التسابق لخوض الحرب على بلاد المشرق
جعفر صادق البصري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
جعفر صادق البصري

بسمه سبحانه وتعالى وبه نستعين ونتعافى
ورد في معتبر إسماعيل السكوني عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: (قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم). الكافي للشيخ محمد بن يعقوب الكليني:2/163/كتاب الإيمان والكفر/باب الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم/ح1.
تمرّ أُمّتنا العزيزة في هذه الأيّام بأوقات جداً مُقلقة وفي غاية الخطورة وبفترات صعبة للغاية، حيث يتكالب عليها شذّاذ الأفاق وتتداعى عليها الأكلة ويتوثّب عليها أصحاب الخديعة والنفاق.
وهذا يتطلّب من المؤمنين المعاصرين لهذه المرحلة المفصليّة العصيبة والحقبة المرعبة وكذا من الشرفاء والأحرار والنخب السياسيّة والزعامات الدّينيّة والقيادات الشرعيّة الوقوف، كلّ بحسبه ومراعاته لظرفه، بوجه الإعتداءات الإمبرياليّة وتجاوزاتها والهيمنة الغربيّة وغطرستها.
حقّاً إنّ الاعتداء السافر والهجوم الغادر من قبل الكيان الصهيوني الغاصب بشراكة حليفه المستديم الأميركان على الجار الشقيق شعب إيران العزيز قد أوجع القلوب وجرح خواطر الكثير من الموالين ومن يحمل الهمّ الوحدوي المدافع عن المستضعفين.
ولا يخفى على الفطن والعارف بزمانه تلك المؤامرات الكبيرة المتوالية التي يحوكها قادة الغرب على شعوبنا المسلمة واستهدافهم اُمّتنا واحتلالهم أراضينا ومياهنا مستغلّين التفاوت بيننا وبينهم في موازين القوى والتقدّم التقني والتفوّق العسكري وما إلى ذلك، لنهب خيراتنا وحلب أموالنا وسلب مُقدرّاتنا وإضعاف قُدراتنا وتكريس ذلك الواقع كي نبقى تابعين لهم وتحت وصايتهم.
ولا بدّ، والحال هذه، من وضع حدّ لهذا التغوّل المريع والتدخّل الفضيع، بالوسائل المشروعة والعناصر المتاحة وعبر القنوات الدبلوماسيّة والقوانين العالميّة.
نحن لا ننكر وجود بعض الأخطاء وصدور بعض المخالفات الشرعيّة من قيادات شعوبنا وحكّام بلداننا، لكن وبصرف النظر عن التفاصيل ينبغي علينا في مثل هذا الظرف الراهن العسير أن نضع الخلافات والنزاعات جانباً ونترك التجاذبات السياسيّة مؤقّتاً، ونجتهد في أن ننأى بأنفسنا عن تصفية الحسابات والقيام بأيّ معارضة في الساحات ضدّهم وكفّ اللسان وحفظه إلّا من خير، لكون مفاعيله في مثل تلك االأوضاع مثل وقع السيف، كما جاء في الأحاديث المخرجة في منابع أهل الجمهور المعتمدة. راجع:المسند للشيخ أحمد بن حنبل:2/212، الفتن للشيخ نُعيم بن حماد المروزي:116/ح350، سنن أبي داوود للشيخ سليمان السجستاني:2/306/ب3 كفّ اللسان/ح4265، سنن ابن ماجة للشيخ محمد بن يزيد بن ماجة القزويني:2/1312/ب12 كفّ اللسان في الفتنة/ح3968.
بل يلزم في بعض الأحايين حينما يسنح المقام ويتطلّب الموقف عدم خذلانهم وعدم التآمر عليهم باختلاق الفوضى والإرتماء بأحضان أعدائهم والعمالة لمناوئيهم بإعانتهم عليهم.
هذا، ومن المعلوم أنّه في حالة اعتداء عساكر الكفر وجحافل الاستكبار على بلاد المسلمين ومساكنهم الآمنة والقيام بغزوها لفرض أجندة الغرب عليها وتمرير سياسته وتطبيقها فيها بالقهر والقوّة، فإنّ الله تبارك وتعالى حينئذٍ لا يرضى لنا، حينما ينتفي عنّا الإكراه، الاصطفاف مع المسنكبرين كما لا يسمح لنا، عندما ينعدم عن حالنا الاضطرار، إعانتهم على المسلمين والركون إلى الظالمين الذين عاثوا في الأرض فساداً وضلالاً وفعلوا ما يُستوجب غضب الربّ سبحانه. كيف يرضى عزّ وجلّ بذلك وهم قد أعاقوا تطبيق شريعته وعارضوا منظومته وبارزوا أحكامه، فسفكوا الدماء ونهبوا الخيرات وروّجوا للمبادئ الهدّامة وزرعوا القيم الفاسدة ونشروا الأفكار العاطلة وأشاعوا المفاهيم الباطلة؟ حاشاه سبحانه من ذلك ومُنزّه تمام التنزيه.
نصيحتي لأبناء شعوبنا الكريمة فأقول: إيّاكم ثمّ إيّاكم أن تجعلوا دينكم تبعاً لدنياكم أو تبيعوه بدنيا غيركم، فذلك هو الخسران المبين في الدارين، وقد روي عنه الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: (إن جعلت دنياك تبعاً لدينك أحرزت دينك ودنياك وكنت في الآخرة من الفائزين، إن جعلت دينك تبعاً لدنياك أهلكت دينك ودنياك وكنت في الآخرة من الخاسرين). عيون الحكم والمواعظ للشيخ عليّ بن محمّد الليثي الواسطي:161/ب1/ف13.
والحذر كلّ الحذر أيّها الأجلّة من أن تُغامروا فتثقون بوعود طغاة اليهود وعتاة الغرب المعسولة وتجازفوا فتصدّقون شعاراتهم اللطيفة وكلماتهم الناعمة، وذلك لأنّهم لا عهد لهم معكم ولا ميثاق عندهم لكم. نعم، هم بارعون ببيع الأوهام على مجتمعاتنا. لاحظوا الوضع على أرض الواقع في بلداننا الحبيبة وأمعنوا النظر إلى غزّة المهدومة الخربة والضفة المسلوبة ولبنان الجريح ومصر المنتهكة والأردن المثقل والسودان المدمّر وسوريا المرتهنة، ولا أوّد الاستقصاء والإطالة عليكم بذكر النماذج لترسيخ الصورة وإثبات الفكرة، وسوف أطوي الكلام في هذه الجزئيّة مستشهداً بثلاثيّة نورانيّة بحديث نبوّي ومقولة علويّة وحكمة، فأمّا الحديث فقد جاء فيه أنّه: (لا يُلدغ المؤمن من جُحر مرّتين). صحيح البخاري للشيخ محمّد بن إسماعيل البخاري:7/103، ومشكاة الأنوار في غرر الأخبار للشيخ علي الطبرسي:551/ب8/ف7/ح1854. وأمّا المقولة العلويّة المرويّة عن سيّد العترة فقد جاء فيها: (العاقل من اتّعظ بغيره). عيون الحكم والمواعظ:47/ب1/ف1. وأمّا الحكمة المشهورة المحكيّة عن بعض العرفاء فهذا لفظها: «من جرّب المُجرّب حلّت به الندامة».
على أيّة حال، ينبغي أن لا ننسى أنّ أولئك الأباطرة الجبابرة والسلاطين الفراعنة ومن ينضوي تحت أمرتهم، سواء كانوا رتباً أو جنوداً، ويتطوّع منتظماً في صفوفهم لخدمة ستراتيجيّتهم وإدامة هيمنتهم، لا يرغبون لدولنا الخير، ولا يرتضون لكياناتنا التقدّم، ولا يودّون لشعوبنا الوحدة، ولا يسمحون لنا بالدوران بعيداً عن مدارهم والطيران خارج سربهم، ولا يعجبهم أن تعيش أُمّتنا الإسلاميّة وأقطارنا العربيّة منعتقة حرّة أبيّة منسلخة عن متبنّياتهم منفصلة عن مفاهيمهم رافضة إملاءاتهم مستقلّة في إدارة شؤونها متسيّدة في قراراتها مؤثّرة في الساحة الدوليّة.
والحقيقة يا أخوتي وأبنائي إنّ خكّام الغرب الغاشم إذا لم يعجبهم حال قطر من أقطارنا ولم يرق لهم تصرّفاته، حتّى لو كان حاكمه من حلفائهم أو دمية بيدهم لا يسبح عكس تيّارهم فلا استثناء له ولا حصانة، سارعوا إلى خلع قيادته بانقلاب أو تصفية، أو قاموا بالتضييق عليه وفرض الحصار، أو حرّكوا الجماعات الضلاميّة للبدء في الاقتتال الطائفي والنزاع الإثني، أو أجّجوا فيه الانقسام المجتمعي فاشتعل التشطّي بين شرائحه فانوجدت بذلك الفتن المنتنة. وهذا ما أشار له الأميركي جون بيركنز في كتابه إعترافات القاتل الاقتصادي أو الاغتيال الاقتصادي للأُمم.
وفي ضوء ذلك يصبح من الضروي على دولنا الشرعيّة تهيئة أجهزتها المتخصّصة لمراقبة ما يُحاك ضدّنا في الخفاء وما يُدبّر في الغرف المظلمة ودهاليز السياسة ويُدار من قبل دول الاستكبار والأنظمة المتواطئة معهم، كيما ينمّ تقييم الوضع بصورة دقيقة وتتّخذ التدابير اللازمة لتفادي انفلات الأمور المؤدّية إلى تخلخل النظام العامّ وسلامة تماسكه، وبالتالي إسقاط الأنظمة المنتخبة.
في ختام المقال يتوجّب عليّ القول أنّه لا صحّة لما يُشاع نقله على بعض الألسن وتتداوله بعض المنصّات من أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة هم المقصود بهم ما جاء في رواية الكابلي عن الإمام الباقر عليه السلام، وإليكم نصّها:
روى أبو خالد الكابلي عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: (كأنّي بقوم قد خرجوا بالمشرق، يطلبون الحقّ فلا يعطونه، ثمّ يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه، حتّى يقوموا، ولا يدفعونها إلّا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء، أما إنّي لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر). الغيبة للشيخ محمّد بن إبراهيم النعماني:281-182/ب14/ح50، بحار الأنوار للشيخ محمد باقر المجلسي:52/243/ب25 علامات ظهوره صلوات الله عليه/ح116.
ومعه، فليس من الصواب تطبيقه على جمهوريّة إيران الإسلاميّةة، بل من المستهجن إسقاطه عليها ومن المستنكر تنزيله عليها، وذلك لعدّة أسباب نجملها بالآتي:
السبب الأوّل: تذكرالرواية أنّ أُولئك الأقوام المشرقيّين لا تحمل سلاحها إلّا بعد رفض مطلبين لها تمّ تقديمهما إلى الجهات الأُخرى، والرواية وإن لم تبيّن من المقصود بالضبط بالمشرقيّين وما نوع الحقّ الذي يُطالبون بتحقيقه ومن هي تلك الجهات المقابلة، لكن بغض النظر عن ذلك فما يهمّنا ههنا هو تسجيل ما نعرفه ونتلمّسه من أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة كانت قد حملت السلاح على عواتق أبنائها منذ تأسيسها، ولم يتقيّد بمطلبين سابقين، والزعم بأنّ المراد به حقّها إنشاء المفاعل النووي السلمي وتخصيب اليورانيّوم، فهذا أيضاً لا يستقيم، لكون رفع السلاح قد تحقّق قبل ذلك من غير وجود تقديم مطلبين ولا جهات رافضة لهما، وبالتالي فإنّ الرواية لا تنطبق على واقعهم.
نقول هذا، ولا نعلم يقيناً ماذا تُخبأ الأيّام المقبلة حيث المهلة شارفت على الإنتهاء والصراع محتدم والقتال يزداد ضراوة والتصعيد يزداد حدّة والأمور بخطواتها المتسارعة كأنّها ذاهبة للأسوأ ومتدحرجة للأردأ. ونسأل البارئ سبحانه أن يُبعد شبح الحرب عن إيران، ويُنعم على جميع أمّتنا بالاستقرار والأمان.
السبب الثاني: متن الرواية يُخبرنا أنّ وجود الأقوام المشرقيّة وقيامها إنّما يكون قُبيل الظهور المبارك، ولذا نرى أنّ الإمام الباقر عليه السلام يُرسل إلينا رسالة إطمننان ويطبع أحاسيسنا بالثقة والسكينة فيؤكّد أنّ وقوع هذا الحدث المشرقي مؤذن بقرب ظهور الإمام القائم عليه السلام، وقد ذكر الكثير من الباحثين في الشان المهدوي هذا المعنى المتقدّم.
في حين أنّه لا توجد فيما بين أيدينا معطيات كافية تثبت أنّ دولة إيران الحاليّة ستواكب الظهور المقدّس وستبقى صامدة وسائدة.
وعليه، لا يمكن الجزم أنّ دولة إيران ستبقى حتّى زمن الظهور ومن ثمّ تُسلّم الراية إلى المعصوم، وبطبيعة الحال فإنّه قد مضى على تشكيل الدولة الإيرانيّة عشرات السنين وهي رافعة سلاحها أمام أنظار العالم، والحال أنّه لا يوجد شيء في الأُفق يُشعر بقرب الفرج المرتقب.
السبب الثالث: لا توجد قرينة مُطَمئِنة توحي بأنّ أولئك المشرقيّين لهم يومئذٍ دولة قائمة، كلّ ما هناك أنّهم مجموعة تطالب بحقّ يرتبط بها وربّما بحقوقها، ووفق هذا فإنّ المطالبة بالحقوق لا تختصّ بالدول القائمة، وإنّما يمكن أن تنطلق من المكوّنات والمُنظّمات والفصائل والأقليّات، فلاحظ.
علاوة على ذلك، فإنّ روايات ملاحم آخر الزمان وعصر الظهور لا تُشعر بوجود دولة دينيّة موالية قائمة ومستقرّة في إيران قُبيل الظهو ر. وكون انظلاق حركات ثوريّة من إيران باتّجاه بغداد لمقاتلة جيش اللعين السفياني هناك، لا دلالة قاطعة فيها على وجود دولة قائمة في الري (إيران)، فتأمّل.
ختاماً أرجو أن أكون نصحت فنفعت وأوجزت فكفّيت، واستغفر الله البصير من القصور والتقصير، والحمد لله سبحانه على توالي نعمه وتتابع مننه وتواتر فضله وإحسانه.
اللهم احفظ شعوبنا وثبّت أُمّتنا وسدّد قياداتنا الدينيّة الورعة وزعاماتنا السياسيّة المخلصة وقيضّ لأوطاننا من يقوم بخدمة أهلها ورعايتهم وحمايتهم، وأنصر من نصر دينك بالحقّ واخذل من خذل دينك بجاه حبيبك المصطفى وأهل بيته الطاهرين والأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat