رجز البعير إذا اضطرب مشيه لضعفه. و يقول لطبرسي في مجمع البيان: إنّ الرجز يعني العذاب عند أهل الحجاز، و يروي عن الرّسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قوله بشأن مرض الطاعون: (إنّه رجز عذّب به بعض الأمم قبلكم). و من هنا يتضح سبب تفسير (الرجز) في بعض الروايات أنه نوع من الطاعون فشا بسرعة بين بني إسرائيل و أهلك جمعا منهم. قد يقال إن الطاعون لا ينزل من السماء، لكن هذا التعبير قد يشير إلى حقيقة انتشار هذا المرض عن طريق الهواء الملوّث بميكروب الطاعون الذي هبّ بأمر اللّه آنذاك في بيئة بني إسرائيل. يلفت النظر أن من عوارض الطاعون اضطرابا في المشي و الكلام، و هذا يتناسب مع أصل معنى (الرجز) تماما. و من الملفت للنظر أيضا أن القرآن يؤكد أن هذا العذاب نزل عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فقط، و لم يشمل جميع بني إسرائيل. ثم تذكر الآية تأكيدا آخر على سبب نزول العذاب على هذه المجموعة من بني إسرائيل بعبارة: "بِما كانُوا يَفْسُقُونَ" (البقرة 59). و الآية الكريمة بعد ذلك تبين بشكل غير مباشر سنة من سنن اللّه تعالى، هي أن الذنب حينما يتعمق في المجتمع و يصبح عادة اجتماعية، عند ذاك يقترب احتمال نزول العذاب الإلهي.
ورد بني اسرائيل في زمن موسى وعيسى عليهما السلام كما جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن بني اسرائيل "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ" ﴿يونس 90﴾ ب حرف جر، بَنِي اسم، إِسْرَائِيلَ: اسم علم.وقطَعْنا ببني إسرائيل البحر حتى جاوزوه، فأتبعهم فرعون وجنوده ظلمًا وعدوانًا، فسلكوا البحر وراءهم، حتى إذا أحاط بفرعون الغرق قال: آمنتُ أنه لا إله إلا الذي آمنتْ به بنو إسرائيل، وأنا من الموحدين المستسلمين بالأنقياد والطاعة. قوله عز وعلا "وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا" ﴿الإسراء 2﴾ لِبَنِي: لِّ حرف جر، بَنِي اسم. وكما كرَّم الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالإسراء، كَرَّم موسى عليه السلام بإعطائه التوراة، وجعلها بيانًا للحق وإرشادًا لبني إسرائيل، متضمنة نهيهم عن اتخاذ غير الله تعالى وليًا أو معبودًا يفوضون إليه أمورهم. قوله عز وجل "وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا" ﴿الإسراء 104﴾ فإذا جاء وعد الآخرة: أي الساعة، جئنا بكم لفيفا: جميعا أنتم وهم، وقلنا من بعد هلاك فرعون وجنده لبني إسرائيل: اسكنوا أرض الشام، فإذا جاء يوم القيامة جئنا بكم جميعًا مِن قبوركم إلى موقف الحساب. قوله تبارك وتعالى "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ ۖ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ" ﴿السجدة 23﴾ ولقد آتينا موسى التوراة كما آتيناك أيها الرسول القرآن، فلا تكن في شك من لقاء موسى ليلة الإسراء والمعراج، وجعلنا التوراة هداية لبني إسرائيل، تدعوهم إلى الحق وإلى طريق مستقيم. قوله سبحانه "إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ" ﴿الزخرف 59﴾ ما عيسى ابن مريم إلا عبد أنعمنا عليه بالنبوة، وجعلناه آية وعبرة لبني إسرائيل يُستدل بها على قدرتا.
وردت كلمة اليهود في زمن الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قال الله تعالى عن اليهود "وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ" (المائدة 64) "وقالت اليهود" لما ضيق عليهم بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا أكثر الناس مالا "يد الله مغلولة" مقبوضة عن إدرار الرزق علينا كنوا به عن البخل تعالى الله عن ذلك، قال تعالى: "غُلَّتْ" أمسكت "أيديهم" عن فعل الخيرات دعاء عليهم، "ولُعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان" مبالغة في الوصف بالجود وثنى اليد لإفادة الكثرة إذ غاية ما يبذله السخي من ماله أن يعطي بيديه "ينفق كيف يشاء" من توسيع وتضيق لا اعتراض عليه، "وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك" من القرآن "طغيانا وكفرا" لكفرهم به، "وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة" فكل فرقة منهم تخالف الأخرى، "كلما أوقدوا نارا للحرب" أي لحرب النبي صلى الله عليه وسلم "أطفأها الله" أي كلما أرادوه ردهم، "ويسعَون في الأرض فسادا" أي مفسدين بالمعاصي، "والله لا يحب المفسدين" بمعنى أنه يعاقبهم. قوله عز وجل "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا " وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ " ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ" (المائدة 82) "لتجدنَّ" يا محمد "أشدَّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا" من أهل مكة لتضاعف كفرهم وجهلهم وانهماكهم في اتباع الهوى، "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنَّا نصارى ذلك" أي قرب مودتهم للمؤمنين "بأن" بسبب أن "منهم قسيسين" علماء "ورهبانا" عبادا "وأنهم لا يستكبرون" عن اتباع الحق كما يستكبر اليهود وأهل مكة نزلت في وفد النجاشي القادمين عليه من الحبشة قرأ سورة يس فبكوا وأسلموا وقالوا ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى. قوله سبحانه "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ " ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ " يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ " قَاتَلَهُمُ اللَّهُ " أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ" (التوبة 30) "وقالت اليهود عُزَيْرٌ ابن الله وقالت النصارى المسيح" عيسى "ابن الله ذلك قولهم بأفواههم" لا مستند لهم عليه بل "يضاهئون" يشابهون به "قول الذين كفروا من قبل" من آبائهم تقليدا لهم، "قاتلهم" لعنهم "الله أنَّى" كيف "يُؤفكون" يُصرفون عن الحق مع قيام الدليل.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat