نواة المجتمع وأم الحضارات
محمد جواد الميالي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد جواد الميالي

لا يمكن الحديث عن نهوض مجتمع، أو قيام حضارة دون فهم ودعم الدور المحوري للمرأة، التي لا تختصر مهمتها بالإنجاب والرعاية، بل تتعداها إلى المساهمة الفاعلة في صناعة الإنسان، وتشكيل وعي الأجيال، وترسيخ القيم في النفوس.. الأم التي تهدهد رضيعها بنغمات الماضي الحزين، هي ذاتها التي تزرع في قلبه بذور الأمل، وتلقنه أبجديات الخير والفضيلة.. التي صدح بها أفلاطون، وتمنحه الحنان الذي لا يمكن تعويضه، سواء كانت أما أو أختا أو زوجة، تشكل لبنة أساسية في بنية المجتمع، وإذا صلحت المرأة، صلح البناء كله.
لذلك لم يكن غريبا أن يولي الإسلام للمرأة مكانة عظيمة، إذ رفع من شأنها، وكفل لها حقوقها، وحرّرها من قيود الجاهلية، التي جعلتها متاعا يباع ويُشترى، أو تُوأد خشية العار.. فجاء الإسلام ليعلن أن للمرأة عقلا وروحا، وأنها شريكة للرجل في المسؤولية، ولها الحق في التعليم والعمل والمشاركة في الشأن العام، بل وذهب أبعد من ذلك حينما ربط رضا الخالق من رضا الأم، وأكمل ذلك بأن الجنة تحت أقدامها.
لأن التجربة أبلغ من التنظير، نقف عند أحد النماذج الأسمى في محطات التاريخ الإسلامي، حيث شخصية عظيمة جسّدت هذه القيم بأرقى صورها، السيدة زينب عليها السلام، السيدة التي حولت شهادة أخوتها إلى منارة ثورة، فأنتقلت من أبنة علي وفاطمة إلى مدرسة في الصبر والاباء، فما كانت جبل الصبر مجرد شاهدة على مأساة كربلاء، بل وصارت الناطقة بإسمها، الحافظة لمبادئها، والمنتصرة لقضيتها في وجه الطغيان الأموي وإعلامه الفاسد، فوقفت في مجلس يزيد، وبلغة الواثق المنتصر قالت كلمتها التي دوّت في التاريخ: "فكد كيدك، و أسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لن تمحو ذكرنا".
لقد جسدت تلك السيدة الصابرة أروع معاني القوة والثبات، وأثبتت أن المرأة ليست كائنا هشا ينكسر أمام الشدائد، بل رمز للصمود حين يبدأ ضعف الرجال، شعلة الوعي حين يُطفأ نور الحقيقة.. ومن هذا الموقف الزينبي الخالد نستمد الإيمان بدور المرأة في الحياة، ليس فقط داخل البيت، بل في الميادين كافة، السياسة، التربية، الإعلام و في الدفاع عن المظلومين.
لذلك في معمعة التحولات الكبرى، حيث تنهار القيم أمام العنف، وتُختزل المرأة في مشهد الهامش، يقف تيار الحكمة الوطني، بقيادة سماحة السيد عمار الحكيم، ليعلن في كل عام من الأول من صفر، أن للمرأة مقاما لا يُمس، وأن الزمن الذي يُعاد فيه تدوير خطاب القهر ضدها، قد انتهى.
ان هذا المؤتمر يؤسس لمطلب جوهري، بأن يكون هذا اليوم، الأول من صفر، يوما إسلامي لمناهضة العنف ضد المرأة، لأننا فيه نُعيد قراءة التاريخ بأعين الإنصاف، ونكتب في سجلات المستقبل أن المرأة ليست ضحية، بل هي أمةٌ كاملةٌ تمشي على قدمين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat