بين المبتدئ والمجتهد... حين يرتقي المبتدئ المنبر ويسائلُ الفقيه
حيدر جواد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حيدر جواد

احاول أتابع بدقة كل خطاب يُلقى باسم المنبر الحسيني، ولست ممن يلاحق هذا الشخص بعينه، لكنّ ظهوره ـ ومعه آخرون على شاكلته ـ أثار تساؤلا مؤلما: كيف يرتقي منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من لم يكن يوما من طلبة العلوم الدينية؟
بعض المنبر، تحول الى ساحة مفتوحة لكل من هبّ ودبّ .. ترى شابا يعتليه بكل جرأة، وحين يُسأل: (هل درست الفقه يوما)؟ يجيب: (لم أدرس، لكنني أريد أن أخدم) .. كلمات تستدرّ العاطفة، لكنها لا تُبرّر التجرّؤ .. فكيف تبلّغ عن الله وأنت لم تتعلّم ما يُبلّغ؟ .. لقد رأيت بأمّ عيني رجلا لم تطأ قدمه الحوزة العلمية ساعة واحدة، أصبح رئيسا لفصيل مسلّح، ثم بدأ يعتلي المنبر، ويُلقي الخُطب أمام شباب يتلقّون عنه وكأنه من أهل الدراية .. وهنالك عدد متزايد من هؤلاء .. ويبقى السؤال الأكبر: لماذا يتساهل الناس مع من يعتلي منبر رسول الله وهم لم يطلبوا العلم يوما؟ منبر الحسين عليه السلام مقامٌ علمي وروحي رفيع، له ضوابط وشروط، من لم يُؤهل لها فليتركه لأهله .. وهذا الترك هو من اجل الخدمات التي يمكن ان يقدمها لمحمد واله صلوات الله عليهم اجمعين ..
ثم نعود إلى صاحب الصورة، الذي ظهر في مقطع علني يُلقي فيه ما سمّاه (نصائح) للمرجعية العليا .. نصائح؟ لمن؟
لمن قضى عمره المبارك ـ ما يناهز التسعين عاما ـ في الدرس، والتدريس، مع الفقهاء والمجتهدين، وفي التحقيق حتى الاجتهاد، كل هذا استعدادا لخدمة الاسلام والمسلمين؟ يسأله بكل ثقة: (لماذا أوقفتم خطبة الجمعة)؟ وكأن المرجعية لا تُدرك تكليفها، ولا تُقدّر المصلحة .. أيعقل أن يُسائل من لم يدرس يوما في أصول الفقه، من أفنى عمره في استيعابه وتعليمه؟ ..
المشهد ـ بحق ـ كوميدي في ظاهره، لكنّه مؤلم في جوهره: شخص لم يدرس يوما، يقدّم النصائح لمرجعية ..
يكرّر: (نريد من ينصحنا، نريد أن نسمع رأي المرجعية)، وكأنها لم تنطق بنصحها في كل تلك السنين والى يوم الناس هذا ..وليس ببعيد عنه ، حين جددت المرجعية دعوتها الصريحة لمجموعة من الامور ومنها حصر السلاح بيد الدولة، فماذا كان الرد من امثاله؟ الاعتراض الصاخب، حتى قال أحدهم: (من يطالب بحصر السلاح انما يريد إذلال الشيعة) وكأن المرجعية التي حفظت دماءهم، أصبحت اليوم خصما لهم .. هذا الموقف يُذكّرني بمن صاح بوجه الامام الحسن (عليه السلام): (السلام عليك يا مذلّ المؤمنين)، حين لم يُعجبه قراره.
هذا الشخص نفسه قال ـ مرارا ـ في مجالسه المصوّرة: (مستوى الفقه مثل الابتدائية في النظام التعليمي الحديث، والعرفان مثل الدراسات العليا) .. وهدفه ابعاد الناس عن الفقهاء، والتقليل من مكانتهم، وتزهيد الناس فيهم ان لم يوافقوا مزاجه السياسي والفكري .. ومع ذلك يكرر طلباته من مرجعية يثابر على التقليل من شأنها وحكمتها واتباع المؤمنين لها ..
نحن في زمن الهرج والمرج، وتلبّس الجهل بلباس العلم، وارتقى المنبر لتبليغ الدين من لم يدرسه، ، ولم يفهمه ..
وفي مثل هذا الزمن، لا بدّ من الاحتكام إلى المعايير، وعدم الاغترار بمنطق هذا وذاك والا فسوف نترك العلماء، ونسير خلف ادعياء العلم، ونفتح الباب للفوضى باسم المنبر والدين والخدمة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat