من ذاكرة الإبداع (السوق)
د . الشيخ احمد الوائلي (رحمه الله)
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . الشيخ احمد الوائلي (رحمه الله)

لابد أن نجنِّد جيلاً ناشئاً من المسلمين، يتولى شرفَ الدفاع عن وحدة الأمة، بعيداً عن وعّاظ السلاطين، ومرتزقة موائد الظلمة، والمتسكعين على مصادر الطمع من أبواب الحكام ومؤسسات السوق ومستنقعات الحقد والكراهية... ولو كان المسلمُ منفتحا على حضارته وإسلامه، لما قامت هذه السوق بما فيها من دكاكين تبيع التفرقة، وتتاجر بالدين، وتهدر الطاقات... والتي كان من الأولى بها أن تجنّد الإفادة والبناء...
أحتاج القفز على هذه الحوائج الوهمية التي هي رأس مال جماعة، كانوا ومازالوا يشكلون العقبة الكبيرة في دروب الأمة، والمعين على التمزق، والعامل على التخلف، ولم يعد يخفى على أحد ما قاسيناه من مآسٍ سببها الدس وسوء الفهم، والانغلاق على النفوس، والتقوقع ضمن دائرة لا نريد الخروج منها.
فكانت هناك أول مؤسسة علمية جسّدت جانبا من وسائل وحدة الأمة من المسلمين، وقطعت خطوات كبيرة، وجندت رعيلا من كرائم القرائح والأقلام، ومن عباقرة الجيل، والقيام بدور مشرف في سبيل تحقيق الهدف المرجو من التئام شمل المسلمين.
وقد استبشرنا بها وعلقنا عليها آمالا كبيرة، كنا نأمل أن تكونَ بداية لمشروع كبير، وانتفعنا فعلاً ببواكير هذا العطاء اللامع الذي زوّدت به المكتبة الإسلامية من بحوث ناضجة وقيّمة، وشكلت نفائس أثارت سلاطين النفط، فجندوا (البطارق) وقضوا على هذه المؤسسة العلمية... وحرموا المسلمين من عطاء ثر، ومنهج سليم، من اجل أن يبقى منهجُهم الخبيث.
فتحوا أسواقاً كثيرة تحتشد بأقلام مأجورة تحسن نبش الدفائن، وإثارة الضغائن، وتمنح تلك الأسواقُ كتّابها أرباحاً كبيرة مقطوعة من مال سحت، ورفوف تلك الأسواق تحمل المناصب والجاهات، ليتهاوى أمامها ضعاف النفوس، وهذا ما حصل...
وقد نجحتْ أسواقُ النفط فأعادت القافلة، لترتد عن خطوات قطعتها، فحققت الأسواقُ مجموعة من الأهداف، أيسرها إيجاد مكان لهذه الزمر، تحت سقف الإسلام، وهي عبء على الإسلام في تفكيرها ومناهجها، كانت هذه المؤسسة المقتولة تسمى (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) أسّست في خمسينيات القرن المنصرم، واستمرت إلى سبعينياته في القاهرة، وضمّت نخبة من قادة الفكر وعلماء المسلمين من مختلف الفرق الإسلامية.
ذهبت تلك المؤسسة مشيّعة بنعيق الغربان السوداء، ولهيب تنانير الحقد، التي تجد وقودها في الكثير من الجهات المشبوهة... ولا ينبغي أن تموتَ الهمم بموت هذه المؤسسة، وعلى الإنسان أن يتعلمَ من الإخفاء طريق النجاح، لكوننا نؤمن أن النفطَ سينضب يوماً، وتغلق الأسواق، ورغم كل هذا لا يمكن أن نبقى كمسلمين نتفرج على ما يحصل دون أن نجند الفكر الشريف، والعلم للتطبيق، في ميادين وحدة المسلمين... فعلى الأقلام والأفكار زكاة لابد من دفعها، والأمة التي يموت فيها الفكر والقلم، وتبتعد عن علاج أدوائها هي أمة ميتة...
نشرت في صدى الروضتين 2006
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat