صفحة الكاتب : محمد النصراوي

‏موسم الوعود الساقطة
محمد النصراوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 ‏منذ لحظة إعلان اقتراب الانتخابات، تبدأ حركةٌ غريبةٌ في الشارع العراقي، أصواتٌ تظهر من العدم، وجوهٌ تلمع فجأة، ووعود تتساقط على رؤوس الناس كما يتساقط المطر في الشتاء، بعض المرشحين لا تراهم طوال أربع سنوات وفجأةً يتحولون إلى فاعلي خير يوزعون المواد الغذائية ويتحدثون بلغة الشعب ويزورون البيوت ويعدون بالتعيينات والخدمات والجنة على الأرض، وكأن الصندوق الانتخابي مصباح علاء الدين وهم "جنياته" المسحورة.

‏المشكلة الحقيقية لا تكمن في هؤلاء وحدهم بل في أن هذه "الاستعراضات الانتخابية" تضرب صورة السياسة ككل وتُسيء حتى للقوى الجادة التي تمتلك مشاريع فعلية وتاريخاً في العمل السياسي والمجتمعي، فما أن يُرفع شعارٌ انتخابيٌ جاد حتى ترتفع معه موجة سخريةٍ واستهزاء لأن الذاكرة الجمعية للناس مليئةٌ بالخيبات ولسان حالهم يقول "كلهم نفس الشيء".

‏الانتخابات تحولت عند البعض إلى موسمٍ للارتزاق لا مناسبةً ديمقراطية، وقد صار من المعتاد أن نرى نفس الأدوات القديمة تتكرر علينا، صورٌ عملاقةٌ لمرشحٍ لم نسمع بإسمه من قبل، منشوراتٌ تُغدق بعبارات الوطنية ولقطاتٌ تمثيليةٌ على مواقع التواصل تظهره وهو يحمل كيس طحين أو يجلس على الأرض مع الفقراء ويتحدث عن معاناة الناس بلغةٍ فيها تمثيلٌ كثير وصدقٌ قليل.

‏هذه التصرفات لا تضر أصحابها وحدهم، بل تفتح باب التشكيك على الجميع، وتضع القوى الحقيقية التي تعمل بجهدٍ في خانةٍ واحدةٍ مع تجار الانتخابات، فالمرشح الجاد الذي يخطط ويعمل بصمت لا يمتلك أدوات "الضجيج" لكنه يُؤذى حين يتساوى إعلامياً مع من يشتري الأصوات أو يستغل حاجة الناس.

‏نحن لا نحتاج إلى وعودٍ جديدة بل إلى ذاكرةٍ نشطة، فالتصويت مسؤوليةٌ أخلاقية قبل أن يكون قراراً سياسياً، والصوت الذي يُمنح لمن يجيد التمثيل لا لمن يجيد التخطيط، هو سهمٌ يُطلق على صدورنا لا سهمٌ نطلقه نحو التغيير.

‏الوعي الانتخابي اليوم لا يعني فقط أن ننتخب، بل أن نُميز، أن نرفض الابتزاز العاطفي، وأن نمنح أصواتنا لأولئك الذين لم يختفوا عنا في السنوات الماضية ولم يأتوا إلينا الآن وهم يحملون أكياس الطحين ويتحدثون بلهجة الفقراء فقط لأنهم يريدون مقعداً برلمانياً.

‏الانتخابات ليست موسماً للاستعراض الاعلامي ولا حفلةً صاخبة، بل لحظةُ فرزٍ حقيقية بين من يحمل مشروعاً للناس ومن يحمل مشروعاً لنفسه، احذروا ممن يطرق أبوابكم قبل الانتخابات فقط، فالبائع الموسمي لا يعود الا في الموسم القادم.. بعد اربع سنوات.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد النصراوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/07/18



كتابة تعليق لموضوع : ‏موسم الوعود الساقطة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net