صفحة الكاتب : جعفر صادق البصري

تماثل المبدأ الحسيني مع المبدأ العلوي
جعفر صادق البصري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في كلّ عام يستفيد الكثير من الموالين والمواليات دروساً من مجالس عاشوراء الحرام أو من طقوسها المشروعة التي أخذت شرعيّتها من قصص القرآن وآياته أو من بعض الأحاديث الشريفة والروايات المعصوميّة.
وقد دأبت شخصيّاً منذ أكثر من عقد أن أكتب شيئاً بسيطاً ممّا علق في البال في هذا المجال.
 هذا العام من محرّم ككلّ عام أجتهد في تنظيم وقتي فيه، كما يفعل المتشيّعون، لكي أتفرّغ لاستماع بعض المحاضرات أو قراءة شيء عن فاجعة الطف.
لقد لفت نظري في هذا المحرّم فقرة من وصيّة السبط الشهيد الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه التي سلّمها لأخيه محمّد ابن الحنفيّة.
ومن هنا قرّرت أن تكون هذه الفقرة محطّ اهتمامي في هذه الأيّام العاشورائيّة، وهي بحقّ تستحقّ أن يقف الباحث عندها ليحرّر ها.
سأحاول في هذا المقال الاختزال وتناول الفقرة بطريقة مختصرة، وقبل الدخول إلى جوهره لا بدّ من التذكير بأنّ سند الوصيّة غير معتبر.
الآن أضع بين أيديكم أيّها الكرام النصّ المروي عن خامس أصحاب الكساء الإمام الحسين عليه السلام سيّد الشهداء:
النصّ: قوله عليه السلام: (أسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب). بحار الأنوار  للشيخ محمد باقر المجلسي:٤٤/ ٣٢٩، لواعج الأشجان للسيّد محسن الأمين:٣٠.
من المعلوم أنّ الإمام الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام من أهل البيت ومن الذريّة المطّهرة ومن ذوي القربى المنصوص عليها في آي القرآن الكريم.
ولا خفاء في أنّه من النبيّ (حسين منّي) وهو وأخيه الحسن  عليهما السلام سبطان من الأسباط، وسيّدا شباب أهل الجنّة، وريحانتا النبيّ الأمين، كما أثبتت ذلك كتب الطائفتين بطرق بعضها تامّة ونقيّة. راجع على سبيل المثال: صحيح البخاري للشيخ محمد بن إسماعيل البخاري:٤/ ٢١٧ و:٧/ ٧٤، سنن الترمذي للشيخ عيسى الترمذي:٥/ ٣٢١-٣٢٢/ح٣٨٥٦ و٣٨٥٩ وصحّحهما، المسند للشيخ أحمد بن حنبل:٣/ ٣ و٦٢، المعجم الكبير للشيخ سليمان الطبراني:٣/ ٣٢/ح٢٥٨٦ و:٢٢/ ٢٧٤، مجمع الزوائد للشيخ علي الهيثمي:٩/ ١٨١ وحسّنه، الجامع الصغير للشيخ جلال الدين السيوطي:١/ ٥٧٥/حرف الحاء/ح٣٧٢٧ وحسّنه، الخصال للشيخ محمد بن علي الملّقب بالصدوق:١/ ٣٢٠/ب٦/ح١ و:٢/ ٥٥٥/ب٤٠/ح٣١، عيون أخبار الرضا (ع) للصدوق:١/ ٢٧٤/ب٢٨/ح٦٧، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد للشيخ محمد بن محمد بن النعمان العكبري الملقّب بالمفيد:٢/ ٢٨ و١٢٧، البحار:٤٣/ ٢٣٧/ب١١/ح٢ و:٤٣ /٢٨١/ب١٢/ح٤٩.
وكذلك هو أحد المقصودين بالعترة التي هي عدل الكتاب وفق ما جاء في مفاد الحديث المتواتر حديث الثقلين: (إني مُخلّف فيكم الثقلين أو تارك فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي). راجع: صحيح مسلم للشيخ مسلم النيسابوري:٧/ ١٢٣، مسند أحمد:٣/ ١٤و١٧ و:٤/ ٣٦٧ و:٥/ ١٨٢ و١٨٩، سنن الترمذي:٥/ ٣٢٨-٣٢٩/ح٣٨٧٤ و٣٨٧٦ وحسّنهما، بصائر الدرجات للشيخ محمد الصفار:٤٣٣/ب١٧/ح٣، الكافي للشيخ محمد الكليني:٢/ ٤١٥/كتاب الإيمان والكفر/باب أدنى ما يكون به العبد مؤمناً أو كافراً أو ضالاً/ح١، عيون أخبار الرضا (ع) للصدوق:١/ ٦٠/ ب٦/ح٢٥.
ما يهمنا هنا هو حديث الثقلين وصلته بالوصيّة مورد النقاش. فإنّ من ينعم النظر في حديث الثقلين ويتدبّر معناه لا يخطئ المراد منه وهو جعل العترة المطهّرة بعد رحيل النبيّ المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم مرجعيّة عامّة لكافّة المسلمين. ومقتضى ذلك وجوب الرجوع إلى العترة الطيّبة عليهم السلام وأخذ الأحكام الشرعيّة منهم دون سواهم، وهذا لا يقتصر على حالة إمامتهم الفعليّة وتمكينهم منها، بل يشمل حالة إبعادهم عن تولية أمر الأُمّة، وإزاحتهم عن قيادة الخليقة.
وبمعنى آخر: أنّ إمامة الأئمّة الإثني عشر سارية المفعول في كلّ حين وهي أمانة في أعناق المسلمين إلى يوم الدّين. 
من هنا ندرك أنّ الإمام عليّ عليه السلام لم أبى في يوم الشورى أن يخضع لشروط القائمين على البيعة في أن يسير بسيرة من تقدّمه.
أجل، لقد رفض أمير المؤمنين عليه السلام البيعة على سيرة الشيخين، وامتنع من أن يتنازل عن شرطه الذي أكّد فيه أمام الجميع أنّه لا يحكم في شؤون الدولة إلّا بكتاب الله وبسنّة نبيّه وبعلمه. راجع: شرح نهج البلاغة للشيخ بن أبي الحديد المعتزلي:١/ ١٨٨ و:١٢/ ٢٧٤، الفصول في الأصول للشيخ أحمد الجصاص:٤/ ٥٥، الرياض النضرة للشيخ محب الدين الطبري:٣/ ٥٤، ومحاضرات المرجع الخوئي في المواريث للسيّد محمد علي الخرسان:٣١، وأعيان الشيعة للسيّد محسن الأمين:١/ ٤٣٨، جواهر التاريخ للشيخ علي الكوراني:١/ ٤٨٣.
عن هذه القضيّة يقول الشيخ عبد الحسين الأميني: <<وقد تنازل عن الخلافة يوم الشورى حذراً عن اتّباع سيرة الشيخين لمّا أشترط عليه في البيعة وأنكره بملأ فمه>>. الغدير:١٠/ ١٢٣.
إنّه أمير المؤمنين حقّاً وباب مدينة علم النبيّ ومن عنده علم الكتاب ومن علّمه رسول الله ألف باب من علم يفتح من كلّ باب ألف باب، إنّه الخليفة الشرعي المنصوص عليه وأعلم الأمّة بعد رسولها وأعدل الصحابة وأقضاهم وعدل القرآن، ومن كان مكانته على هذا النحو وبهذه الكيفيّة يحقّ له أن يرفض سيرة من لم يبلغ مصافّ الفضلاء فضلاً عن الأوليّاء.
هذا، وما بين سطور الرفض العلوي تكمن الحقيقة ويتّضح السرّ المخفي، والحليم تكفيه الإشارة والمتعصّب العنيد لا تكفيه ألف عبارة.
وممّا تقدّم نفهم المغزى من التعبير الحسيني واختيار صياغته بالشكل المسطور  الدالّ على العمل وفق سيرة الكرار حيدر، فحين نقارنه بالموقف العلوي نجده يعبّر عن القضيّة ذاتها، ومن حيث الدلالة هو بشكل أو بآخر يعطي نفس الدلالة من غير تغيير يذكر.
وعن دلالة النصّ قال الشيخ محمّد السند البحراني مُعلّقاً: <<إحياء مشروع الإمامة الإلهيّة كما يُفهم ذلك من النصّ التالي: (وأسير بسيرة جدّي وأبي) لا بسيرة الشيخين كما طُلب ذلك من أبيه في اجتماع الشورى>>. الشعائر الدّينيّة:٦١.
وبالمناسبة فإنّ هذه الظواهر والبطون الدلاليّة غير خافية على الواعي والمُتثبّت، خاصّة إذا ما ضممنا إليها بعض أقواله عليه السلام وخطبه التي خطبها في تلك الفترة قبل استشهاده، كقوله عليه السلام: (رضى الله رضانا أهل البيت). مُثير الأحزان للشيخ محمد بن جعفر المشتهر بابن نما الحلي:٢٩، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر للشيخ الحسين بن محمد الحلواني :٨٦، البحار:٤٤/ ٣٦٧ . في بعض المصادر: رضا الله بدل رضى الله.
ويُلاحظ أنّ هذا القول يذكّرنا بالقول المأثور في حقّ البضعة الزكيّة سيّدة نساء العالمين كما ينقل الحاكم والهيثمي وغيرهما بسند تامّ من أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: (إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك).
المعجم الكبير للشيخ سليمان الطبراني:١/ ١٠٨/ح١٨٢ و:٢٢/ ٤٠١، المستدرك على الصحيحين للشيخ محمد الحاكم النيسابوري:٣/ ١٥٤ 
 وصحّحه، ومجمع الزوائد ومنبع الفوائد للشيخ علي الهيثمي:٩/ ٢٠٣ وحسّنه، الغدير:٧/ ١٧٤..
ثمّة فرق بين أن ينبعث الرضا من الأعلى إلى الأدنى وبين أن ينطلق من الأدنى إلى الأعلى، فلا شكّ ولا ريب من وجود مزية جعلت رضا العبد يساوق تمام رضا الربّ من جميع حيثيّاته.
وبطبيعة الحال فإنّ هذا يُشعر كون ذلك العبد المُقرّب من الحضرة القدسيّة الإلهيّة ليس بعيداً من دائرة العصمة.
ختاماً نعزّي الموالين والمُحبّين لأهل البيت عليهم السلام ونقول لهم: أعظم الله تبارك وتعالى أجورنا وأجوركم بمصاب الإمام أبي عبد الله الحسين وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثأره مع وليه الإمام المهدي سلام الله عليه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جعفر صادق البصري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/07/06



كتابة تعليق لموضوع : تماثل المبدأ الحسيني مع المبدأ العلوي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : هيثم الغريباوي ، في 2025/07/08 .

بإسمه تعالى
المقال يضيء على مقاربة وازنة وتكشف عن قائم مبدئي لا يختلّ وهو الوقوف بوجه الانحراف فضلاً عن الانجرف في تياره. فالخلافة التي ذبحت في السقيفة ودفع صاحبها عن مقامه كذا سُمّ صاحبها الثاني وجُزر الثالث بأفظع ما اقترفته يد الانسان عبر تاريخه وهكذا جرت المنزلة على ذات النسق؛ إمام داعٍ للحق والى الحق ومقتول عليه وإمام باطل ساعٍ اليه وقاتل من اجله. والمنتصر واحد في هذه المعركة الا وهو الإمام الشهيد الذي يحوز المجد مقابل هزيمة القاتل مداناً بجريمة قتل واكبر منها عار الاطل.
سلد الله تعالى يراعك، سيد جعفر الموقر




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net