(والذين ينقضون عهدَ اللهِ من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمرَ الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) الرعد:25
للبحث في الآية عدة خُطوات:
الأولى: معنى العهد هو: الأمان واليمين والموثق والذمة والحفاظ والوصية، وعهدَ إليه من باب فهم أي أوصاه، ومنه اشتق العهد الذي يكتب للولاة، وتقول: عليَّ عهد الله لأفعلن كذا، والعهدة كتاب الشراء، وهي أيضا الدرك، والعهد والمعهد المنزل الذي لا يزال القوم اذا انتأوا عنه رجعوا إليه، والمعهد الموضع الذي كنت تعهد به) مختار الصحاح 1/192.
والعهد يأتي بمعنى الحلف بين القوم، وقد حالفه أي عاهده، وتحالفوا، أي: تعاهدوا، وفي حديث أنس: حالف رسول الله (ص) بين المهاجرين والأنصار في دارنا مرتين أي: آخى.
الثانية: أهمية العهد، فانّ للعهد قدسية عظمى في شرائع السماء، وهو روح وجود الإنسان، وجوهر رابطته بالله عز وجل، على مستوى العقيدة والسلوك، قال تعالى: (وأوفوا بالعهدِ إن العهدَ كان مسؤولا) الإسراء: 34 . ولمسؤولية العهد وجهان:
1- أن يكون تقديره، أن ذا العهد كان مسؤولا عن الوفاء بعهده، وهو الإنسان نفسه المنوطة به مسؤولية الوفاء بالعهد.
2- ان تكون نسبة السؤال الى العهد نسبة مجازية كما في قوله تعالى: (واذا الموؤُدة سُئلت) فسؤال الموؤُدة حجة على من أجرم في حقها، كذلك يسأل العهد تبكيتا لمن نكثه.
وفي الحديث (خمس بخمس، ما نقض العهدَ قومٌ إلا سلّط اللهُ عليهم عدوّهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات، وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حُبس عنهم القطر...) تفسير البيضاوي 5/463.
وجاءت بيانات الشريعة متضافرة على قدسية العهد، ابتداءً من التعامل مع الطفل، وتربيته على الوفاء بالعهد، بالوفاء له، كما ورد عن الامام الصادق (ع) قال: قال رسول الله (ص): (أحبّوا الصبيان وارحموهم واذا وعدتموهم فأوفوا لهم، فانهم لا يرون إلا أنكم ترزقونهم) الوسائل 5/26.. وانتهاء بالمجتمع في علاقاته ومعاملاته ومعاهداته حتى مع العدو.
فقد جاء عن الامام علي (ع) في عهده إلى واليه على مصر. (مالك الأشتر) قوله: (واذا عقدت بينك وبين عدوك عقدة، أو ألبسته منك ذمة؛ فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة، فانه ليس من فرائض الله شيء الناس؛ أشد عليه اجتماعا مع تفرق أهوائهم، وتشتت آرائهم من الوفاء بالعهود..) نهج البلاغة 3/117 محمد عبده. ليؤكد الامام (ع) في هذا البيان: أن العهد بين المسلمين أنفسِهم من باب أولى هو من أقدس الروابط والصلات.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat