القيم الأخلاقية في النهضة الحسينية ح1
محمود العذاري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمود العذاري

جاءت الرسالة الإسلامية الخاتمة لهداية الإنسان، وتحريره من جميع ألوان الانحراف في فكره وسلوكه، وتحريره من ضلال الأوهام ومن عبادة الآلهة المصطنعة، وتحريره من الانسياق وراء الشهوات والمطامع، وتهذيب نفسه من بواعث الأنانية والحقد والعدوان، وتحرير سلوكه من الرذيلة والانحطاط.
وقد اختصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الهدف الأساسي من البعثة بقوله المشهور: (إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وقد واصل الأوصياء والأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) هذه المهمة لتترجم في الواقع في أعمال وممارسات وعلاقات، ولهذا كانت الأخلاق هي المحور الأساسي في حركاتهم، وقد جسد الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضته المباركة المفاهيم والقيم الأخلاقية الصالحة، وضرب لنا وأصحابه وأهل بيته أروع الأمثلة في درجات التكامل الخلقي.
وفيما يلي نستعرض أخلاق النهضة الحسينية المباركة لتكون نبراساً لنا في الحياة:
أولاً: مراعاة حرمة الكعبة:
رفض الإمام الحسين (عليه السلام) اللجوء إلى الكعبة لكي لا تستباح حرمتها، وكان يقول لمن طلب منه الالتجاء إليها: (إنّ أبي حدثني أنّ لها كبشاً به تستحل حرمتها فما أحبّ أن أكون أنا ذلك الكبش).
وقال لأخيه محمد بن الحنفية: (يا أخي خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت).
وقال لعبد الله بن الزبير: (يا ابن الزبير لأن ادفن بشاطئ الفرات أحبّ إليّ من أن ادفن بفناء الكعبة).
ثانياً: الوفـاء بالعهـود والمواثيق:
الوفاء بالعهود والمواثيق من الأخلاق الفاضلة في جميع الأديان إلهية كانت أم وضعية، وقد جسدت النهضة الحسينية هذه القيم الأخلاقية في اشد المواقف خطورة، فبعد اتفاق الإمام الحسين (عليه السلام) مع الحر بن يزيد الرياحي على أن يسايره فلا يعود إلى المدينة ولا يدخل الكوفة طلب منه الطرماح بن عدي أن ينزل قبيلة طي ليلتحق به عشرون ألف طائي فقال له الإمام (عليه السلام): (انّه كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف).
فقد وفّى (عليه السلام) بعهده وان كان قد أفقده عشرين ألف ناصر له وهو بحاجة إلى أي ناصر.
ثالثاً: الرحمة والشفقة على الأعداء:
إنّ أتباع الحق يقاتلون من أجل هداية الأعداء إلى المنهج الرباني لتحكيمه في التصور وفي السلوك وفي واقع الحياة، وهم لا يقاتلون انتقاماً لذواتهم وإنّما حبّاً للخير ونصراً للحق، ولذا نجدهم رحماء شفوقين حتى مع أعدائهم ليعودوا إلى رشدهم ويلتحقوا بركب الحق والخير، وقد جسد الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه أروع ملاحم الإنسانية والرحمة والعطف، ففي طريقة إلى كربلاء التقى بأحد ألوية جيش ابن زياد وكان ألف مقاتل مع خيولهم وكانوا عطاشى، فأمر أتباعه بسقي الجيش وقال لهم: (اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفا) وقد سقى الإمام الحسين (عليه السلام) بنفسه ابن طعان المحاربي.
رابعاً: الإيثار ونكران الذات:
أنكر أتباع الإمام الحسين (عليه السلام) ذواتهم وذابوا في القيادة التي جسدت المنهج الإلهي في واقعها المعايش، فلم يُبقوا لذواتهم أيّ شيء سوى الفوز بالسعادة الأبدية، فكان الإيثار والتفاني من أهم الخصائص التي اختصوا بها. وقبل المعركة وصل بُرير ومعه جماعة إلى النهر، فقال لهم حماته ـ بعد أن عجزوا عن قتالهم ـ : اشربوا هنيئاً مريئاً بشرط أن لا يحمل أحد منكم قطرة من الماء للحسين، فكان جوابهم: (ويلكم نشرب الماء هنيئاً والحسين وبنات رسول الله يموتون عطشاً لا كان ذلك أبداً).
وفي شدة العطش رفض العباس (عليه السلام) شرب الماء قبل الإمام الحسين (عليه السلام) وقال:
يا نفس من بعد الحسيـن هوني *** وبعده لا كنــــــت أن تكونـــي
هذا حسين وارد المنــــــــــون *** وتشربيـــن بــارد المعيـــن
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat