صفحة الكاتب : الشيخ عبد الرزاق فرج الله

الإيمانُ من سطح القول الى عمق العمل ح2 
الشيخ عبد الرزاق فرج الله

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   ذكرنا في العدد السابق الخطوة الأولى في البحث عن الآية: (يا أَيُّهَا الذِين آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالكِتابِ الذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِن قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) النساء: 136
أما الثانية: مع كون المخاطب هم المؤمنون بالله تعالى، فما معنى هذا التأكيد عليهم في الأمر بالايمان؟ فهناك عدة أقوال للمفسرين في ذلك، كلها تنطوي على فوائد وثمار تربط على العقيدة وتدعم الإيمان:
الأول: إن الخطاب موجه لأهل الكتاب الذين آمنوا برسالاتهم وكتبهم وأنبيائهم، فأمرهم اللهُ تعالى أن يؤمنوا برسول الله ص خاتم الأنبياء والرسل، ويؤيد هذا ما ذكره ابن عباس، من: أن الآية نزلت في عبد الله بن سلام، وأسد وأسيد ابني كعب، وثعلبة بن قيس، ويامين بن يامين، وهم من كبار أهل الكتاب، قالوا لرسول الله ص: نؤمن بك وبكتابك وبموسى وبالتوراة وعزير، ونكفر بما سوى ذلك من الكتب وبمن سواهم من الرسل، فنزلت الآية.
فأراد اللهُ عز وجل منهم الإيمان الشامل؛ لأن في هذا المقترح الذي حمله هؤلاء الى رسول الله ص دلالة على النفس اليهودي المخادع، والحاقد على رسالات السماء، كما أن فيه دلالة التقلب المزاجي لليهود في مواقفهم فان هكذا تجزئة للإيمان وشرذمة للموقف لا توجد غالبا إلا عند اليهود الذين يرون لأنفسهم فقط حق الوجود والحياة والاختيار لأنهم شعب الله المختار، والمفوض اليه متى يؤمن ومتى يكفر، وبأي عقيدة يؤمن وبأيها يكفر، بينما نص القرآن الكريم على ضرورة الإيمان الشامل الذي يخضع للأمر الالهي لا للمزاج والهوى والذوق الذي هو الضلال بعينه.
الثاني: ان الخطاب موجه الى المؤمنين على الحقيقة، الذين آمنوا بالله ورسوله وكتبه ورسله وملائكته، ولم يفرقوا في ايمانهم بين الرسالات السماوية، ولقد جاء في مقام المقارنة بين من آمن ايمانا شاملا وبين غيره ممن فرق بين الله ورسله، فقال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً * أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) النساء: 150-152.
  ففي قوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله...) أمرهم بأن يثبتوا على ما هم عليه من الإيمان الشامل... وهذا هو المستفاد من موقف المؤمن المصلي بين يدي ربه عز وجل، حيث يكرر قوله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم) فان طلب الهداية في لسان المؤمن المصلي يرمز الى طلب الثبات على الصراط التي تعتبر مصدر العون والمدد الروحي لتثبيت الانسان المؤمن على دينه.
الثالث: وهو المعتمد من الآراء، ان المراد به: يا أيها الذين آمنوا ظاهرا بالاقرار بالله ورسوله، آمنوا في الباطن ليوافق باطنكم ظاهركم، وهي خطوة لنقل ايمان الانسان من القول الذي يحقن الدم والمال، الى الايمان القلبي الذي يصل به الى القناعة، فاذا قال الانسان مثلا (لا إله الا الله) فلا يكون مؤمنا بوحدانية الله الا بعد أن يخطها قلم العقل في لوح القلب، لتتحول هذه العقيدة الى منهج عمل في حياة الانسان المؤمن، ولذلك قال الله تعالى:
(قالَتِ الأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ...) الحجرات:13، وقال تعالى: (قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ...) المائدة: 41
  وهناك درجة أعلى من الأيمان القلبي، وهي درجة الاطمئنان.. فمثلا: كل منا يؤمن بأن العقرب اذا اقتلعت شوكتها السامة لا تضر، إذ لا تعدو كونها حشرة عادية، ولكن الكثير يتهيب او يتخوف من امساكها، وذلك لفقدان عنصر الاطمئنان، وعدم الارتياح لذلك.
وفي مثل هذه الحالة يحتاج الحصول على الاطمئنان الى عملية ترويض تكون في غالب الاحيان شاقة على النفس.
فالاطمئنان بخطوط العقيدة الاسلامية يحتاج الى عملية ترويض وتوطين للنفس على المشاق والمصاعب، وبذلك يتوفر الاحساس بدفء الايمان، كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد:28.
فاطمنان القلب هو: استقراره واتساعه بنور الايمان واشعاعاته الروحية، التي تدرعه بطاقة عليا من الشجاعة والتحمل والمثابرة والصبر في سبيل مرضاة الله عز وجل.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ عبد الرزاق فرج الله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/07/26



كتابة تعليق لموضوع : الإيمانُ من سطح القول الى عمق العمل ح2 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net