من ذاكرة الإبداع .. الخيانة
د . الشيخ احمد الوائلي (رحمه الله)
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . الشيخ احمد الوائلي (رحمه الله)

منشورة في مجلة صدى الروضتين العدد (31) لعام 2006
إزالة الركام الهائل من الخلافات المتراكمة في الأمة بوسائل محدودة، فمن المؤكد أن المدة ستطول دون أن نتخلص من هذا الركام، كون المستجد والمستحدث سيضيق ناتج المساعي التي تسعى لوضعه النفوس والأقلام المعروضة بالمزادات، وهذا يعني أننا بحاجة إلى قفزة على الركام المتراكم... فرشاد القرآن والسنة النبوية هي الرائد لنا والأفكار الحية التي لم تمت والعقول التي لم تتعطل، فلابد من سعي ينفض الغبار عن كنوز تراثنا وتقديمها بأسلوب معاصر، وهذا لا يتم دون الانتصار على ذواتنا لتنطلق المسيرة مدعومة بتلك الأهداف الخيرة والإرادة القوية.
ويكفي التشتت الذي عانيناه والضياع الذي فرقنا، بينما أمام أعيننا طريق الهدى والخير، وإلا ما معنى أن يهدم بعضنا الآخر، ليجني الثمار أعداء الأمة، فلْنسعَ لتحري البناء والانتصار على كل معوق، حتى لو احتاج إلى جهد كبير، ويبقى موردنا الأحلام، وكم منها انتهت إلى حقائق مذهلة، نبعثها صعوداً للكواكب، واجتناء لثمرات العلم.
فإذا كانت الدوافع سليمة النظر، سنجد هناك تفهما لمعنى القبول، فما يرفضه البعض يقبل به البعض الآخر، لكونهم ينظرون بعين الرضا، ولا يصح لكاتب أن ينتقد غيره بما عنده مثله أو أكثر منه، ولا يعرف الدوافع وراء هذا الانتقاد، هل هو التعصب الذي يذهب إلى رؤية الصحيح من الخطأ، تحول إلى سمة مذهبية بغض النظر عن حلاله وحرامه، ومبعث الأسف وجود هذا اللون من السلوك في تراثنا العقائدي والفقهي والتاريخي... وكم فتوى ترد مبعثها العناد، وكم حكاية مفتعلة تثير الضجة؛ كالتي أثاروها على الشيعة واتهامهم بأنهم هم الذين أغروا التتر على اقتحام بغداد، وحتى لو صحت فأن الفاعل شخص واحد هو (أبن العلقمي)، كما يدعون، فلماذا تحمل الأمة كلها تبعية وحقيقة الأمر، أن الذي قام بالإغراء هو (الدويدار) من أهل السنة، ووصل الأمر إلى تقسيم المساجد بين الأحناف والشوافع عام 1300 هـ والحال نادراً ما ترى شيعياً في جوامع السنة أو سنياً في حسينيات الشيعة، فما يمنع أن يقف أحدنا جنب الآخر في مسجد واحد، وأن أسبل أحدنا يديه أو ضمهما الآخر، وسجد أحدنا على قطعة من طين وسجد الآخر على فراش مادام لكل منا دليله، والمعبود هو الله وحده؛ فالتربة من ارض طاهرة، والأرض مسجد وطهور للمسلمين، بالإضافة إلى أنها ترفع جبهة المسلم قد يحمل في الفراش أو الأرض...
وقد شكا المسلمون للخليفة عمر ما ينال جباههم من الأرض، فأفترش لهم المسجد بالحصباء لترفع الجباه عن وحل الأرض وغبرتها، ولم يحدث ذلك أي حساسية عند المسلمين كما هو الحال اليوم، إذا رأى بعضهم من يسجد على تربة مأخوذة من تراب كربلاء. وقد علل البعض (المريض) إلى أن الشيعة إنما يسجدون عليها لأنها ممتزجة بدم الحسين عليه السلام!! وما أدري ما هي كمية دم الحسين التي تتسع لعشرات المئات من السنين، ولملايين الشيعة في العالم؟ فما هو المبرر لمثل هذه المواقف وأصحابها لهم دور يؤدونه وثمن يجنونه؟ ولماذا هذه الناس تتبع البدع دون أن تتكلف عناء البحث أو التبصر الذي يتوجب عليهم؛ فالدرب واضح ووسائل المعرفة والإعلام والفكر أصبح يمتلك مساحة انتشار أوسع وأسرع، وكل ما تحتاجه هذه القاعدة الجماهيرية هو التخلص من التبعية غير الواعية... وتبقى المسألة المهمة أن هذه القاعدة الجماهيرية هي أمانة في عنق من حمل فكراً، وملك قولا حقا ودفع الباطل... ورغم صعوبة المسعى، إلا أن علينا أن ندرك أن السكوت عن المحاولة الجادة خيانة...
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat