الخيار الأتمّ لرواية (فَيَجفلُون عنهُ إِجْفَال الغَنَم)
جعفر صادق البصري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
جعفر صادق البصري

بسمه تعالى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى.
تحية وسلام في كلّ آن على حاكم الخلافة الراشدة الكائنة في آخر الزمان صاحب العصر وإمام الإنسوالجان.
وبعد،في ذكرى مولده العطر في شهر شعبان خطر ببالي ما يتداوله بعض الباحثين من على المنصّات والمنابرلرواية ترتبط بشؤونه عليه السلام وفيها الفقرة المنحوتة في عنوان الرسالة (فَيَجفلُون عنهُ إِجْفَال الغَنَم)،وبحسب مطالعتي فإنّي أجد في هذا المقطع المتعلّق بأصحاب بقيّة الله الحجّة هفوة أو سقطة، كونه لم يُفسّربصورة ناضجة ولم يستنطق بطريقة موزونة، بل شُرح من قبل الكثير بحسب ما يتبادر من ظاهره من دونالغوص في تفاصيل ما يكتنفه لقشع الغموض الذي يلفّه.
وأنا سأحاول في هذه الرسالة تسجيل بعض المؤاخذات عليه وبيان العلّة المتواجدة فيه.
والحقيقة أنّي كتبت عامّة هذه الملاحظات قبل بضع سنين وحدّثت بها بعض المقرّبين، ولكنّي توانيت عننشرها آنذاك، وأبقيتها أسيرة الصفحات ورهينة الدفتر، بيد أنّه قد حان الوقت بعد ما طعمتّها ببعضالبيانات كي تُعتق لترى النور ويُطلق سراحها وتتحرّر.
وللعلم فإنّ تلك الرواية التي أشرت لها وأودّ الخوض في فقرتها الغريبة رويت بسندين مختلفين وفي مصدرينمهمّين (الكافي وكمال الدّين) وبمفادين متقاربين، وأنّ اهتمامي فيما نحن فيه سوف لا يكون بناحية السند،المختلف فيه باختلاف المباني الرجاليّة من حيث توثيقه أو تضعيفه، وإنّما سينصبّ مسار البحث على ناحيةمضمون الحديث ودلالته.
وقبل الدخول في صلب الموضوع يتوجبّ عليّ من باب الموضوعيّة أن أنقل للقارئ العزيز نصّ الروايتين،ليكون عند نهاية الموضوع على دراية في سبب ترجيحي لإحدى الروايتين على الآخرى والميل إليها دونأُختها.
كما أجد أنّه يلزمني عدم إغفال بعض المقاربات قبل غلق الرسالة، حيث سأذكر بعض الآراء التي حاولت بكيفيّةمعينّة توجيه الفقرة الرماديّة والجزئيّة الملتبسة.
والآن أيّها الأحبّة أضع بين أيديكم نصّ الخبرين:
1- أخرج الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن الحسن بن محبوب عن بعض رجاله عن الإمام الصادق عليهالسلام قال:(كأنّي بالقائم عليه السلام على منبر الكوفة عليه قباء، فيخرج من وريان قبائه كتاباً مختوماًبخاتم من ذهب، فيفكّه فيقرأه على النّاس، فيَجْفلون عنه إجْفالَ الغَنَم، فلم يبق إلّا النقباء، فيتكلّم بكلام فلايلحقون ملجأ حتّى يرجعوا إليه، وإنّي لأعرف الكلام الذي يتكلّم به). روضة الكافي للشيخ محمد بن يعقوبالكليني:8/ 167/ح185، عنه بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار للشيخ محمد باقرالمجلسي:52/ 352/ب27/ح107.
2- أخرج الشيخ الصدوق في كمال الدّين بسنده عن محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثنا عمّيمحمّد بن - أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله الكوفي عن أبيه عن محمّد بن سنان عن المفضّل بن عمر قال:قال أبو عبد الله عليه السلام: (كأَنِّي أَنظر إِلى القائِم عليه السلام على مِنبرِ الكُوفة وحوله أَصحابه ثلاثمائةوثلاثة عشر رَجُلاً عدّةُ أَهل بدر، وهُمْ أصحاب الألوية، وَهُمْ حُكّام الله في أَرضه على خَلقه، حتّى يستخرج منقبائهِ كتاباً مَختُوماً بخاتم من ذَهَب، عهد معهُود من رَسول الله صلَّى الله عليه وآله، فَيَجْفلُون عنهُ إِجْفَال الغَنَمالبُكْم، فلا يَبقى منهم إِلّا الوزير وَأحَد عشرَ نَقيباً، كما بَقُوا مع مُوسى بن عِمران عليه السلام، فَيَجُولُون فيالأرض ولا يَجدُون عنهُ مَذهباً فَيرجعُون إليه، والله إنّي لأعرِفُ الكَلامَ الذي يَقوله لَهُم فيَكفُرون بِه). كمال الدينوتمام النعمة للشيخ محمد بن علي بن بابويه القمّي الملقّب بالصدوق:2/ 610/ب58/ح25، عنه بحارالأنوار:52/ 326/ب23/ح42.
إيضاح بعض معاني المفردات:
قوله عليه السلام: (كأنّي بالقائم) أي: كأنّي مع القائم عليه السلام وناظر إليه، فقد شبّه حالته العلميّة بحالتهالبصريّة في تحقّق وقوعها وتيقّنه.
القباء: ثوبٌ يُلبَسُ فوق الثياب.
قوله عليه السلام:(من وريان قبائه) أي: من باطنه أو من جيبه.
قوله عليه السلام: (فيجفلون) أي: هربوا مسرعين، أو ذهبوا مسرعين.
و (النقباء) جمع نقيب، والنقيب لغة: العريف والشاهد على القوم وضامنهم. والمقصود بذلك الأشراف منالمؤمنين. وسنعرف في طيّات البحث كم عددهم.
راجع: شرح أصول الكافي للشيخ محمد صالح المازندراني:12/ 196، والبحار: 52/ 326، وعوالم العلومللشيخ عبد الله البحراني:4/ 69 هامش، والوافي للشيخ محمد محسن الكاشاني المشتهر بالفيضالكاشاني:2/ 459.
نحن وأجواء المتن في المستندين:
لكي أكون واضحاً معكم منذ البداية أقول بكلّ صراحة: أنّي لا أستطيع المغامرة في قبول جميع ما ورد في متنرواية كمال الدّين والمراهنة عليه والمجازفة في الاعتماد على ما يترشّح منه، وذلك لمساسه بالعدّة الموصوفة بكلّخير ولتصادمه مع النصوص الكثيرة والمعطيات الوفيرة الحافلة بالأدلّة والشواهد والمؤشّرات على امتيازالثلاثمائة وثلاثة عشر (313) رجلاً من حيث قوّة إيمانهم وعظيم مؤهّلاتهم وشّدة طاعتهم وامتثالهم أوامرقائدهم ودورهم في نصرة إمامهم المهديّ عليه السلام.
وفي ضوء هذا التصوّر عنهم وبناء على التسليم بالأخبار التي سنرفدكم بها والأنباء التي ستطلّ عليكم،يكون من غير المقبول ما يقوم به بعض الفضلاء من التنويه إلى التقليل من إيمان العدّة (313) والنيل منثباته لموقف زُعم صدوره من جانبهم في مرحلة معيّنة.
في هذه الرسالة أحاول كشف خطأ فكرة التشكيك بحواري الإمام المنتظر الثلاثمائة وثلاثة عشر، وذلك منخلال الاستدلال ببعض المقاطع المنتقاة من الأخبار وببعض الشواهد المستقاة من الآثار، فتعال معي عزيزيالقارئ واستمع بوعي إلى ما عبّرت به النصوص عن أحوالهم وصفاتهم وامتيازاتهم، وإليكم أهمّها:
ألف- هم الأُمّة المعدودة والعدّة الموصوفة بالإخلاص، وأنّهم ولدوا بعد قانون المزايلة. فقد أخرج الشيخالعيّاشي في تفسيره بسنده عن عبد الأعلى الجبلي أو الحلبي عن الإمام الباقر، في حديث طويل نأخذبعضه، قال عليه السلام: (أصحاب القائم الثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، قال: هم والله الأُمّة المعدودة التي قالالله في كتابه: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّةٍۢ مَّعْدُودَةٍۢ} سورة هود:8، قال: يُجمعون في ساعة واحدة قزعاًكقزع الخريف). تفسير العيّاشي للشيخ محمد بن مسعود العيّاشي السمرقندي:2/ 57/ح49، والتفسيرالصافي للفيض الكاشاني:2/ 433.
وبأدنى تفاوت في الغيبة للشيخ محمد بن إبراهيم النعماني:247-348/ب13/ ح36، ومجمع البيان فيتفسير القرآن للشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي:5/ 246، والبرهان في تفسير القرآن للسيّد هاشمالبحراني:3/84/ح7.
وفي معتبر عن أبي خالد عن الإمام أبي جعفر في قول الله عزّ وجلّ: {فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِبِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا ۚ}سورة البقرة:148، قال عليه السلام: (الخيرات الولاية، وقوله تبارك وتعالى: {ۚأَيْنَ مَا تَكُونُواْيَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا} يعني أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً، قال: وهم والله الأُمّة المعدودة، قال:يجتمعون والله في ساعة واحدة قزع كقزع الخريف). روضة الكافي:8/ 313/ح487.
وفي معتبر أبي خالد الكابلي عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام قال: (المفقودون عنفرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدّة أهل بدر فيصبحون بمكّة، وهو قول الله عزّ وجلّ: {ۚأَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِبِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا}، وهم أصحاب القائم عليه السلام). كمال الدين وتمام النعمة للصدوق:2/ 593/ب57/ح21. ونحوه في غيبة النعماني:327/ب20/ح3.
وفي خبر عبد العظيم الحسني عن الإمام الجواد عليه السلام، في حديث عن القائم، قال: (وهو الذي تطوى لهالأرض، ويذلّ له كلّ صعب، يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، من أقاصيالأرض، وذلك قول الله عزّ وجلّ: {أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ ۚقَدِيرٌ} فإذا اجتمعت لههذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره). كمال الدين:2/ 352/ب36/ح2.
هذا التوصيف بالإخلاص لبيان حالهم تكرّر في حقّ المؤمنين بالإمام المهديّ عليه السلام وغيبته الثابتين علىعقيدته وولايته كما يعرب عنه معتبر الحسين بن خالد عن الإمام الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهالسلام. راجع: كمال الدين:1/ 287/ب26/ح16.
واللافت للنظر أنّ السيّد محمّد الصدر ذكر عدّة أسباب لتميّز هؤلاء (313) عن غيرهم وعدّ السبب الأوّل منها:اتّصافهم بالاخلاص من الدرجة الأولى. فراجع: تاريخ ما بعد الظهور:294.
وفي معتبر محمد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله سبحانه: {أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} سورة النمل:62، قال: (نزلت في القائم عليه السلام ... فيكون أوّل خلق الله مبايعة له- أعني جبرئيل-،ويبايعه النّاس الثلاثمائة والثلاثة عشر، فمن كان ابتلي بالمسير وافى في تلك الساعة، ومن لم يبتل بالمسيرفُقد من فراشه، وهو قول أمير المؤمنين عليه السلام: المفقودون من فرشهم، وهو قول الله عزّ وجلّ: {فَٱسْتَبِقُواْٱلْخَيْرَٰتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا}، قال: الخيرات الولاية لنا أهل البيت). غيبة النعماني:328/ب20/ح6، إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي:3/ 546/ح537.
وفي خبر أبي بصير عن الإمام الصادق في تفسير قوله سبحانه: {أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا ۚ} قالعليه السلام: (نزلت في القائم عليه السلام وأصحابه، يجتمعون على غير معاد). غيبة النعماني:248/ب13/ح37.
وفي خبر أبي بصير عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (إنّ القائم يهبط من ثنيّة ذي طوى في عدّة أهلبدر-ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً- حتّى يسند ظهره إلى الحجر الأسود، ويهزّ الراية الغالبة). غيبةالنعماني:329/ب20/ح9، إثبات الهداة:3/ 547/ح541.
وفي معتبرا علقمة الحضرمي عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عن الإمام علي عليه السلام قال: (قالرسول الله صلّى الله عليه وآله: يا علي، إنّ قائمنا إذا خرج اجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدد رجال بدر،إلى آخر ما جاء في الخبر). كفاية الأثر في النصوص على الأئمّة الإثني عشر للشيخ علي الخزّازالقمّي:267.
وفي معتبر جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام، في حديث طويل عن علامات ظهور الحجّة نأخذ قطعةمنه، قال: (فيجمع الله عليه أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، ويجمعهم الله له على غير ميعاد قزعاً كقزعالخريف، وهي- يا جابر- الآية التي ذكرها الله في كتابه: {أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّشَىْءٍۢ ۚقَدِيرٌ}، فيبايعونه بين الركن والمقام، ومعه عهد من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد توارثه الأبناءعن الآباء). غيبة النعماني:289/ب14/ح67، البحار:52/ 239/ب25/ح150.
لقد تكلّم الشيخ علي الكوراني في هذه الدائرة فقال: أنّه تعالى قدّر له أصحاباً خاصّين، من أقاصي الأرض،يأتيه بهم فيوافونه معجزة في ليلة واحدة، هم وزراؤه وحواريّوه>>. المعجم الموضوعي لأحاديث الإمامالمهديّ عليه السلام:305.
وجاء في خبر أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: لايزال النّاس ينقصون حتّى لا يُقال الله، فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدِّين بذنبه، فيبعث الله قوماً من أطرافها،يجيئون قزعاً كقزع الخريف، والله إنّي لأعرفهم وأعرف أسمائهم وقبائلهم واسم أميرهم ومناخ ركابهم، وهم قوميحملهم الله كيف شاء من القبيلة الرجل والرجلين حتّى بلغ تسعة، فيتوافون من الآفاق ثلاثمائة وثلاثة عشررجلاً عدّة أهل بدر، وهو قول الله: {ۚأَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ ۚقَدِيرٌ}، حتّى أنّالرجل ليحتبى فلا يحلّ حبوته حتّى يبلغه الله ذلك). الغيبة للشيخ محمد بن الحسن الطوسي:498/ح503.
قيل عن معنى (ضرب يعسوب الدّين بذنبه) أي: إنّه فارق أهل الفتنة، فيضرب في الأرض ذاهباً في أهل دينهوأتباعه الذين يتّبعونه على رأيه، وهم الأذناب، أو أنّ الضرب بالذنب كناية عن وثبته وتجريده سيفه، وليسالمراد من الذنب إلّا الأصحاب، أو أنّ الضرب بالذنب ههنا مثل للإقامة والثبات، يعني أنّه يثبت هو ومن تبعهعلى دينه.
والحبوة: من الإحتباء والذي هو ضمّ الساقين إلى البطن بالثوب أو اليدين، والمعنى أنّهم يُحملون على الحالةالتي كانوا عليها حتّى يبلغهم الله عزّ وجلّ مكّة المكرّمة بلا تعب ولا نصب. راجع: عوالم العلوم:4/ 67 هامش،وبشارة الإسلام في علامات المهديّ عليه السلام للسيّد مصطفى الحيدري:279.
الكلام في هذه الناحية يستدعي التذكير أنّ بعض الفضلاء يرى أنّهم هم المقصودون في حديث عبد الله بنمسعود معن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (إنّي لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم، همخير فوارس على ظهر الأرض يومئذٍ، أو من خير فوارس على ظهر الأرض يومئذٍ). صحيح مسلم:8/ 178/كتاب الفتن وأشراط الساعة/باب إقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجّال. راجع: تاريخ ما بعدالظهور:261، وأسئلة معاصرة حول الإمام المهدي:82، ومعجم أحاديث الإمام المهديّ عليه السلام:1/374/ح241.
وعلى أيّة حال، هذه العدّة الفذّة جاء توصيفها بالإيمان في خبر الحارث الهمداني عن أمير المؤمنين علي عليهالسلام قال: (إذا هلك الخطاب، وزاغ صاحب العصر، وبقيت قلوب تتقلّب من مخصب ومجدب، هلك المتمنّون،واضمحلّ المضمحلّون، وبقي المؤمنون وقليل مايكونون ثلاثمائة أو يزيدون، تجاهد معهم عصابة جاهدت معرسول الله صلّى الله عليه وآله يوم بدر لم تُقتل ولم تمت). غيبة النعماني:202/ب11/ح4.
وفي معرض تعليقه على شرح فقراته قال النعماني: أنّ الله عزّ وجلّ يؤيّد أصحاب القائم عليه السلام هؤلاءالثلاثمائة والنيف الخلّص بملائكة بدر>>. غيبة النعماني:202.
وربما يندرج في هذا المستوى ما رواه الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام،في ذيل حديث يصف به شيعته، قال: (وكذلك أنتم تُميّزون حتّى لا يبقى منكم إلّا عصابة لا تضرّها الفتنةشيئاً). غيبة النعماني:218/ب12/ح17، البحار:52/ 11٦/ب٢١/ح37.
وما رواه سدير الصيرفي عن الإمام الصادق، في حديث، يقول عليه السلام: (وكذلك القائم فإنّه تمتدّ أيّام غيبتهليصرح الحقّ عن محضه ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشىعليهم النفاق إذا أحسّوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم عليه السلام). كمال الدين:2/ 334/ب33/ ح51.
وما رواه أبو بصير عن باقر العلم عليه السلام، في حديث، قال: (وكذلك شيعتنا يُميّزون ويُمحّصون حتّىتبقى منهم عصابة لا تضرّها الفتنة). غيبة النعماني:218/ب12/ح18.
وما رواه الحسين بن خالد عن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن الإمام علي عليه السلام،في حديث ذكر فيه القائم، قال: (فلا يثبت على دينه إلّا المخلصون المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ الله عزّوجلّ ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيّدهم بروح منه). كمال الدّين:1/ 337/ب26/ح
وحيث إنّ مجموعة الثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً هي من خلّص شيعة أهل البيت الموقنين والشريحة المسلّمةوالقمّة الشامخة، ناهيك عن أنّها ثابتة على مبادئها، صلبة في عقيدتها، راسخة في إيمانها، فينبغي بقدرمرضي أن لا تضرّها الفتنة ولا يعصف بها الهرج ولا تزعزعها المحنة كما تصوّرها الرواية، بل لعلّ ذلك منلوازمه حينما نراجع مجمل المعطيّات الخاصّة بهم بنظرة فاحصة. وبتعبير بعضهم: هم خيرة الأرض يومذاك،فهم الصفوة المختارة الذين يختارهم الله عزّ وجلّ لهذا اليوم، فهم ليسوا من بلد واحد، بل من بلاد متعدّدة ومنقوميّات مختلفة، بل هم من قارات وأقاليم مختلفة أيضاً كما صرّحت عنهم الروايات والأحاديث الكثيرة>>. الإمام المنتظر وعلامات الظهور للسيّد قاسم الموسوي:202.
وفي سياق متّصل يضيف آخر فيقول: الواضح أنّ الله تعالى انتخب هذا العدد من الأفراد- ليكونوا منأصحاب الإمام المهديّ عليه السلام- لمزايا توفّرت فيهم وأَهّلتهم لهذا الشرف الخالد>>. الإمام المهديّ عليهالسلام من المهد إلى الظهور للسيّد محمد كاظم القرويني:491، مستقبل البشريّة في زمن حكومة المهديّ(عج) العالميّة للسيّد حسن زلزلي الحسني:307.
أقول: إنّ التعابير الروائيّة بصيغها المتعدّدة إن لم تكن مصرّحة فهي مشعرة بأنّهم لم يكونوا منتظمين ضمنتيّار مقاوم أو حركة مُمهّدة أو دولة دينيّة (ثيوقراطيّة)، وقد أومأ الصدر إلى لزومهم التقيّة خلال عصرالتمحيص السابق على عصر الظهور، كما في تاريخ ما بعد الظهور للصدر:498.
علاوة على ذلك فإنّ هذه الأوصاف الراقية والمدارج العالية التي يتحلّون بها يُمكن أبضاً انتزاعها من غيرالآخبار الآنفة الذكر ، كخبر عبد الله بن حمّاد الأنصاري عن رجل عن الإمام الصادق عليه السلام جاء فيه أنّهدخل عليه بعض أصحابه، فقال له: جعلت فداك، إنّي والله أُحبّك وأُحبّ من يُحبّك، يا سيّدي ما أكثر شيعتكم،فقال له: (اذكرهم، فقال: كثير، فقال: تحصيهم؟ فقال: هم أكثر من ذلك، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أما لوكملت العدّة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تُريدون، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه، ولاشحناؤه بدنه، ولا يمدح بنا مُعلناً، ولا يخاصم بنا قالياً، ولا يُجالس لنا عائباً، ولا يُحدّث لنا ثالباً، ولا يُحبّ لنامُبغضاً، ولا يبغض لنا مُحبّاً). غيبة النعماني:210-211/ب12/ح4.
وكذلك لا استطيع نفي الاحتمال بأنّهم هم المقصود بهم (عصابة الحقّ) التي تجتمع مع القائم عليه السلام كمافي خبر الصقر بن أبي دلف عن الإمام الهادي عليه السلام المروي في كمال الدين:2/ 356/ب37/ح9، فلاحظ.
باء- هم العدّة المحفوظة التي يحبّها الله تبارك وتعالى ويحبّونه، ففي رواية سليمان بن هارون البجلي اوالعجلي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنّ صاحب هذا الأمر محفوظة له أصحابه، لو ذهب النّاسجميعاً أتى الله له بأصحابه، وهم الذين قال الله عزّ وجلّ: {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰٓؤُلَآءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَابِكَٰفِرِينَ} سورة الأنعام:89، وهم الذين قال الله فيهم: {فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمࣲ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥۤ أَذِلَّةٍ عَلَىٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِينَ} سورة المائدة:54). غيبة النعماني:330/ب20/ح12.
وفي معرض التعليق على الخبر ذكر الشيخ محمد النجفي أنّ في هذا الخبر بشارة لمن كان مُسجّلاً في دفترالإمام القائم عليه السلام وكان اسمه في صحيفته، وإنّ هؤلاء يحفظهم الله سبحانه وتعالى من جميع فتن آخرالزمان، ويدفع عنهم البلاء، ويأتي بهم للإمام حتّى لو تلف النّاس كلّهم، ويُحضرهم له في مكّة بأجمعهم. راجع: بيان الأئمة للوقائع الغريبة والأسرار العجيبة للشيخ محمد مهدي النجفي:3/ 251-252.
ولا ريب في أنّ التبديل حادث وواقع في كافة الفرق والنحل، وسوف يطال جميع المذاهب والملل ولا يُستثنى أيّصنف منها، غاية ما هنالك أنّ النسب قد تختلف من طائفة لأُخرى، والأمر المثير أنّه قد أّشير إلى وقوع التبديلفي الذين يتشيّعون لأهل البيت كما في المروي عن الامام الصادق عليه السلام قال : (فيهم التمييز، وفيهمالتمحيص، وفيهم التبديل). غيبة النعماني:211/ب12/ح4. هذا من جانب.
ومن جانب آخر فإنّ من مظاهر التبديل ومصاديقه ما جاء في الخبر المروي عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام أيضاً أنّه قال: (لا يخرج من شيعتنا أحد إلّا أبدلنا الله به من هو خير منه، وذلك لأنّ الله يقول: {وَإِنْتَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاٰ يَكُونُوا أَمْثٰالَكُمْ} سورة محمّد:38). تفسير البرهان:5/ 57/ح5، البحار:23/ 387/ب22/ح94.
وفي ميدان هذه القضيّة المرتبطة بالرواية الكسيحة تساءل الأستاذ علي الزيدي: <<فهل يعقل بعد هذا أنينحرفوا عن جادّة الحقّ لمجرد عروض شبهة عليهم أراد إمامهم المهديّ عليه السلام عرضها لهم على نحوالامتحان والاختبار لما بعد الظهور؟ علماً أنّهم على يقين تامّ بأنّه الإمام الحجّة بن الحسن وطاعته واجبة، لأنّهإمام مفترض الطاعة، كونهم قد نجحوا في كلّ تمحيصات وبلاءات ما قبل الظهور، فكان استحقاقهم معرفةالإمام فأطاعوه كطاعة الأمة لسيّدها.
ثمّ تحدّث عن دلالة الآية قائلاً: إنّ هؤلاء الأبدال هم اختيار الله تعالى لعلمه بأنّهم أفضل ما موجود ضمن نظاقالتكامل الإنسي في عهد الإمام المهديّ عليه السلام ...إنّ الله تعالى قد أحبّ هؤلاء القوم وقد أضفى عليهمصفة الحبّ ... ومن يحبّه الله لا يمكن أن يبغضه على الإطلاق، ولذلك فهذا دليلاً عمليّاً على أنّ هذا العبدالمحبوب لن يقوم بايّة معصية، يغضب لها الربّ الجليل ... وإذا كان الأمر كذلك، كيف يأتي الله تعالى بقوم همبدلاء عن المرتدّين بحيث تحدّى بهم الفاشلين، ومن ثمّ يقوم أولئك البدلاء بالانقلاب والإرتداد بمخالفتهم أوامرإمامهم>>. أسئلة معاصرة حول الإمام المهدي (ع):٨٥-٨٧.
ويستمرّ في رسم الصورة المعبّرة عن تكاملهم قائلاً: <<عاشوا أعلى مراحل التمحيص والبلاءات في عصرغيبة الإمام المهديّ عليه السلام ونجحوا بها على أكمل وجه، فيكون حينها من الطبيعي أن يكملوا مسيرهمفي تمحيص وبلاءات ما بعد الظهور، لأنّهم الأولى بذلك، ولا يُعقل حينها فشلهم بحيث يأتي آخرون لميعيشوا ويعاصروا مرحلة الاختبارات الصعبة والمكثّفة أو عاشوا ولم ينجحوا بها، ليكونوا بدلاء عن أولئكالأصحاب ال(313)>>. أسئلة معاصرة حول الإمام المهديّ:94.
تاء- هم حكّام الله في أرضه وأمراء الأقاليم، ففي الخبر محلّ النقاش، أعني خبر المفضّل المروي في كمال الدين،قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام: (كأَنِّي أَنظر إِلى القائِم عليه السلام على مِنبرِ الكُوفة وحوله أَصحابهثلاثمائة وثلاثة عشر رَجُلاً عدّةُ أَهل بدر، وهُمْ أصحاب الألوية، وَهُمْ حُكّام الله في أَرضه على خَلقه، إهـ). كمالالدين:2/ 610/ب58/ح25.
وفي خبر عبد الله بن حمّاد الأنصاري عن محمّد بن جعفر بن محمّد عن أبيه الصادق عليه السلام قال:(إذا قامالقائم بعث في أقاليم الأرض، في كلّ اقليم رجلاً، يقول: عهدك في كفّك فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرفالقضاء فيه فانظر إلى كفّك واعمل بما فيها. قال: ويبعث جُنداً إلى القسطنطينيّة، فإذا بلغوا الخليج كتبواعلى أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا: هؤلاء أصحابه يمشونعلى الماء، فكيف هو؟! فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة، فيدخلونها فيحكمون فيها ما يريدون). غيبةالنعماني:334-335/ب21/ح8، وبعضه في دلائل الإمامة للطبري:467/ 452/ح56، وإثبات الهداة للحرالعاملي:3/ 573/ح712.
وينضوي تحت ذلك ما رواه الحسن بن ثوير بن أبي فاختة عن أبيه عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال:(إذا قام قائمنا أذهب الله عزّ وجلّ عن شيعتنا العاهة، وجعل قلوبهم كزُبُر الحديد، وجعل قوّة الرجل منهم قوّةأربعين رجلاً، ويكونون حُكّام الأرض وسنامها). الخصال للشيخ الصدوق:2/ 541/ب40/ح14، البحار:52/ 317/ب27/ح12.
وضمن هذا الإطار نحت الشيخ الكوراني العنوان التالي: يبعث الإمام عليه السلام أصحابه حكّاماً علىالعالم واستشهد تحته بخبر عبد الله بن حمّاد الأنصاري الآنف الذكر. راجع: المعجم الموضوعي:291.
وتحدّث الصدر عن الضمانات المنبثقة من صفات أصحاب الإمام فقال : التخطيط السابق على الظهورإيجادهم لانجاح هذه التجربة، لمشاركتهم- أوّلاً- بصفتهم قادة عسكريّين في الفتح العالمي، ومشاركتهم- ثانياً- بصفتهم رؤساء وحكّاماً لمناطق العالم وأقاليمه في الدولة العالميّة>>. تاريخ ما بعد الظهور:447.
ثمّ قام برفده موضّحاً: مقتضى الفهم العامّ للروايات الأخرى، هي أنّ الخاصّة الثلاثمائة والثلاثة عشر، همسيقومون بالقيادة العسكريّة الرئيسيّة منذ فتح العالم، وسيكونون هم أنفسهم الحكّام الذين يوزّعهم الإمامالمهديّ (ع) على مناطق العالم ... مضافاً إلى أنّهم الصفوة الذين هم في أعلى درجات الاخلاص من الجيلالمعاصر يومئذٍ من البشر أجمعين، فلن يجد المهديّ (ع) -عادة- غيرهم لتولّي الحُكم في العالم تحت إشرافهوقيادته>>. تاريخ ما بعد الظهور:491.
وبموازاة ذلك طرّز الأستاذ الزيدي ما يلي: <<كانوا هم أصحاب الألوية، أي: قادة الفتح العالمي في حروبالإمام سلام الله عليه، وكذلك هم حكّام الله في أرضه بعد الفتح المبارك، فدلالة الحديث ظاهرة بأنّهم فعلاً حكّامالله في أرضه. ثمّ يقول: إنّ أولئك الأصحاب من (313) هم عصارة البشريّة جمعاء، فهم بالتأكيد أفضلهموأكملهم، كونهم قد تخلّوا عن جميع الذنوب والمعاصي التي تعرض للبشريّة، مضافاً إلى حيازتهم لأفضلالكمالات>>. أسئلة معاصرة حول الإمام المهديّ:89 و 95.
وكتب الشيخ جعفر عتريسي عن منزلتهم السامية الآتي: أنّ للمهديّ عليه السلام أنصاراً كرّرت الرواياتالإشارة إلى عددهم (313) رجلاً، يظهر منها أنّ لهم موقعيّة خاصّة وفضلاً مميّزاً>>. ما قبل نهاية التاريخظهور قائم آل محمّد المهديّ المنتظر:505.
ودبّج القزويني جملته الآتية: الواضح أنّ هؤلاء من خيرة أهل الأرض يومذاك، وقد توفّرت فيهم المؤهّلاتالمطلوبة، واللياقة والكفاءة لإدارة الكرة الأرضيّة، وتدبير أمور النّاس أجمعين، كلّ ذلك تحت قيادة الإمام المهديّعليه السلام، وإرشاداته وتعاليمه>>. الإمام المهديّ (ع) من المهد إلى الظهور:465.
ثاء- هم أصحاب الألوية والنقباء، ففي خبر المفضّل عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (كأَنِّي أَنظر إِلىالقائِم عليه السلام على مِنبرِ الكُوفة وحوله أَصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رَجُلاً عدّةُ أَهل بدر، وهُمْ أصحابالألوية، إهـ). كمال الدين:2/ 610/ب58/ح25.
وفي معتبر المفضّل بن عمر الجعفي عن الإمام الصادق عليه السلام، في حديث، قال: (فأُتيحت له صحابتهالثلاثمائة وثلاثة عشر، قزع كقزع الخريف، وهم أصحاب الألوية، منهم من يُفقد من فراشه ليلاً، فيُصبح بمكّة،ومنهم من يُرى يسير في السحاب نهاراً، يُعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه. قلت: جُعلت فداك، أيّهم أعظمإيماناً؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً، وهم المفقودون، وفيهم نزلت هذه الآية: {ۚأَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُجَمِيعًا} ). غيبة النعماني:326/ب20/ح3،، البحار:52/ 368/ب27/ح153، معجم أحاديث الإمام المهديّعليه السلام للشيخ علي الكوراني:5/ 33/ح1456 . ونحوه في تفسير العيّاشي:1/ 67/ح118.
المفارقة أنّ هذا التشبيه (بالقزع) قد وصف به (جيش الغضب) الذي يخرج في آخر الزمان، كما في خبريالمسيًّب بن نجبة والأحنف بن قيس، فراجع: غيبة النعماني:325-326/ب20/ح1 و2.
قلت: والمظنون أنّ هذين الخبرين ناظران إلى تلك الأجواء.
ومهما يكن من أمر، فقد قيل في بيان معاني كلماته: <<أُتيحت: تهيأت، والقزع: قطع السحاب، ونسبته إلىالخريف لسرعة إجتماعه>>. بشارة الإسلام:278.
قوله عليه السلام: (هم أصحاب الألوية) إشارة إلى توفّر المؤهّلات فيهم لقيادة الجيوش والعساكر. راجع:الإمام المهديّ (ع) من المهد إلى الظهور:479.
وفي هذا المسار روى المفضّل عن الإمام الصادق عليه السلام في قصّة المهديّ أنّ الإمام المهديّ عليه السلامحينما يكون في مكّة ساعة الظهور ينادي عليهم بصرخة:(يا معشر نقبائي، وأهل خاصّتي، ومن ذخرهم اللهلنصرتي قبل ظهوري ... ثمّ يصبحون وقوفاً بين يديه، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدّة أصحاب رسول اللهصلّى الله عليه وآله بيوم بدر ... وأوّل من يُقبّل يده جبريل عليه السلام ثمّ يبايعه وتبايعه الملائكة ونجباء الجنّثمّ النقباء ... ويتابع فيذكر تكذيب النقباء لنداء الشيطان وتلبيتهم دعوة الإمام لقتل أعدائه). البحار:53/ 7-8/ب53/ح1. وبعضه في مختصر البصائر للشيخ حسن بن سليمان الحلي:182. والحديث طويل وفيهبعض الفقرات المشوّشة، وقد أخذنا منه موضع الشاهد وموطن الحاجة.
ولا يخفى أنّ عبارة (ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض) مُؤشّر واضح على هذا المعنى منالاجتباء والاختيار الخاصّ من الله عزَّ وجلَّ لهم. راجع: مركز الدراسات التخصصيّة في الإمام المهديّ عليهالسلام/سؤال: من الذي يختار أصحاب الإمام المهديّ عجّل الله فرجه، هل هو الله أم الإمام نفسه؟
المهمّ أنّ باحثاً آخر تحدّث عن خصوصيّات أصحاب الإمام مفصحاً بالآتي: << أصحاب المهديّ قادة الجيوشوأصحاب الألوية وحكّام الولايات على أيديهم يتحقّق النصر، يأتمرون بأمر سيّدهم لا يُخالفونه أبداً، أطوعإليه من العبد مع سيّده ومن الخاتم في خنصره، يستمعون كلامه ويلبّون نداءه، وأمّا عددهم فهو ثلاثمائةوثلاثة عشر عدد أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في بدر، وقد وردت الروايات من الطرفين- السنّةوالشيعة- بهذا المعنى>>. الإمام المهدي (عج) عدالة السماء للسيّد عبّاس علي الموسوي:227.
جيم- يُحمل البعض منهم على السحاب، وتُطوى الأرض للبعض الآخر كي يصلوا إلى قائدهم المهديّ عليهالسلام، ففي خبر أبي الجارود عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (أصحاب القائم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً،أولاد العجم، بعضهم يُحمل في السحاب نهاراً، يُعرف باسمه واسم أبيه ونسبه وحليته، وبعضهم نائم علىفراشه فيوافيه في مكّة على غير ميعاد). غيبة النعماني:329/ب20/ح8، البحار:52/ 369/ب27/ح157.
ورغم أنّ البعض حمل لفظة (أولاد العجم) على أساس التغليب كما في بشارة الإسلام:280، وبيان الأئمة:3/ 59. ولكن عند مراجعة بعض النصوص الضعيفة التي تطرّقت إلى أسمائهم ومدنهم تبيّن أنّها تُعطي عكسالمطلب وتحكي خلافه، فراجعها وأمعن النظر فيها.
وللعلم فإنّ الشيخ الكوراني رفض فكرة أنّ أصحاب الإمام من غير العرب، ونقد رواياتها وإليك نصّ عبارته:<<هذه النصوص معارضة بآخرى صحيحة تنصّ على أنّ أصحابه الخاصّين أبدال الشام، ونحباء مصر،وأخيار العراق، وعصائب العراق. نعم، هم قليلون بالنسبة إلى عدد العرب الكثير>>. المعجمالموضوعي:310.
وأيّاً ما يكن الوجه المرضي عنه، نعود لما كنّا فيه، ففي خبر المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السلام قال:(لقد نزلت هذه الآية في المُفتقدين من أصحاب القائم عليه السلام قوله عزّ وجلّ: {ۚأَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُجَمِيعًا}، إنّهم ليفتقدون عن فرشهم ليلاً فيصبحون بمكّة، وبعضهم يسير في السحاب يُعرف باسمه واسم أبيهوحليته ونسبه، قال: قلت: جُعلت فداك أيّهم أعظم إيماناً؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً). كمال الدين:2/ 610/ب58/ح24.
وفي هذا الوسط نجد الكوراني بعد أن صرّح بتواتر الأحاديث الحاكية أنّ الله سبحانه وتعالى يحضر للإمامأصحابه من أنحاء العالم إلى مكّة (قزعاً كقزع الخريف)، قال: <<سيرهم في السحاب نهاراً أنّ الله تعالىينقلهم إلى مكّة بالسحاب على نحو الكرامة والإعجاز، فلا يحتاجون إلى وسائل سفر ولا جوازات سفر>>. المعجم الموضوعي:425.
وذكر السيّد الصدر أنّ الروايات الناطقة أنّ عددهم (313) مستفيضة، بل تكاد تكون متواترة، كما في تاريخ مابعد الظهور:267.
يُشار إلى أنّه ثمّة تفاصيل أخرى وردت في هذا المضمار دلّت على أنّ تلاقي القادة بمكّة المكرّمة يكون على غيرميعاد، ففي خبر علي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام: (بينا شباب الشيعةعلى ظهور سطوحهم نيام، إذ توافوا إلى صاحبهم في ليلة واحدة على غير ميعاد، فيصبحون بمكّة). غيبةالنعماني:330/ب20/ح11، البحار:52/ 370/ب27/ح159.
وراجع ما روي فيهم من خصائص في كتاب الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة للشيخ علي بن محمد المالكيالمشتهر بابن الصبّاغ المالكي:2/ 1132/ف12.
قال الحيدري شارحاً: <<(على ظهور سطوحهم) يُنبأ عن أنّ ظهوره عليه السلام في الصيف>>. بشارةالإسلام:282.
وفي ضوء ما سلف عرضه، قال السيّد عبّاس الموسوي مُبيّناً: <<وصول هؤلاء القادة الأنصار في ساعةواحدة أو ليلة واحدة مع بيان كيفيّة الوصول المختلفة يدلّ على أنّ وصولهم عن طريق الإعجاز إكراماً لسيّدهموإكراماً لهم وتحقيقاً لإرادة الله النافذة في الأشياء>>. الإمام المهديّ (عج) عدالة السماء:231.
وعبّر بعض الفضلاء عنهم قائلاً: <<وردت أحاديث كثيرة في مدح هؤلاء الصفوة الذين اختارهم الله تعالىلشرف صحبة الإمام المهديّ عليه السلام وفي كيفيّة التحاقهم بالإمام وتواجدهم في مكّة، بل وفي القرآنالكريم آيات مُأَوّلة بهذه الجماعة>>. الإمام المهديّ (ع) من المهد إلى الظهور:484، والإمام المنتظر وعلاماتالظهور:203، ومستقبل البشريّة في زمن حكومة المهديّ عجّل الله فرجه الشريف العالميّة:301.
حاء- يطلب كل شيء رضاهم، وتفتخر الأرض بمرور أحدهم عليها، ففي خبر جابر الجعفي عن الإمام الباقرعليه السلام قال: (كأنّي بأصحاب القائم عليه السلام وقد أحاطوا بما بين الخافقين فليس من شيءإلّا وهومطيع لهم حتّى سباع الأرض وسباع الطير، يطلب رضاهم في كلّ شيء، حتّى تفخر الأرض على الأرضوتقول: مرّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم عليه السلام). كمال الدين:2/ 601/ب58/ح25، البحار:52/ 327/ب27/ح43، إثبات الهداة:3/ 494/ح248.
كم هي عظيمة هذه المنقبة لهم رضي الله عنهم؟ وكم هو غريب وعجيب ذلك الزمن المهدويّ والعصر الخاتمي؟إنّه متفرّد في معظم أدواره وأغلب حالاته.
جعلنا الله سبحانه وتعالى وإيّاكم من المواكبين لأحداثه المنافحين عن خليفة الله المتنّعمين بعدله والآمنين فيسلطانه، ومن جملة من ينصر بنا إمام زماننا ويذبّ عن دين جدّه المصطفى صلّى الله عليه وآله.
خاء- هم الركن الشديد، ففي خبر أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (ما كان قول لوط عليه السلاملقومه: {لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءَاوِىٓ إِلَىٰ رُكْنٍۢ شَدِيدٍۢ} سورة هود:.8، إلّا تمنّياً لقوّة القائم عليه السلام ولا ذكر إلّاشدّة أصحابه وإنّ الرجل منهم ليُعطى قوّة أربعين رجلاً، وإنّ قلبه لأشدّ من زبر الحديد، ولو مرّوا بجبالالحديد لقلعوها، ولا يكفّون سيوفهم حتّى يرضى الله عزّ وجلّ). كمال الدين:2/ 611/ب58/ح26، منتخب الأثرفي الإمام الثاني عشر للشيخ لطف الله الصافي الكلبيكاني:491.
زبر الحديد: قطع الحديد. والتشبيه للقلب بقطع الحديد وبالحجر لمزيد التأكيد على عظمة الشجاعة والجرأة،وعدم تطرّق الخوف والتلكؤ على القلب، أعني وجدان الإنسان وفكره. راجع: تاريخ ما بعد الظهور:352.
وفي هذا النطاق أخرج العيّاشي في تفسيره بسنده عن صالح بن سعد عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام فيقول الله: {لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءَاوِىٓ إِلَىٰ رُكْنٍۢ شَدِيدٍۢ} قال: (قوّة: القائم عليه السلام، والركن الشديد: الثلاثمائةوثلاثة عشر أصحابه). تفسير العيّاشي:2/ 156-157/ح55، عنه البحار:12/ 170/ ب8/ح30. ومثله فيتفسير القمًي للشيخ علي بن إبراهيم القمّي:1/ 336.
قال المجلسي: <<يحتمل أن يكون المعنى أنّه تمنّى قوّة مثل قوّة القائم وأصحاباً مثل أصحابه، أو مصداقهمافي هذه الأُمّة القائم وأصحابه، مع أنّه لا يبعد أن يكون تمنّى إدراك زمان القائم عليه السلام وحضورهوأصحابه عنده، إذ لا يلزم في المُتمنّي إمكان الحصول>>. البحار:12/ 170.
لقد روى عبد الرحمن بن كثير عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله عزّ وجلّ: {أَتَىٰٓ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلَاتَسْتَعْجِلُوهُ} سورة النحل:1، قال: (هو أمرنا، أمر الله عزّ وجلّ أن لا تستعجل به، حتّى يؤيّده الله بثلاثة أجناد:الملائكة، والمؤمنين، والرعب، الرواية). غيبة النعماني:204/ب11/ح9 و:251/ب13/ح43.
ويُلاحظ أنّه عليه السلام قد وصفهم بالإيمان.
وفي هذا الحقل المتعانق مع مستهلّ سورة النحل أخرج الشيخ محمد الطبري في دلائله بسنده عن إسماعيلبن عمر بن أبان عن أبيه عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أراد الله قيام القائم، بعث جبرئيل فيصورة طائر أبيض، فيضع إحدى رجليه على الكعبة و الأخرى على بيت المقدس، ثمّ ينادي بأعلى صوته {أَتَىٰأَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ}، قال: فيحضر القائم فيُصلّي عند مقام إبراهيم عليه السلام ركعتين، ثمّ ينصرفوحواليه أصحابه، وهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلاً، إنّ فيهم لمن يسري من فراشه ليلاً فيخرج ومعه الحجرفيلقيه، فتعشب الأرض). دلائل الإمامة :472/ 464/ح68.
وتحدّث الشيخ محمّد بن محمّد العكبري الملقّب بالمفيد في شأنهم معرباّ عن بيان حالهم بالتالي: <<الجماعةالتي عدّتهم عدّة أهل بدر إذا اجتمعت فلم يسع الإمام التقيّة ووجب عليه الظهور، لم تجتمع في هذا الوقت ولاحصلت في هذا الزمان بصفتها وشروطها، وذلك أنّه يجب أن يكون هؤلاء القوم معلوم من حالهم الشجاعةوالصبر على اللقاء والإخلاص في الجهاد وإيثار الآخرة على الدّنيا، ونقاء السرائر من العيوب وصحّةالعقول، وأنّهم لا يهنون ولا ينتظرون عند اللقاء>>. رسائل في الغيبة:3/ 11.
دال- ورد أنّ قلوبهم مُهذّبة من الشقاق وخالية من النفاق، ففي رواية إبراهيم بن مهزيار ولقائه بالإمام القائمعليه السلام حدّثه أنّ والده الإمام العسكري عليه السلام وصف له صفات من يبايعه بصفات عظيمة، فكان ممّاقال له: (وكأنّك يا بُنيّ بتأييد نصر الله وقد آن وتيسّر الفلج وعلوّ الكعب قدحان، وكأنّك بالرايات الصفر والأعلامالبيض تخفق على أثناء أعطافك ما بين الحطيم وزمزم، وكذلك... تلوذ بفنائك من ملأ براهم الله من طهارةالولادة ونفاسة التربة، مقدّسة قلوبهم من دنس النفاق، مهذّبة أفئدتهم من رجس الشقاق، لينّة عرائكهم للدِّين،خشنة ضرائبهم عن العدوان، واضحة بالقبول أوجههم، نضرة بالفضل عيدانهم، يدينون بدين الحقّ وأهله،إهـ). كمال الدين:2/ 411-412/ب43/ح19، البحار:52/ 35-36/ب18/ح28.
لاحظ كيف يصف الإمام مستوى إيمان العدّة الثمينة والعصابة النفيسة.
وثمّة من يؤكّد على أنّ أصحاب الإمام المهديّ يمتازون بقوّة الإيمان المتكامل، ولا طريق للشكّ إلى قلوبهم، بلإنّ قلوبهم مضيئة بنور المعرفة، وهم بعيدون عن الجهل، وعندهم الوعي الكامل، ويعتقدون بالإمام المهديّاعتقاداً راسخاً. راجع: الإمام المهديّ من المهد إلى الظهور:493-494، مستقبل البشريّة في زمن حكومةالمهديّ (عج) العالميّة:309.
وفي تصوّري أنّ المقام هنا يسمح لنا بالإلماع إلى أنّهم وحدّوا الله سبحانه حقّ توحيده، ففي خطبة منسوبةإلى الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام جاء في بعض مقطعها الآتي: (وأنّ المهديّ أحسن النّاس خَلقاًوخُلقاً، ألا وأنّه إذا خرج فاجتمع إليه أصحابه ثمّ إذا قام يجتمع إليه أصحابه، على عدّة أهل بدر وأصحابطالوت وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، كأنّهم ليوث قد خرجوا من غاب غاباتهم، [قلوبهم] مثل زُبَر الحديد، لوأنّهم همّوا بإزالة الجبال الرواسي لأزالوها عن مواضعها، وهم الذين وحَّدوا الله حقّ توحيده، لهم في الليلأصوات كأصوات الثواكل خوفاً وخشية من الله تعالى، قُوّام بالليل صُوّام بالنّهار، كأنّما ربّاهم أب واحد وأمواحدة، قلوبهم مجتمعة بالمحبّة والنصيحة). إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب للشيخ علي الحائري:2/ 200، ومثله في بشارة الإسلام:297.
واللافت للنظر أنّ هذا الوصف بمجموعه ينطبق على جماعة الحسني التي يُطلق عليها كنوز الطالقان، ففيخبر الفضيل بن يسار عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (له كنز بالطالقان ما هو بذهب ولا فضّة، وراية لمتُنشر، ورجال كأنّ قلوبهم زُبر الحديد، لا يشوبها شكّ في ذات الله، أشدّ من الحجَر، لو حملوا على الجباللأزالوها ... يتمسّحون بسرج الإمام عليه السلام يطلبون بذلك البركة، ويحفّون به يَقونَه بأنفسهم فيالحروب، ويكفونه ما يُريد ... رهبان بالليل ليوث بالنّهار. هم أطوع له من الأمَةِ لسيّدها .... كأنّ قلوبهمالقناديل، وهم من خشية الله مُشفقون، يَدعون بالشهادة، ويَتمنَّون أن يُقتلوا في سبيل الله، شعارهم يا لثاراتالحسين. إذا ساروا يسير الرُعب أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى إرسالاً، بهم ينصر الله إمام الحقّ). البحار:52/ 307-308/ب26/ح82.
لا جرم أنّه من خلال شعارهم يدرك المنصف إلى أيّ طائفة ينتمون وبأيّ أئمّة يقتدون.
يقول السيّد محمد الصدر معقّباً: <<من هذه الروايات أنّهم مؤمنون لا يبالون في الله لومة لائم، ولا يشوبقلوبهم شكّ في ذات الله، رهبان في الليل لا ينامون، إلى أن يقول: والإيمان الذي يتّصف بهذه الصفات، لهو منأعظم الإيمان وأقواه ... كما أنّ حسب الفرد أن لا يشوب قلبه شكّ في ذات الله عزّ وجّل، فهو يرى في كلّ أهدافهوأحكامه والموجودات حوله، عدلاً لا يشوبه ظلم، وصدقاً لا يشوبه كذب، ومصلحة لا يشوبها مفسدة. وعلىهذا كان سلوكه في عصر التمحيص السابق على ذلك،فكيف لا يكون كذلك بعده>>. تاريخ ما بعدالظهور:349-350.
ويضيف في موضع آخر: <<(يحفّون به) أي: يحيطون به (يقونه بأنفسهم في الحروب) أي: يحمونهويصونونه ويتحمّلون الموت دونه>>. تاريخ ما بعد الظهور:355.
وعن هذه الخصوصيّة التي يمتلكونها في القتال ندعو القرّاء للتأمّل في خبر داوود الرقي عن الإمام الصادقعليه السلام الحاكي أنّ أصحاب الإمام القائم يُقسمون له بالقسم الشرعي ويتحدّثون أنّه عليه السلام لوناوى بهم الجبال لناوياها معه، كما ورد في غيبة النعماني:187/ب10/ح29.
ويتناغم مع تمّ بسطه خبر الأعثم الكوفي عن الإمام علي عليه السلام قال: (ويحاً للطالقان، فإنّ لله عزّ وجلّ بهاكنوزاً ليست من ذهب ولا فضّة، ولكن بها رجال مؤمنون عرفوا الله حقّ معرفته، وهم أنصار المهديّ عليه السلامفي آخر الزمان). البيان في أخبار صاحب الزمان للشيخ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي:69، عقد الدررفي أخبار المنتظر للشيخ يوسف بن يحيى السلمي:189/ب5/ح187، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعالللشيخ علي المتّقي بن حسام الدّين المعروف بالمتّقي الهندي:14/ 591/ح39677، كشف الغمة في معرفةالأئمّة للشيخ علي الأربلي:3/ 268، منتخب الأثر:489.
والطريف أنّه في هذا المنحى ورد خبر المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السلام قال:(ثمّ يخرج الفتىالصبيح الحسني من نحو الديلم وقزوين، فيصيح بصوت له: يا آل محمّد أجيبوا الملهوف، فتجيبه كنوزالطالقان، كنوز ولا كنوز من ذهب ولا فضّة، بل هي رجال كزبر الحديد ... أميرهم رجل من بني تميم يُقال لهشعيب بن صالح، فيقبل الحسني فيهم ووجهه كدائرة القمر، فيأتي على الظلمة فيقتلهم، حتّى يرد الكوفة). الأنوار النعمانية للسيّد نعمة الله الجزائري:2/ 87، بشارة الإسلام:196-197.
ويبدو أنّ هذه الأوصاف منطبقة على الثلاثمائة وثلاثة عشر كما سنعرف، ولا تتأتى لغيرهم في عصر الغيبة،ففي خبر علي بن عاصم عن الإمام الجواد عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: (قال النبيّ صلّى الله عليهوآله لأُبي بن كعب في وصف القائم عليه السلام: إنّ الله تعالى ركّب في صلب الحسن عليه السلام نطفة مباركةزكيّة طيبة طاهرة مُطهّرة، إلى أن يقول: فهو امام تقى نقى سار مرضي هادي مهديّ يحكم بالعدل ويأمر به،يصدق الله تعالى ويصدقه الله تعالى في قوله.
يخرج من تهامة حين تظهر الدلائل والعلامات وله كنوز لا ذهب ولا فضه إلّا خيول مُطهّمة ورجال مُسومة،يجمع الله تعالى له من أقاصي البلاد على عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا معه صحيفة مختومة فيهاعدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم وطبائعهم وحلاهم وكناهم، كدّادون مُجدّون في طاعته، إهـ). عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق:2/ 64-65/ب6/ح29، عنه البحار:52/ 311/ب27/ح84.
هذا، يخبرنا أحد الباحثين في تعقيبه على تلك الأخبار مورد البحث ما لفظه: <<توصيفهم بالكنز المنسوبإلى الله تعالى ظاهر أيضاً في كونهم مدخرين مختارين من قبله عزَّ وجلَّ وبإرادة منه تعالى. ثمّ يستكمل:وبعد كلّ ما تقدّم لا بدّ أن نلتفت أنّ السبب في اختيار هؤلاء الأنصار وانتخابهم دون غيرهم ليس أمراً عفوياً أوعابراً، بل لملاكات توفّرت في هؤلاء الأنصار أدّت بهم إلى هذه الحظوة وهذه المزية، نتيجة الهمّة العاليةوالنجاح الكبير الذي حقّقوه في جميع مراحل التمييز والتمحيص والغربلة في انتظار اليوم الموعود>>. مركز الدراسات التخصصيّة/سؤال: من الذي يختار أصحاب الإمام المهديّ عجّل الله فرجه، هل هو الله أم الإمامنفسه؟
ذال- أنّهم الصالحون الموعودون بالاستخلاف وبوراثة الأرض. بمعنى أنّهم المراد بهم في الآية الخامسةوالخمسون بعد البسملة من سورة النور: {وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِىٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚيَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـًٔا}. ففي خبر أبي بصير عن الإمام الصادق في تفسير الآية قال عليه السلام:(نزلت في القائم وأصحابه). غيبة النعماني:247/ب13/ح35.
وهم المراد بهم في قوله سبحانه:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّٰلِحُونَ} سورةالأنبياء:105، فقد روى الحسين بن محمد بن عبد الله عن أبيه عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (قوله عزّ وجلّ:{أَنَّ ٱلْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّٰلِحُونَ}, هم أصحاب الإمام المهديّ في آخر الزمان). تأويل الآيات الظاهرة فيفضائل العترة الطاهرة للسيّد شرف الدّين علي الحسيني الأسترآبادي:1/ 332/ح22، البرهان في تفسيرالقرآن للبحراني:2/ 75/ح5.
راء- هم النجباء والأبدال والأخيار والحكماء، ففي خبر جابر الجعفي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (يُبايعالقائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدّة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام،والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم). الغيبة للطوسي:497/ح502، البحار:52/ 334/ب27/ح64. وبتفاوت في دلائل الإمامة:466/ 450/ح54، والمعجم الكبير للشيخ سليمان بن أحمد الطبراني:23/ 295، وعقد الدرر في أخبار المنتظر:141/ب4/ف2/ح135، والمستدرك على الصحيحين للشيخ محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري:4/ 478، ومعجم أحاديث الإمام المهديّ عليه السلام:1/ 508/ح348.
وفي هذا المدار روى حذيفة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال:(إذا كان عند خروج القائم، يُنادي مُنادٍ منالسماء: أيّها النّاس، إنّ الله قَطَع عنكم مدّة الجبّارين، وَوَلّى خير أُمّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم فألحقوابمكّة، فيخرج النجباء من مصر، والأبدال من الشام، وعصائب العراق، رهبان بالليل ليوث بالنّهار، كأنّ قلوبهمزُبَر الحديد، فيبايعونه بين الركن والمقام). الاختصاص المنسوب للشيخ المفيد:208، عنه البحار:52/ 304/ب26/ح73.
وبتفاوت بسيط روى أبو الطفيل عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: (إذا قام قائم آل محمّد جمع الله له أهلالمشرق وأهل المغرب، فيجتمعون كما يجتمع قزع الخريف، فأمّا الرفقاء فمن أهل الكوفة، وأمّا الأبدال فمن أهلالشام). تاريخ مدينة دمشق للشيخ ابن عساكر الدمشقي:1/ 297، وينابيع المودّة لذوي القربى للشيخسليمان بن إبراهيم القندوزي:2/ 434/ب73، والمعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي عليه السلام للشيخعلي الكوراني:276.
يذكر أنّ من الأحاديث التي ألمحت إلى هذا الجانب حديث أم سلمة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فيحديث خسف البيداء، قال: (فإذا رأى النّاس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق، فيبايعونه بين الركنوالمقام). سنن أبي داوود للشيخ سليمان السجستاني:6/ 344/كتاب المهديّ/ح4286، بتحقيق الشيخالأرنؤوط، والحاوي للفتاوي للشيخ عبد الرحمن السيوطي:2/ 126.
وروى أبو بصير عن الإمام الصادق، في حديث طويل نأخذ لقطة منه، قال عليه السلام:(في السنة التي يظهرفيها أمر الله عزّ وجلّ، وهم النجباء والقضاة والحكّام على النّاس ... ولكن هذه العدّة التي يخرج الله فيهاالقائم عليه السلام، هم النجباء والقضاة والحكّام والفقهاء في الدّين، يمسح بطونهم وظهورهم فلا يشتبهعليهم حكم). دلائل الإمامة للطبري:562/ 526/ح130، منتخب الأثر:490.
ومن النصوص التي تساعد على أن نجعلها ضمن هذه البيئة رواية الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين، فيحديث، قال عليه السلام: (هو المهديّ الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، تكون له حَيرَة وغَيبةيضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. فقلت: يا أمير المؤمنين، فكم تكون تلك الحيرة والغيبة؟ فقال: سبت منالدهر. فقلت: إنّ هذا لكائن؟ فقال: نعم، كما أنّه مخلوق. قلت: أُدرك ذلك الزمان؟ فقال: أنّى لك يا أصبغ بهذاالأمر؟ أُولئك خيار هذه الأُمّة مع أبرار هذه العترة. فقلت: ثمّ ماذا يكون بعد ذلك؟ قال: ثمّ يفعل الله ما يشاء، فإنّله إرادات وغايات ونهايات). غيبة النعماني:69/ب4/ح4.
وهذه الرواية كغيرها من الروايات التي لوّحت إلى تبعيد بعض أصحاب الأئمّة من معاصرتهم لفترة ظهورالإمام المهديّ المنتظر والتيئيس من إدراك زمنه. كما أنّها وصفت المعاصرين لزمنه المقتدين به بخيار هذه الأُمّة.
وبناء على ما تقدّم خطّ قلم الشيخ خليل رزق التالي: <<كان أصحاب الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريفالذين سيخرجون معه ويكونوا أوّل المبايعين له صنفاً، ونوعا آخر من النّاس.
فهم كما وصفتهم الروايات: الصلحاء والنجباء والفقهاء، المطيعون لأمره عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف،المشتاقون للشهادة بين يديه في سبيل اللّه عزّ وجل>>. الإمام المهديّ (ع) واليوم الموعود للشيخ خليلرزق:431.
زاي- لم يسبقهم الأوّلون ولا يُدركهم الآخرون، ففي الخبر المروي عن الإمام علي عليه السلام، وقد سأله رجل عنالإمام المهديّ عليه السلام، فقال: (فيجمع الله تعالى له قوماً قزع كقزع السحاب، يؤلّف الله بين قلوبهم، لايستوحشون إلى أحدٍ، ولا يفرحون بأحدٍ يدخل فيهم، على عدّة أصحاب بدرٍ، لم يسبقهم الأوّلون، ولا يُدركهمالآخرون، إهـ). المستدرك على الصحيحين:4/ 554، وعقد الدرر:128/ ب4/ف1/ح110.
في هذا البعد وهذا الصوب كتب بعضهم ما نصّه: <<فهؤلاء- من حيث المزايا والمؤهّلات- ليس لهم نظير فيالماضي، ولا يكون لهم مثيل في المستقبل، وقد قرأت قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (لم يَسبقهم الأوّلون،ولا يُدركهم الآخرون)>>. الإمام المهديّ من المهد إلى الظهور:491-492، مستقبل البشريّة في زمن حكومةالمهديّ (عج) العالميّة:308.
س- أسماؤهم مكتوبة على سيوف تنزل من السماء، ففي خبر أبان بن تغلب قال: كنت مع جعفر بن محمّد عليهالسلام في مسجد بمكّة وهو آخذ بيدي، فقال: (يا أبان، سيأتي الله بثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً في مسجدكمهذا، يعلم أهل مكّة أنّه لم يخلق آباءهم ولا أجدادهم بعد، عليهم السيوف، مكتوب على كلّ سيف اسم الرجلواسم أبيه وحليته ونسبه، ثمّ يأمر منادياً فينادي: هذا المهديّ يقضي بقضاء داود وسليمان، لا يسأل على ذلكبيّنة). غيبة النعماني:327-328/ب20/ح5.
ونظيره خبر أبان الآخر عنه عليه السلام قال: (سيبعث الله ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً إلى مسجد بمكّة، يعلمأهل مكّة أنّهم لم يولدوا من آبائهم ولا أجدادهم، عليهم سيوف مكتوب عليها ألف كلمة، كلّ كلمة مفتاح ألفكلمة، ويبعث الله الريح من كلّ وادٍ تقول: هذا المهديّ يحكم بحكم داود ولا يُريد بيّنة). غيبة النعماني:328-328/ب20/ح7.
وظاهره أنّهم جميعاً ليسوا من أهل مكّة، على حدّ تعبير الصدر في تاريخ ما بعد الظهور:286.
وتضاهيه بعض النصوص، من قبيل الخبر المروي عن ابن أبي حمزة عن صادق العترة عليه السلام قال: (إذاقام القائم نزلت سيوف القتال، على كلّ سيف اسم الرجل واسم أبيه). غيبة النعماني:252/ب13/ح45.
ومن قبيل ما أخرجه الشيخ الصدوق في كماله بسند معتبر عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليهالسلام: (سيأتي في مسجدكم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً- يعني مسجد مكّة-، يعلم أهل مكّة أنّهم لم يلدهمآباؤهم ولا أجدادهم، عليهم السيوف مكتوب على كلّ سيف كلمة تفتح ألف كلمة، فيبعث الله تبارك وتعالى ريحاًفتنادي بكلّ وادٍ: هذا المهديّ يقضي بقضاء داود وسليمان عليهما السلام، ولا يُريد عليه بيّنة). كمال الدّين:2/ 608-609/ب58/ح19.
وكتب مصطفى الحيدري مبيّناً: <<أنّ (يعني) من الراوي. قوله: (تُفتح ألف كلمة) يعني إنّ هذه الكلمة التيهي كناية عن قاعدة كليّة يستخرج منها ألف مسألة، وهذا من قبيل قول أمير المؤمنين عليه السلام: (علّمنيرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ألف باب من العلم، يُفتح لي من كلّ باب ألف باب)>>. بشارةالإسلام:347.
وعن معنى قوله عليه السلام: (يعلم أهل مكّة) عبّر الشيخ البحراني بما لفظه: <<كناية عن أنّهم لا يعرفونهمبوجه>>. عوالم العلوم:4/ 72 هامش.
ش- يُعلّمون النّاس القرآن في مسجد الكوفة، ففي رواية جعفر بن يحيى عن أبيه عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال: (كيف أنتم لو ضرب أصحاب القائم عليه السلام الفساطيط في مسجد كوفان، ثمّ يخرج إليهمالمثال المستأنف، أمر جديد، على العرب شديد). الغيبة للنعماني:334/ب21/ح6،البحار:52/ 365/ب27/ح142.
الفسطاط: خيمة كبيرة.
وقد يتساءل البعض حول ماهيّة الكتاب وماذا يتضمّن بحيث يجعل النّاس تنفر وتجفل وتبتعد هاربة منمحضر إمام الأُمّة وحكيم الخليقة ولا يبقى معه إلّا الطائفة المخلصة؟
وقد أُجيب عن ذلك بوجوه متفاوتة، أحدها: اعتبر هذا الكتاب هو الذي ورد الكلام عنه في النصوص بمفاد: أنّالقائم عليه السلام يُبايع على كتاب جديد، على العرب شديد. يراجع: غيبة النعماني:271/ب14/ح24 و:263/ب14ح13 و:238-240/ب13/ح18-23 وح28 و:201/ب11/ح1.
وفي هذا السياق روى أبو بصير عن الإمام الباقر عليه السلام، في حديث طويل، قال: (فيكون أوّل من يضربعلى يده ويبايعه جبرئيل وميكائل، ويقوم معهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمير المؤمنين، فيدفعانإليه كتاباً جديداً، هو على العرب شديد، ... فيقولون له: اعمل بما فيه). البحار:52/ 307/ب26/ح81.
جدير بالذكر أنّ هذا المعنى ورد في مصادر أهل الجمهور أيضاً، فقد ذكرت منابعهم الحديثيّة أنّ مع المهديّالفاطمي كتاب على العرب شديد.
ثانيها: يحتمل البعض أنّ فيه لعن أئمّة المخالفين، أو وجود أحكام جديدة. راجع: مرآة العقول في شرح أخبارآل الرسول للمجلسي:26/ 36.
وبعضهم يرفض الأوّل باعتبار أنّ الإمام لا يتصرّف بما يفرّق به الجمع ويبعثر ما يلمّ به الشمل.
ثالثها: يعتقد البعض أنّه الكتاب الذي فيه العهد بعدم الاستتابة وعدم المهادنة، واستدلّ له بخبر زرارة عنالإمام الصادق عليه السلام،في حديث تناول تلك المسألة، فقال: (إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سارفي أُمّته بالمنّ، كان يتألّف النّاس، والقائم يسير بالقتل، بذاك أُمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولايستتيب أحداً، ويل لمن ناواه). غيبة النعماني:237/ب13/ح14، البحار:52/ 353/ب27/ح109.
وأشير إليه في معتبر جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام حيث جاء فيه: (ومعه عهد من رسول اللهصلّى الله عليه وآله قد توارثته الأبناء عن الآباء). غيبة النعماني:291/ب14/ح67.
ومعتبر محمد بن مسلم عن الإمام أبي جعفر عليه السلام، في حديث، قال: (وكذلك القائم عليه السلام إذا قاميبطل ما كان في الهدنة ممّا كان في أيدي النّاس ويستقبل بهم العدل). تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي:6/ 154/ب70/ح1، والبحار:52/ 381/ب27/ح192.
وخبر أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (يقوم القائم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جديد، علىالعرب شديد، ليس شأنه إلّا السيف، ولا يستتيب أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم). غيبة النعماني:238-239/ب13/ح19. ونظيره في غيبة النعماني:263-264/ب14/ح13.
وخبر الثمالي عن الإمام الباقر عليه السلام،في حديث، قال: (يقوم بأمر جديد، وسنّة جديدة، وقضاء جديد،على العرب شديد، ليس شأنه إلّا القتل، ولا يستتيب أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم). غيبة النعماني:240/ب13/ح22.
وخبر أبي بصير عن صادق العترة،في حديث، قال عليه السلام: (والله لكأنّي أنظر إليه بين الركن والمقام يُبايعالنّاس على كتاب جديد، على العرب شديد، وقال: ويل لطغاة العرب من شرّ قد اقترب). غيبة النعماني:200/ب11/ح1.
يظهر من الخبر أنّ الشرّ المرتقب متوجّه إلى طغاة العرب. وقد يعضد هذا الاستظهار ما رواه الحارث الهمدانيقال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (بأبي ابن خير الإماء- يعني القائم عليه السلام من ولده عليه السلام-،يسومهم خسفاً، ويسقيهم بكأس مُصْبرة، ولا يعطيهم إلّا السيف هرجاً، فعند ذلك تتمّنى فجرة قُريش لو أنّ لهامفاداة من الدُّنيا وما فيها ليغفر لها، لا نكفّ عنهم حتّى يرضى الله). غيبة النعماني:235/ب13/ح11.
واختار هذا الوجه السيّد عبد الأعلى السبزواري في تعليقه على كتاب البحار:1/ 414.
ضرورة أنّ هذه الاجراءات وإقامة الحدود لا تعني أنّ الإمام سوف لن يقبل التوبة النصوحة من التائب في كلّحال. وعليه، فلا ينبغي الخلط بين الأمرين، ويدلّ على ما قلناه خبر بشير النبّال عن الإمام الصادق، فيحديث، قال عليه السلام: (ويح هذه المرجئة إلى من يلجؤون غداً إذا قام قائمنا؟ ... من تاب تاب الله عليه، ومنأسرّ نفاقاً فلا يبعد الله غيره، ومن أظهر شيئاً أهرق الله دمه، إهـ). غيبة النعماني:294/ب15/ح1.
ننتقل الآن معكم إلى المحاولات العلاجيّة لتأويل رواية كمال الدّين وتمام النعمة.
لقد حاول البعض توجيه الرواية توجيهاً ضعيفاً، حيث قال الكوراني: يُفهم من الرواية أنّ هذا الامتحان منالمهديّ عليه السلام لمدى وعي أصحابه وتحمّلهم يكون بعد أن يفتح العالم ويوزّعهم حُكاماً على البلاد، وأنّالقصد من الاختبار إعدادهم لمرحلة جديدة كالانفتاح على السماء والآخرة مثلاً>>. معجم أحاديث الإمامالمهدي عليه السلام:4/ 21. وألمح إلى ذلك في المعجم الموضوعي:361.
وهذا النمط من المقاربة في التكييف ممجوج، لكونه أشبه بالترقيع الشاذً منه إلى الإصلاح المقبول والرفّالمعقول.
أضف إلى ذلك أنّ امتحان وعيهم وتحمّلهم ينبغي أنّ يكون سابقاً على زمن الظهور، وهذا ما حكاه غير واحد. على أنّ إجفالهم وجولانهم في الأرض، كما سنسمع من السيّد الصدر، يصطدم مع ما ذُكر من مقاربة.
ومن المهمّ أن يتحدّد زمن الحدث (يجفلون)، من أجل تلمّس ملامحه وارتسام صورة واضحة عنه.
وبطبيعة الحال فإنّ زمنه لا يمكن أن يكون قبل الفتح العالمي والاستقرار السلطوي، وذلك لما سردناه فيتضاعيف البحث عن مرتبة إيمانهم وطبيعة إخلاصهم، كما يُستبعد أن يكون بعده، لأنّ جلّ أفراد (313)متواجدون ساعتئذٍ في مراكزهم العالميّة يمارسون وظيفتهم بشكل وآخر كنقباء وحكّام وقضاة خارج الكوفةوحواليها في المناطق القريبة والبلدان النائية. وفي هذه البيئة كتب الصدر الآتي: <<وبعد أن يستتبّ الحكمالعادل للمهديّ (ع) على البسيطة، سيكون هؤلاء الخاصّة في العالم موزّعين على مجموع الكرة الأرضيّة>>. تاريخ ما بعد الظهور:269.
هذا، ولوجود الإشكال الواضح في هذه الجزئيّة من الرواية ذهب الأستاذ علي الزيدي للقول: <<إن صحّتالرواية فإنّ التفرّق تفرّق طاعة، وليس تفرّق معصية أو لعقوبات يستحقّونها، وذلك لأنّ هؤلاء ال (313)أصحاب من طراز خاصّ وقد تربّوا التربية الإلهيّة المكثّفة التي جعلت منهم أصحاب همم تزول لها الجبال،وتفنى تحت أقدامهم الأمور الثقال>>. أسئلة معاصرة حول الإمام المهدي:71. بيد أنّه ذكر في ص78 ومابعدها وص92 خلاف ما بسطه، بل انطلق بعد ذلك بهمّة لهدمه حيث صرّح بوجود التناقض في متن الرواية.
وكيف ما يكن، فإنّنا نتحفّظ على كلمة (تفرّق طاعة)، إذ لا يوجد في المتن، ولو على نحو الإشارة، ما يُفهم منههذا المعنى، بل إنّ ما طرحه السيّد الصدر في هذا الشأن، كما سيأتي، هو بالضدّ تماماً من التعبير الذي صاغهالزيدي وعلى نقيض وصفه، بل إنّ ما جاء في أحد المستندات يوحي بأنّ لفظة (الإجفال) لها معنى غير محبّذ،ونستلف ههنا قطعة وردت في رواية عبد الأعلى الجبلي أو الحلبي وفيها يقول الرجل الذي هو من صلب أبيهللإمام:(إنّك لتجفل النّاس إجفال النعم، أفبعهد من رسول الله صلّى الله عليه وآله أم بماذا؟). تفسيرالعياشي:2/ 58/ح.49، البحار:52/ 343/ب27/ح91.
في المقابل يرى السيّد محمّد الصدر أنّ الخبر غير قابل للإثبات التاريخي كما جاء في تاريخ ما بعدالظهور:525.وكذلك قرّر الزيدي في أسئلة معاصرة حول الإمام المهدي:78.
بل إنّ الأستاذ الزيدي رفع من مستوى نقده له مّعلناً أنّه: <<متناقض في متنه مع الكثير من الأحاديثالمتواترة القائلة بأنّ أصحاب الإمام المهديّ عليه السلام يحملون من القابليات ما تؤهّلهم لأنّ يكونوا خيرمعين للإمام وبلا أيّ تأخير أو تلكّؤ>>. أسئلة معاصرة حول الإمام المهدي:79.
وفي تكملة نقد هذه الجهة قال الصدر عن عبارة (يجولون): << وليتهم إذ يهربون منه يكتفون بترك المجتمع أوالانصراف إلى العبادة أو الأعمال الخيريّة الصغيرة، لكنّهم يجولون في الأرض طلباً للناصرين لهم والمدافعينعنهم، ليكوّنوا جبهة معارضة ضدّ الإمام عليه السلام، أو بما ينوون مناجزته القتال إذا استطاعوا. ولكنهّمسيفشلون في مهمّتهم فشلاً ذريعاً، لأنّ عدل المهدي وهيبته وصحّة عقيدته وقانونه يكون قد سبق إلى كلّالقلوب والعقول فلم يبق في العالم أحد إلّا تابع المهديّ. ويسترسل فيقول: فيتفرّق النّاس عنهم بعد أن يعرفالنّاس مقاصدهم المنحرفة، ولا يستطيع هؤلاء أن يجدوا في البشريّة مؤيّداً ولا ناصراً>>. تاريخ ما بعدالظهور:523-524.
وبتعابير مقاربة سطّر الزيدي الجمل التالية: << إنّ أولئك قد عصوا وتنمّروا وجالوا البلدان من أجل حشدالجموع ضدّ إمامهم، فهل من المعقول مثل أولئك يبقون في دائرة الحبّ الإلهيً>>. أسئلة معاصرة حول الإمامالمهدي:87.
ثمّ إنّه ذكر انطباعه لما ترشّح من بعض النصوص الدالّة على فشل جميع المذاهب الأرضيّة والدساتير الوضعيّةفقال: <<إذن والحال هذه لا يبقى أيّ مذهب لم يطرح فكره ونهجه قبل ظهوره الشريف، وأصحابه ال (314)يعرفون ذلك على أتمّ المعرفة، فما الداعي بعدها الذي يحعلهم يجولون في الأرض ويبحثون فيها ليجدو مذهباًيكون لهم سنداً يستندون عليه ضدّ الإمام سلام الله عليه؟>>. أسئلة معاصرة حول الإمام المهديّ.92.
وأثناء تناوله لفقرة (فيكفرون به) قال: <<وهذا يعني كفرهم بالله تعالى، لأنّهم كفروا بالذي نصّبه الله تعالىإماماً على النّاس أجمعين، وهم قبل أن يستخرج الكتاب من قبائه من أشدّ الأصحاب يقيناً بإمامته وحجيّتهعليهم، كونهم خلاصة البشريّة في الإخلاص والإيمان، وعاشوا ما عاشوا من أجل هذا اليوم وحضورهمبإمامهم وقائدهم، فكيف يتخلّون عنه وعن مبادئهم وعن تربيتهم المعمّقة والمركّزة بهذه السهولة>>. أسئلةمعاصرة حوا الإمام المهديّ:92.
هذه الإشكالات وما يشاكلها هي التي تقف إمام رواية كمال الدّين وتمام النعمة.
نعم، طبق رواية الكافي لا نرى في المتن مخالفة تستحقّ التوقّف عندها، لكونها تتحدّث عن الجموع الغفيرةوشرائح المجتمع وطوائفه المُرحّبة بالنظام الجديد. وبطبيعة الحال فإنّ عقيدة جمهور النّاس غير متينة وآراءعامّة الشعوب غير مبنيّة على أدلّة قويمة، ولذا تجدها سريعة التحوّل خفيفة التنقّل، قلوبها متغيّرة وأفكارهامتقلّبة، والمتتّبع للأخبار والسيرة يعلم أنّه لا غرابة في ذلك ولا شائبة، حيث ورد ما يؤيّد ذلك في روايات زمنالظهور، ففي رواية إبراهيم بن عبد الحميد قال: أخبرني من سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إذا خرجالقائم عليه السلام خرج من هذا الأمر من كان يرى أنّه من أهله، ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر). غيبةالنعماني:332/ب21/ح1.
بل سيعاني جيش الإمام المهديّ ومناصريه من هذا وغيره، فبعضهم سيفزعه هول منظر القصاص وتطبيقالجزاء، ومنهم من سيسيء الظنّ بخطّة الإمام، ومنهم من سيضمر نفاقاً لحين توفّر فرصة الفرار، وإليكم بعضالقطات والمؤشّرات المثبتة لهذا التصوّر، ففي رواية أبي الجارود عن الإمام الباقر عليه السلام جاء فيها أنّالإمام المهديّ عليه السلام يقول لأصحابه المتوّجه بهم إلى عاصمته العراقيّة:(ألا لا يحملنّ رجل منكم طعاماً ولاشراباً ولا علفاً، فيقول أصحابه: إنّه يُريد أن يقتلنا ويقتل دوابنا من الجوع والعطش). غيبة النعماني:244/ب13/ح28.
كأنّ الرواية تُشير إلى انتهاء الحضارة والتقنيّة ورجوع البشريّة إلى وسائلها القديمة.
على أيّه حال، فإنّ قانون الغربلة مستمرّ، وهذا اللون من الابتلاء قد ذكره القرآن المجيد والدساتير المعصوميّة،ومن النماذج العترويّة المؤكّدة له معتبر معمّر بن خلّاد عن الإمام أبي الحسن عليه السلام حيث ذكر أنّ النّاستُفتن ثمّ تخلص كما يخلص الذهب. راجع: غيبة النعماني:210/ب12/ح2.
وجاء في خبر أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنّه كما أُبتلي أصحاب طالوت بالنهر، سيبتلىأصحاب القائم بمثله. راجع: غيبة النعماني:331/ب20/ح13، وغيبة الطوسي:472/ح491، والبحار:52/ 332/ب27/ح56.
في المحصلّة النهائيّة لا يستحسن إطلاق الكلمات وإصدار الأحكام القاسية وما إلى ذلك بحقّ العدّة المؤمنةالمهذّبة أو الميل إليه. وبما أنّنا مرتادون، أي: طالبون لجهة الحقّ راغبون لضفة الصواب قاصدون لناحيةالصدق، فيلزم أن نكون منصفين ونعتمد طريقة تنقيح المواضيع وتحقيق المسائل وتنضيج المباحث ليبنيعلى الشيء مقتضاه بصورة علميّة صحيحة.
وبالجملة: لا يُقبل من بعض الباحثين التشكيك بأصحاب الإمام المنتظر الخلّص رضي الله عنهم والطعن فيصلابة إيمانهم به وصرامة طاعتهم له وثباتهم على التسليم له.
في الختام نُنبّه طالب العلم الساعي بجدّ للوصول إلى الحقيقة على أن لا يتجاوز في نهاية مطاف بحثهالقاعدة الدرائيّة القائلة: (خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر)، لكون الموروث الروائي طافحاً،تصريحاً تارة وتلميحاً تارة أخرى، بمدح العدّة المُعدّة الثابتة، مشيداً بمواقفهم وحسن انقيادهم لتعاليمإمامهم.
وقد حاولت العمل على إبراز هذه الجنبة في هذه الرسالة الزاخرة بالمستندات والمّطعّمة بالشروحات، وأرجو أنأكون قد وفّقت لذلك، راجياً العفو عن الهفوات غير المقصودة، والأخطاء غير المتعمّدة.
والحمد لله ربّ العالمين على نعمه وتوفيقاته والصلاة والسلام على سيّد المرسلين الحبيب الأمين وعلى آلهالطيّبين الطاهرين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat