أخلاقية الفتوح الإسلامية ح1
الشيخ عبد الرزاق فرج الله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ عبد الرزاق فرج الله

قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} البقرة/190
الآية الكريمة تحدد مسار الحروب والفتوحات الإسلامية وذلك من خلال القيم والمبادئ العملية التي تبناها الإسلام وأعد عليها القائد الإسلامي قبل الحرب وفي أثنائها وتتلخص هذه المبادئ والأخلاق في الأمور التالية:
الأول: إن أي حرب أو فتح إسلامي لا يتم إلا بعد أن يشكل الطرف الآخر- غير المسلم- خطراً حقيقياً على الإسلام والمسلمين ويتحول إلى غدة تفرز الأذى وتتربص الفرص للوقيعة بالدين والمجتمع.
{وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} التوبة:12.
الثاني: إنه لا يتم اتخاذ أي إجراء عسكري إلا بعد الإنذار والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ* وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} النحل125/126.
وقد حدث لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع (رعية) الذي كان متمرداً على الإسلام. وقد دعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتاب كتبه له على قطعة أو أديم قائلاً له: {أسلم تسلم} فأخذ (رعية) الكتاب ورقّع به دلوه مخالفاً بذلك أدب المعاملة خصوصاً مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانت ابنته قد أسلمت وتزوجت في بني هلال، فلما رأت ذلك منه قالت له: أهكذا تفعل بكتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ والله ما أراك إلا أن يصيبك بقارعةٍ من عنده.
ولما بلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسل له سرية من جيشه، فدخلت القرية وأخذت أمواله واحتجزت عائلته.. وعندها جاء (رعية) إلى المدينة مرتدياً سملة كان إذا سحبها على رأسه بدت سوأته وبالعكس فدخل المدينة ليلاً وسأل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقيل له: يأتي صباحاً فلما أصبح الصباح جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتقدم إليه (رعية) ليقبل يده فسحبها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: من أنت؟
قال: (رعية). قال (صلى الله عليه وآله وسلم): أنت الذي رقعت دلوك بالكتاب؟
قال: نعم.. قال: ما عندك؟
قال: أريد أموالي وولدي.. قال (صلى الله عليه وآله وسلم): أما أموالك فقسمت ولو أدركتها قبل التقسيم لرجعت إليك وأما أهلك وولدك فإنهم لك ثم أشار إلى بلال ليأخذه إلى أهله وولده فأخذه وسلمهم له.
فناهيك عن صورة الأدب واللين التي تجسدت في أسلوب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تجاه (رعية)، من دعوته إلى الإسلام إلى الإجراء العسكري الذي لم يكلف (رعية) إلا خسارة مالية، في مقابل تكبره واستخفافه برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
الثالث: وضع الإسلام في منهجه العسكري مسلمات أخلاقية ثابتة تدعو إلى قصر الحرب على ساحة المعركة وعدم التعدي إلى غيرها من المساحات لأن الهدف ليس هو الاحتلال أو اقتطاع الأراضي من مالكيها وضمها إلى دار الإسلام.
ولو كان المسلمون يطمعون في جمع المال واحتلال الأراضي فكيف يلتزمون غالباً بإبقاء الأراضي المفتوحة خصوصاً المحياة بشرياً على ملك أصحابها يستثمرونها ويستفيدون منها؟ ولماذا يقرون حريتهم باختيار دينهم وممارسة عباداتهم ولم يجعلوهم عبيداً لهم؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat