من كربلاء إلى معركة الوعي وبناء الدولة
يوسف السعدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يوسف السعدي

نقف مجددًا على أعتاب شهر محرم الحرام، هذه المحطة السنوية التي لا تمر عبورًا في وجدان الأمة، بل تتجدد فيها معاني الثورة والمبادئ والقيم، إنها ذكرى الملحمة الحسينية التي أضاءت دروب الإنسانية بنور الحق والتضحية والكرامة، ووجهت رسالة خالدة لكل الأجيال: ارفضوا الذل، واطلبوا الإصلاح، واسعوا لعدالة لا تُهان فيها كرامة الإنسان.
في غرة هذه الأيام الجليلة، نجدد العهد مع الحسين بن علي (عليهما وألهما أفضل الصلوات) مع ذلك المشروع الإنساني الذي امتد من كربلاء ليصوغ الوعي الجمعي للأحرار في كل زمان ومكان، عهدٌ يسري في شراييننا حبًا وولاءً، ويُترجم في مواقفنا التزامًا لا يحيد عن طريق الحق، ونصرة المظلوم، والثبات على المبادئ مهما اشتدت الخطوب. فشعار الإمام: هيهات منا الذلة، لا يزال نبراسًا لنا نستمد منه قوة الإرادة، وعزيمة التغيير، وجرأة المواجهة.
إن ما تشهده منطقتنا من اعتداءات متكررة، خاصة العدوان الإسرائيلي الأمريكي على الجمهورية الإسلامية في إيران، وما يرافقه من قصف لغزة، وحصار للضفة، وتهديد للبنان وسوريا واليمن، ليس حدثًا عابرًا يمكن السكوت عنه، بل هو انتهاك سافر للقانون الدولي، واستهانة مكشوفة بأمن شعوبنا.
إيران، الدولة الإسلامية الشقيقة، والركن الفاعل في معادلة الإقليم، وقفت تاريخيًا إلى جانب العراق ودعمت مسيرته السياسية منذ عام 2003، فمن غير المقبول، لا وطنيًا ولا إنسانيًا، أن نقف متفرجين بينما يستهدفها الغاصبون، ونغض الطرف عن معاناة الشعوب في فلسطين وسائر الدول المنكوبة.
لقد آن الأوان للمجتمع الدولي أن يصحو من سباته، وأن يقف بمسؤولية أمام جرائم الحروب، والمجازر التي تمارس بحق المدنيين، وألا يبقى صامتا في وجه الصرخات القادمة من تحت الركام في غزة، ويجب العمل نحو وحدة موقف عربي-إسلامي شامل يقف سداً منيعا أمام مشاريع التوسع والهيمنة.
في العراق، قطعنا أشواطًا ملموسة نحو الأمن والاستقرار، لكن هذه المكتسبات لا تُحفظ إلا باليقظة الوطنية والحزم في الدفاع عن القرار السيادي، فقد أكدنا مرارًا، وبصوت لا لبس فيه، أن العراق ليس ساحةً للصراع، ولا منصةً للاعتداء على الآخرين، لكنه أيضًا لن يكون طرفًا خانعًا يُفرض عليه ما يخالف مصالحه الوطنية.
نحن لسنا دعاة صراع، لكننا أيضًا لسنا دعاة استسلام، نريد توازنًا يحفظ كرامة الدولة، وقرار الشعب، ومصلحة الوطن، وسنبقى، كما كنا، حسينيين في المنهج، أقوياء في الدفاع عن القيم، ثابتين في نصرة الحق، لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا.
على أعتاب استحقاق انتخابي مفصلي، نجد أنفسنا أمام مسؤولية وطنية كبرى. فالانتخابات المقبلة تمثل فرصة حقيقية لترسيخ الديمقراطية، وترجمة إرادة الشعب، وتحصين البلاد من الانحرافات. وهي دعوة مفتوحة لكل أبناء العراق للمشاركة بوعي ومسؤولية.
وهنا نخص بالحديث شبابنا، فهم وقود المستقبل، وسواعد التغيير. فكما نهض شباب كربلاء مع الإمام الحسين، حاملين راية الإصلاح، فإن شباب اليوم مدعوون لحمل مشعل التغيير الإيجابي. لا تتركوا الفرصة تفلت، ولا تستسلموا لليأس أو الإحباط. صناديق الاقتراع هي سلاحكم، فاختاروا بها من يمثل آمالكم، لا من خان ثقتكم.
يا أبناء هذا الوطن العزيز، لنحمل راية الحسين لا شعارًا عاطفيًا فقط، بل التزامًا عمليًا. لنحوّل عاشوراء إلى طاقة بناء، وميدان للإصلاح، ومنصة للمراجعة الذاتية والجماعية، لنكن حسينيين في قول الحق، وفي نصرة المظلوم، وفي العمل الجاد لبناء وطن مزدهر آمن.
منهجنا وطريقنا ما دمنا نؤمن بالكرامة، نرفض الظلم، وقيمنا حسينية ما دمنا نختار الإصلاح على حساب المصالح الضيقة. ومثلما كانت كربلاء ثورة على الظلم، فلتكن صناديقنا في الانتخابات ثورة حضارية تُرسّخ العدالة وتمنح الأمل لجيلٍ قادم.
كنا وسنبقى على العهد أوفياء لدماء الشهداء ثابتين على نهج العلماء، لن نحيد عن خط الإصلاح ولا نساوم على ثوابتنا.. فنحن أبناء الحسين..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat