صفحة الكاتب : رياض سعد

هدايا صدام للرئيس المصري حسني وزمرته : كرمٌ مشبوه على حساب العراقيين
رياض سعد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في الدول التي يحكمها قادة وطنيون، تُعتبر ثروات الشعب أمانة، وتُصرف الأموال العامة وفق سياسات مدروسة تُراعي المصلحة الوطنية العليا... ؛ و أما الهدايا بين الزعماء، فعادةً ما تُمنح في إطار دبلوماسي يخضع لضوابط البروتوكول والمصالح المتبادلة، لا للأهواء الشخصية أو مزاج الحاكم... ؛  إلا أن هذا المفهوم انقلب رأسًا على عقب في عراق "الفئة الهجينة"، حيث كانت الدولة تُدار كما لو كانت مزرعة خاصة، يُنفق من خيراتها على الاجانب و الغرباء ويُحرَم منها أهلها الاصلاء .

كان صدام ، الذي حكم العراق بالحديد والنار، بخيلًا حدّ اللعنة على أبناء الأغلبية والامة العراقية، بينما غارقًا في السخاء مع المرتزقة من الكتّاب والإعلاميين العرب وغيرهم ، ورؤساء دول كانوا أحيانًا لا يرونه أكثر من "بقرة حلوب"... ؛ وقد كانت عطاياه من الغرابة بمكان حتى غدت مضربًا للأمثال، بدءًا من ساعات الذهب إلى السيارات الفارهة وصولا الى بواخر النفط المجاني ... ؛ في الوقت الذي كان فيه العراقيون يتضورون جوعًا، ويُقتلون وحدانا وجماعات  في السجون الرهيبة والحروب الخاسرة ، ويُعانون من الفقر، والجهل، والمرض، وانقطاع الكهرباء، وانعدام الخدمات الأساسية.

مصر وحصة الأسد من "كرم صدام"

حظيت مصر، تحديدًا نظام حسني مبارك، بنصيب كبير من هذا الكرم المشبوه... ؛ وقد كشفت وثائق رسمية عن سلسلة من الهدايا الثمينة التي قدّمها صدام للرئيس المصري، وكان من أبرزها بندقية وطبنجة مصنوعتان من الذهب الخالص، إضافة إلى 144 سيارة حديثة من نوع "تويوتا كريسيدا" قُدمت لمؤسسة الرئاسة المصرية، عقب معركة تحرير الفاو في أبريل 1988... ؛ و هذه السيارات أصبحت جزءًا من موكب مبارك لعدة أشهر قبل أن تُستبدل بالمرسيدس.

زوجة مبارك أيضًا نالت نصيبها من الهدايا، رغم أنها لم تزُر العراق بدافع الاحترام أو الود، بل طمعًا في الغنائم الصدامية ... .

 والمفارقة أن المصريين أنفسهم – لاحقًا – فتحوا هذا الملف الحساس ، وتساءلوا عن مصير تلك الهدايا التي لم تُسجل في السجلات الرسمية للدولة المصرية ، كما يفرض القانون المصري.

تبادل اللصوص للهدايا :

منطق الأشياء يقول: السارق لا يُهدي إلا لسارق مثله... ؛  فما من هدية قدّمها صدام إلا كانت على حساب الشعب العراقي، وما من مستفيدٍ منها إلا وكان طفيليًا يعتاش على دماء العراقيين.

 وفي أغلب دول العالم، توجد قوانين واضحة تنظم مسألة تقديم وتلقي الهدايا، وتلزم المسؤولين برد الهدايا إلى خزينة الدولة إذا تجاوزت قيمةً معينة، كما هو الحال في الولايات المتحدة حيث يجب تسليم الهدية إذا زاد ثمنها على 50 دولارًا... ؛ و بعض الدول تنشئ متاحف عامة لعرض هدايا المسؤولين التي تفوق القيمة المسموح بها.

لكن في العراق آنذاك، كانت الأمور تُدار بعبثية وهمجية ... ؛  ففي إحدى المرات، أهدى صدام عددًا من السيارات الحديثة لرؤساء تحرير الصحف القومية في مصر، في خطوة أثارت استغراب المصريين، فهذه النوعية من الهدايا كانت غير مألوفة وتُعد خرقًا أمنيًا، فضلًا عن كونها محاولة فاضحة لشراء الذمم... ؛  حينها تدخّل مبارك وطلب من رؤساء التحرير إعادة السيارات إلى خزينة الدولة لتهدئة الغضب الشعبي... ؛ هكذا كان ابن صبحة يوزع السيارات الحديثة  - ومن ودن وجع قلب – في الوقت الذي كانت السيارة حلم بعيد المنال لأغلب رجال العراق فضلا عن شبابه .

الساعة أفضل من المسدس!

ومن الطرائف التي تكشف تفاهة تصرفات هذا "الكرم الصدامي"، ما رواه المفكر المصري الدكتور مصطفى الفقي... ؛ اذ قال إن صدام أهداه مسدسًا ذهبيًا، لكن مبارك، بسخرية، سأله: "ماذا ستفعل به؟ أنت تخاف أن تطلق على عصفور!"، ثم أمره بتسليمه لقائد الحرس، فأعطاه الفقي المسدس، وتبادل مع القائد ساعة ذهبية قال إنها "أنفع من المسدس".

مبارك... النكران بعد الكرم

رغم الهدايا والتسهيلات والعطايا والتبرعات التي أغدق بها صدام على مصر ومبارك ، فإن مبارك لم يبادله الوفاء... ؛  فحين غزا صدام الكويت عام 1990، كان مبارك من أوائل من حرض عليه، وشارك في التحالف الدولي بقيادة أمريكا الذي دمر العراق... ؛ و لم يكتفِ بذلك، بل ساند الحصار الجائر الذي امتد لسنوات، وعانى منه العراقيون الأبرياء.

من المثير أن الكويت، رغم ثرائها، لم تُقدم أية هدايا لمبارك قبل عام 1990... ؛ اذ وصف  أحد العاملين في مؤسسة الرئاسة المصرية  نظرة الكويتيين لمبارك بأنه "تليفون يعمل بالعملة"، في إشارة إلى أنه لا يتحرك ما لم يحصل على مقابل... ؛ ومن هكذا وضعه لا يؤتمن ولا يوثق به الا ان ابن صبحة والذي يدعي معرفة الخونة من عيونهم ؛ لم يدرك حقيقة مبارك ... ؛ اذ لم يقدر مبارك هدايا صدام السخية , ومساعداته وتسهيلاته للمصريين وتبرعاته لمصر وصفقاته التجارية معها ... ؛ فقد حرض العرب والعالم اجمع ضد العراق وادعى انه شاهد الاسلحة الكيمياوية وغيرها , و وقف ضد صدام في حرب الكويت , وارسل قواته العسكرية  لمحاربة العراق كما اسلفنا ... ؛ وهكذا انقلبت الموازين، وصار صدام ضحية "سذاجته السياسية"، أو ربما طبيعته الانفعالية غير المحسوبة.

ما فعله صدام، من هدر لأموال العراقيين على شخصيات وأجهزة إعلامية عربية وأجنبية، كان امتدادًا لنهجه العبثي في الحكم، والذي أدى في النهاية إلى دمار العراق... ؛  أما أولئك الذين قَبِلوا هذه الهدايا، فهم شركاء في الجريمة، لأنهم صمتوا عن الظلم، واستفادوا من نظام لم يكن يرحم شعبه... ؛ ومثلما قيل: "الهدايا تُفضح عندما تأتي من اللصوص".


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رياض سعد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/07/31



كتابة تعليق لموضوع : هدايا صدام للرئيس المصري حسني وزمرته : كرمٌ مشبوه على حساب العراقيين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net