المراقد الشريفة لآل بيت الرسول (ص) مقام السيدة خولة بنت الإمام الحسين (ع) في لبنان
علي حسين الخباز
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي حسين الخباز

إن الآثار الدينية، وتحديداً المراقد الشريفة لأنبياء الله وأوليائه، والتي شرّف أصحابها وباركوا بأجسادهم الطاهرة أرض لبنان. فهناك مقامات كثيرة يزخر بها لبنان في الجنوب والبقاع والشمال وبيروت.
مقام السيدة خولة (ع)كونه يقع في منطقة بعلبك، ارتأينا أن نتحدّث عن المقامات الموجودة في هذه المنطقة فقط، ونستثني بقية المقامات المنتشرة في باقي المناطق اللبنانية، كي يبقى البحث ضمن إطاره الجغرافي، وكي لا نتوسع كثيراً، فيفقد البحث رونقه التاريخي والجغرافي.
مقام النبي شيث (ع):
هو ابن النبي آدم (ع), ويقع مقامه على الجانب الغربي لسلسلة جبل لبنان الشرقية في وسط البقاع، وفي بلدة سميت باسمه، جُدد المقام بعدما جار عليه الزمان، بطريقة هندسية رائعة، حيث صار يضم مئذنتين وقبتين، ومسجدين، وقاعة الزوار التي من ضمنها الضريح، وقاعة للمحاضرات وباحة للزوار، وغرف للمنامة ومسلخ للنذور والذبائح.. يأتي الزوار لزيارة المقام من مختلف المناطق اللبنانية، بل ومن كافة أنحاء العالم الإسلامي، ويصل أحياناً عدد الزوار يومياً إلى المئات وخصوصاً أيام الزيارات كزيارة النصف من شبعان*، وزيارة أربعين الإمام الحسين (ع)*.
مسجد رأس الحسين (ع) في بعلبك:
ويعتبر هذا المسجد معلماً من معالم بعلبك التاريخية والأثرية والدينية، بني هذا الجامع في العام 61 هـ في بعلبك ويُعرف أيضاً بالمسجد المعلّق لوقوعه وسط برك رأس العين، ويذكر أنه أقيم على أنقاض معبد وثني قديم. وهناك رواية لابن شهر آشوب ترجع سبب بناء هذا الجامع لاكتشاف أهل بعلبك أن الجنود الأمويين الذين مروا ببعلبك بعد مجزرة كربلاء كانوا يسوقون سبايا آل الرسول (ص) ويحملون رأس الإمام الحسين (ع) فثاروا عليهم ولمّا لم يتمكنوا من أخذ رؤوس الشهداء عبّروا عن وفائهم ببناء مسجد في الموضع الذي وضعت فيه الرؤوس وأسموه مسجد رأس الحسين (ع)(1).
مقام النبي سام (ع):
يقع في بلدة شمسطار وهي بلدة بقاعية صغيرة في قضاء بعلبك تنتشر بيوتها على السفح الشرقي للسلسلة الغربية، وفيها مقام للنبي سام ابن النبي نوح (ع) وهو مقام متواضع ويحظى بالكثير من الزوار الذين يقصدونه للتبرك وإيفاء النذور.
مقام نبي الله أيلا (ع):
يبعد حوالي 16 كلم عن شتورا، ويقع وسط بلدة سميت باسمه وعلى تلة من أجمل المرتفعات في البقاع، ولدى زيارتنا لهذا المقام تفاجئنا بروعة المكان، حيث يمتد أمام ناظريك أجمل لوحة فنية صاغها الباري تعالى وسط بساتين من مختلف الثمرات والأشجار.. يتميز هذا المقام بقبته الخضراء العالية، بل ويعتبر تحفة بنائية مميزة.. يقصد المقام آلاف الزوار من كافة الأماكن للزيارة وإيفاء النذور، ويعتبر هذا المقام مقصداً ومحجاً للزوار من المسلمين والمسيحيين على السواء.
الكرك (قبر نوح) (ع):
تبعد الكرك 9 كيلو متر عن شتورا، وبلدة كرك نوح (ع) تقع عند سفح جبل صنين وترويها مياه نهر البردوني.. كانت مركزاً للحوزة الدينية.. فيها العديد من الآثار، ولعل أهمها مسجدها الأثري ومقام يقال أنه لنبي الله نوح (ع) أو لأحد أبنائه(2).
بداية لا بدّ من التعرف على صاحبة هذا المقام الشريف.
من هي السيدة خولة (ع)؟
هي خولة ابنة الإمام الحسين (ع). قد يتساءل البعض ما الذي أتى بها إلى منطقة بعلبك؟ ولماذا يوجد قبرها في هذه المنطقة بالذات؟ وبإجابة مختصرة نقول: بعد استشهاد الإمام الحسين (ع) في كربلاء. وفي اليوم الحادي عشر سبيت أخوات وبنات ونساء الإمام الحسين (ع) برحلة شاقة من كربلاء إلى الكوفة ومن الكوفة إلى الشام. ومن الطبيعي أن الرحلة إلى الشام ستمر في بلاد ومناطق كثيرة، فركب السبايا سار من حلب وحماه وحمص مروراً بمناطق لبنانية مختلفة ومتعددة، وصولاً إلى بعلبك ومرجة رأس العين، حيث يوجد مسجد رأس الإمام الحسين (ع)، وكما هو معروف أن القوافل في السابق ونظراً للسفر الطويل في الصحاري كانت تتبع مجاري الأنهار، والينابيع، مخافة العطش ولسقاية الحيوانات التي معهم، وكما هو معروف بأن المنطقة الممتدة من حلب حتى البقاع غنية بالخضرة وأشجار الفاكهة والأنهار والينابيع، وبالذات منطقة البقاع وبعلبك. فخط سير السبايا إذاً كان لا بدّ أن يمر في هذه المناطق. وكما تروي السير الحسينية* بأن القافلة حطت برأس العين، ثم بدير يعرف بدير العذارى القريب من قلعة بعلبك الشهيرة. من هنا نعلم لماذا دفنت السيدة خولة في بعلبك وتحديداً بالقرب من قلعة بعلبك الشهيرة.
المراقد الشريفة لآل بيت الرسول (ص) (2)
نعم شاء الله تعالى أن يقدّس هذه المنطقة بشذا عبير الطفولة الحسينية المباركة، والتي يقال أنها طفلة بعمر الثلاث سنوات، قد توفاها الله بهذه المنطقة بالذات، نتيجة السبي والسير الطويل والعطش والتعب. وتروي السير أيضاً أنه وطوال فترة المسير هناك مراقد مشرّفة لآل الرسول وهذا دليل على الوفاة التي كانت تحصل نتيجة ما أصابهم من عذاب وعطش وجوع.. وقد خص الله منطقة بعلبك بوجود هذا المرقد الشريف من رائحة الإمام الحسين (ع) العطرة والذي يفوح عبيرها على أرجاء المنطقة بأكملها.
وربما قد يتساءل البعض أيضاً في أي سنة اكتشف قبر السيدة خولة (ع)، ومن هو الشخص الذي اكتشفه. فمن الثابت أن رجلاً من آل جاري صاحب البستان الذي يحوي قبرها الشريف رأى طفلة صغيرة جليلة في منامه، فقالت له: (أنا خولة بنت الحسين مدفونة في بستانك) وعينت له المكان وأمرته بالقول حوّل الساقية (ساقية مياه رأس العين) عن قبري لأن المياه تؤذيني. فالمياه كانت آسنة، لكن الرجل لم يلتفت للأمر، فجاءته ثانية وثالثة ورابعة حتى انتبه الرجل فزعاً من هذه الرؤى، فهرع عندها للاتصال بنقيب السادة من آل مرتضى في بعلبك وقصَّ عليه الرؤية، فذهب النقيب ومن حضر من الأهالي، وحفروا المكان المشار إليه، وإذا بهم أمام قبر يحوي طفلة ما تزال غضة طرية، فأزاحوا البلاطات واستخرجوا جسدها المبارك، ونقلوها بعيداً عن مجرى الساقية، وبنوا فوقه قبة صغيرة للدلالة عليه.
وما إن ذاع صيت الحادثة التي يعود عمرها لمائتي عام تقريبا، حتى توافد إلى زيارة المقام محبّو أهل البيت (ع) حتى ضاق بهم المكان، فأصبح مشهدها المبارك مزاراً يأتيه العوام من مختلف المناطق والأطراف والبلاد لا سيما أيام عاشوراء والأربعين والجمعات والأعياد والمناسبات (3).
كذلك ولدى زيارتنا لمدينة بعلبك سألت أحد الأشخاص عمن اكتشف المقام، فروى هذه الرواية أيضا وأكدها، مما يدل على أنها من المرويات الثابتة والمتواترة لدى سكان المنطقة، وأخبرنا أن اكتشاف المقام يعود لمائتي سنة ماضية، ومنذ ذلك الوقت أصبح هذا المرقد الشريف مزاراً للمؤمنين من مختلف المناطق اللبنانية والبلاد العربية.
موقع المقام الجغرافي:
يقع مقام السيدة خولة على قطعة أرض (تبلغ مساحتها حوالي الألف وخمسمائة متر مربع) عند المدخل الجنوبي لمدينة بعلبك ومقابل مصرف لبنان، وهي أول ما يطالعك في هذه المدينة وقلعتها، ويحيط بالمقام الذي يُبنى اليوم بأرقى هندسة الأشجار الصنوبرية والحرجية، ووسط بناء المقام شجرة سرو معمِّرة ونادرة عمرها يربو على مئات السنين، وقيل إنها واحدة من الأشجار التي زرعت مع بناء القلعة، وعششت في تلك الناحية العصافير ما يضفي على المقام بهجة ورونقاً نادرين، وهذا المكان قد سجّل في مديرية الآثار لما يمتلكه من قيمة أثرية إضافة إلى قيمته الدينية والمعنوية، ويعتبر المكان حجاً للزوار من كافة المناطق اللبنانية، وذاع صيت المقام وكرامة صاحبته التي كانت ضمن ركب السبايا إلى الأمصار العربية والإسلامية. فصرتَ تجد القاصدين لزيارتها من سوريا وإيران ودول الخليج والدول الإسلامية الأخرى(4).
وصف المقام وتطوره العمراني: في إطلالة على وصف المقام وتطوره العمراني، نلاحظ أن المقام كان عبارة عن بناء حجري مربع (غرفة) طول ضلعه ستة أمتار يحوي الضريح الشريف الذي يضطجع في الزاوية الشمالية الغربية على يمين الداخل، وقد أقيم فوقه صندوق خشبي، مزخرف بآيات قرآنية وأشكال هندسية يفوح منها شذا القداسة وعطر النبوة، وللمقام جدران سميكة تحمل أربعة عقود حجرية مقوّسة تعلوها قبة حجرية صغيرة، وقد توسط محراب بسيط الجدار الجنوبي، وتشير البلاطات الخارجية إلى وجود مسجد صغير كان بإزاء المزار الذي تظلله شجرة سرو قديمة العهد المعروفة بنموها البطيء وباخضرارها الدائم. وقد قيل عنها أنها إحدى الشجيرات اليتيمات التي كانت ضمن الجنائن الرومانية الشهيرة، والتي كانت محيطة بالمعابد الرومانية في العصر الروماني (64 ق.م. عام 330 م). وقيل أيضاً: إنها زرعت للدلالة أو العلامة وكأن حولها أو قربها شيئاً مقصوداً، إذ يتردد بين العوام أن الإمام زين العابدين (ع) أمر بزرعها للاستدلال من خلالها على ضريح السيدة خولة (ع) .
أما الآن فقد تم توسعة المقام بمبادرة الخيرين، وبمبادرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي لها الأجر الأكبر عند الله بتحسين هذا المقام، فأول ما يطالعك بأعلى المقام من الخارج لوحة كبيرة مكتوب عليها: بمباركة ولي أمر المسلمين السيد علي الخامنئي وبرعاية وكيله الشرعي العام الشيخ محمد يزبك تم تجديد وتوسيع المقام في عام (1416 هـ)، وذلك عربون وفاء لشهداء المقاومة الإسلامية وعوائلهم الأبرار. فأصبح المقام بالحالة الجميلة التي نراه الآن. مقام كبير يتألف من قفص حديدي كبير، يتخلل هذا القفص فتحات صغيرة على شكل نوافذ، وبداخل هذا القفص احتفظ بالقفص الخشبي الصغير والقديم، والذي يحتوي بداخله ضريح السيدة خولة (ع). وهذا القفص الحديدي مزدان بآيات قرآنية، وأحاديث نبوية شريفة وأقوال لأئمة أهل البيت عليهم السلام من جميع الجهات. ثم لو نظرت إلى جدران المقام العالية، فكيفما توجه نظرك تجد أقوالا وأحاديث مزخرفة بطريقة جميلة، يختلط فيها الألوان ما بين الأزرق والأبيض والكحلي، بطريقة تبهر النظر، حتى كتابة الأقوال والآيات القرآنية، فقد كتبت بخطوط عربية مختلفة الأشكال والألوان. ووجدنا من المناسب ذكر بعض هذه الأقوال والكتابات مثلاً:
نبدأ بآية قرآنية شريفة: ﴿ قلْ لاَ أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ المَوَدَّةَ﴾.
وهناك حديث قدسي*: مكتوب على باب الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين خير خلق الله.
وأيضاً من أقوال الرسول (ص): مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهلك.
هناك بيت شعر لأحد أئمة أهل السنة وهو الشافعي يقول فيه:
يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم الشأن أنكم من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له.
أيضاً من الأشعار:
لا أضحك الله من الدهر إن ضحكت ** وآل محمد مظلومون قد قهروا
ويوجد في المقام أيضاً لوحات خشبية مختلفة الأحجام، مكتوب عليها زيارة السيدة خولة (ع)*، وقد كتبت هذه الزيارات بخطوط تختلف من لوحة إلى لوحة، فمنها ما كتب بخط ذهبي، ومنها ما كتب بطريقة ملونة, ومنها ما كتب بخط أسود... ويوجد في المقام أيضاً خزائن صغيرة يوضع فيها المصاحف الشريفة، وكتب أدعية وزيارات (كمفاتيح الجنان)، وكتب دينية أخرى تتناول سيرة الرسول وأهل البيت (ع).. ويُفصل المقام من الداخل بستار صغير من القماش منعاً للاختلاط والتزاحم بين النساء والرجال، خاصة في أوقات الزيارات كالأربعين والخامس عشر من شعبان. فأهمية هذا الستار بأنه يعطي الحرية الكاملة بممارسة الشعائر الدينية لكلا الطرفين، وهذا الستار الفاصل نجده في جميع المراقد الشريفة والمقدّسة. وذلك للحفاظ على خصوصية قيام النساء والرجال بواجباتهم الدينية من صلوات مستحبة وقراءة قرآن وغيرها من الأمور العبادية والتي يستحب القيام بها داخل المقام..
ومن أعمال التحسين في المقام أيضاً، بناء غرف صغيرة على المدخل وذلك لوضع الأحذية والحفاظ عليها من الضياع أو سرقتها وقت الازدحام, وهناك شاب مسؤول عن هذه الخزائن. فعند دخولك إلى المقام يعطيك كارتا صغيرا، عليه رقم لكي تحصل لدى خروجك على حذائك بسرعة. وهذه الطريقة المرتبة والمنظمة ساعدت كثيراً في الحفاظ على أحذية الزوار، لأننا كنا بالسابق نسمع عن حالات ضياع كثيرة حتى عن حالات سرقة للأحذية، فهناك من يستغل وقت الزيارة للقيام بالسرقة. كذلك نجد هذه الخزائن المرتبة في جميع المراقد الشريفة حتى في المساجد والحسينيات. أما في ما يخص الشجرة التي ذكرناه بالأعلى فهي كانت قبل تحسين المقام ملاصقة له مباشرة، فكانت الناس تأخذ منها أوراقا صغيرة للتبرّك، كونها وكما هو معروف لدى العوام بأن الإمام زين العابدين هو من زرعها، ويحكى عن كرامات كثيرة لهذه الشجرة، فالناس ونظرا لتعلقهم وحبهم وإيمانهم بأهل البيت وبكراماتهم يأخذون أوراق منها لعلاجهم من مختلف الأمراض. وهذا الأمر كاد أن يؤدي إلى يبوسة هذه الشجرة وخسارتها، مما حدا بالمعنيين والقيمين على المقام وحفاظاً عليها، بأن أحاطوها بقفص زجاجي كبير وعالٍ يمنع الأيدي من الاقتراب منها، أو قطع أوراقها. أما نوع هذه الشجرة فمنهم من يقول: بأنها من نوع السرو، وعمرها يعود لمئات السنين، والبعض من سكان بعلبك أخبرني بأنها من نوع اللزاب، على كل حال فهي شجرة ضخمة جدا تخترق المقام نحو الأعلى بسمو وتباهٍ.
ويوجد في داخل المقام أيضاً صندوق صغير للتبرعات والصدقات، وذلك مساهمة في تحسين وتوسيع المقام. وهناك أيضاً أناس يضعون أموالاً داخل القفص الحديدي وليس فقط في صندوق التبرعات, وهؤلاء الأشخاص ممن في ذمتهم نذورات أو قضيت حوائجهم فيفِّضلون وضع أموالهم بقفص السيدة، وذلك عربون شكر ووفاء لها لأن الله سبحانه وتعالى قضى حوائجهم ببركة هذه الطفلة. واللافت أن جميع الأموال سواء في صندوق التبرعات أو في داخل القفص تصرف في أعمال تحسين وتوسيع المقام، وأيضاً يصرف جزء من هذه الأموال كرواتب رمزية للخدم الذين يشرفون على نظافة المقام.
هذا باختصار حال المقام من الداخل وذلك بعد عملية تطويره وتحسينه. نأتي الآن إلى وصف المقام من الخارج.. فيطالعك المقام بهندسة رائعة تعلوه مئذنتان كبيرتان مزدانتان بزخارف جميلة جداً، كذلك يتميّز المقام بقبته الكبيرة ذات الشكل الدائري باللون الأزرق، بحيث إنك بمجرد وصولك على مشارف بعلبك فإنك ترى المقام شامخاً بقبته الزرقاء ومئذنتيه .. ويوجد على باب المقام زيارة استئذان*..
في الباحة الخارجية للمقام يوجد محلات صغيرة لبيع الأشرطة الدينية والعلاّقات المختلفة الأشكال والأحجام والموجود، عليها صور للسيد حسن نصر الله، وأقوال دينية، وآيات قرآنية، أيضاً يُباع في هذه المحلات والتي تشبه إلى حد ما المكتبات الصغيرة كتيبات تحكي عن تاريخية المقام، وعن الآثار المهمة الموجودة في مدينة بعلبك والجوار، وغيرها من الأمور التي تستهوي الزائر والسائح. ويوجد أيضاً في الباحة الخارجية أماكن للوضوء ومراحيض وجميعها تتميز بالنظافة والترتيب، فهناك أشخاص مسؤولون عن الاهتمام بنظافتها وترتيبها.. فمن يشرف على أمن المقام ونظافته امرأتان وأربعة رجال، مهمتهم السهر والعناية بالمقام، ومساعدة الزوار إن أرادوا الاستفسار عن أية معلومات تخص المقام. لذا فحالة التنظيف مستمرة طوال اليوم.
أيضاً يوجد في الباحة الخارجية مكان صغير لإضاءة الشموع والتي تضاء للدلالة على أنها نذور.
أيضاً بني طابق ثاني أضيف إلى المقام هو عبارة عن مسجد ملحق بالمقام، وهذا المسجد في بنائه قد جارى حركة التوسع التي أضيفت على المقام، وذلك تسهيلاً لحركة الزوار عند الاكتظاظ في أوقات الزيارات وإقامة صلوات الجمعة والجماعة.
ومن الكتابات المزخرفة التي تزين جدران المقام من الخارج:
السلام على صالح المؤمنين، السلام على يعسوب الدين والإيمان..
سودت صحيفة أعمالي ووكلت الأمر إلى حيدر..
وغيرها من الأقوال والأحاديث التي تحفل بها جدران المقام من الخارج..
هذا بشكل عام أهم ما استطعنا رصده ونقله وصفاً لمقام السيدة خولة في الماضي وفي الحاضر؛ أي بعد التطورات والتحسينات التي حصلت من قبل التبرعات ومساهمات الخيرين..
دور المقام في حياة المسلمين عامة والشيعة بشكل خاص، وذلك في لبنان وباقي الدول العربية: كانت المراقد الشريفة لآل بيت الرسول ولا زالت تلعب دوراً مهماً في حياة المؤمنين في أيٍ مكان كانوا، وكانت ولا زالت ملاذاً لأصحاب الحوائج، والسيدة خولة هي ريحانة من رياحين أهل البيت، لذا من الطبيعي أن يكون مرقدها الشريف معلماً من معالم الإيمان والنور، وملاذاً للخائفين، وملجئاً للتائبين، من هنا نرى أن الزوار الشيعة يتهافتون إلى زيارة السيدة خولة من مختلف المناطق اللبنانية، بل ومن مختلف الدول العربية والإسلامية. ومن اللافت أن زوار السيدة خولة ليسوا فقط من طائفة دون أخرى، فالزوار من مختلف الطوائف، فكل من له حاجة يقصدها خاصة سكان المنطقة، حيث يوجد المرقد الشريف. لما لهذه الطفلة من قداسة وكرامة عند رب العالمين، فالجميع يأتي تبركاً وتوسلاً وتقرباً من الباري تعالى لقبول أعمالهم وقضاء حوائجهم. فدورها المبارك كبير في حياة المسلمين المؤمنين كافة. فهي قبلة المحبين ومحجاً ومقصدا لأصحاب الحوائج، وباباً من أبواب التوبة إلى الله عز وجل.
أثر المقام في حياة المنطقة المحيطة به:
أولاً: على المستوى الاقتصادي:يساهم المقام في تحريك العجلة الاقتصادية في مدينة بعلبك والمنطقة المجاورة، كونه يقع في قلب المدينة وعلى مقربة من قلعة بعلبك الشهيرة، فهو يستقطب الزوار من مختلف المناطق والبلاد العربية، وكون المقام أصبح معلماً أثرياً مهماً خاصة بعد أن ضمته وزارة السياحة إلى هيئة الآثار. فزيارة المقام هي على مدار أيام السنة فلا يمر يوم واحد إلا وقافلات الزوار تتهافت إلى منطقة بعلبك لزيارة هذا المقام وغيرها من الآثار. مما يساهم بشكل رئيسي في ازدهار الحركة الاقتصادية في هذه المنطقة ويساعد في إنعاش الوضع المعيشي أيضا للمناطق المجاورة.
ثانياً: على المستوى المعنوي: هناك إيمان فطري لدى محبي أهل البيت بأنهم وسيلة نجاة تقرِّبنا إلى الله، وبأنهم قضاة الحوائج بإذن الله، لذا ترى هذا الإيمان الفطري متوجه أيضاً نحو هذه الطفلة بأنها قاضية للحوائج، وأنها صاحبة كرامات ومعجزات، وقد روى لنا أحد الأشخاص بعضا من الكرامات والمعجزات التي حصلت بإذن الله وكرامة لهذه الطفلة. فمن هذه الكرامات أن أحد خدام المقام واسمه الحاج نايف عطية توفي لساعة من الزمن، فرأى في منامه السيدة خولة عليها السلام وقالت له: ستعيش وحدَّدت له الوقت والسنة اللذين سيموت بهما، وبالفعل فقد عاش المدة التي حددتها له السيدة خولة، وعندما حان الوقت المحدّد توفي هذا الرجل. وهذه القصة مشهورة في بعلبك ويرويها أحفاد هذا الرجل حتى الآن.
من الكرامات أيضاً أنه ولدى سماع مجلس عاشوراء في مقام السيدة خولة (ع) فوجئ الناس بالثريا المعلّقة فوق المقام تهتز، وفي هذا الوقت دخلت فتاة سافرة (غير محجبة)، وإذ بها تقف بالباب جامدة، وبعد لحظات استفاقت، ومن الطبيعي أن يجتمع الناس حولها لأنها كانت بحالة شبه إغماء، فسألوها ما الذي حصل معك، فقالت: حضرت علي السيدة خولة عليها السلام ووضعت يدها علي، وقالت لي تستري. (أي ضعي حجاباً على رأسك). وقد حصلت مع إحدى قريباتي معجزة من معجزات السيدة خولة، فقد تزوجت قريبتي وقد مضى على زواجها ما يزيد على الاثني عشر سنة، ولم ترزق بولد، وقد حاولت مع الطب كثيراً لكن الطب عجز، وهي يئست من إجراء العمليات والوعود، فما كان عليها إلا أن ذهبت إلى طبيبة من نوع آخر طبيبة خصها الله بكرامة عالية، وهذه الطبيبة هي السيدة خولة عليها السلام، فذهبت قريبتي إلى مقام السيدة خولة لزيارتها، وهناك نذرت أنها إن رزقت بولد ذكر ستسميه حسين على اسم الإمام الحسين (أي والد السيدة خولة)، وإن رزقت بفتاة ستسميها خولة، وكان نذرها بخشوع وإيمان. وبعد فترة وبإذن الله حملت هذه المرأة وأنجبت فتاة وأسمتها خولة على اسم السيدة خولة، وللدلالة على هذه الكرامة أن قريبتي هذه لم تنجب غير هذه الفتاة. ولم تحمل مرة ثانية. فسبحان الله حيث يضع سره.
بعد ذكر هذه الكرامات نلاحظ أن محبة أهل البيت فطرية ومعنوية، وموجودة في قلب كل شيعي وكل مؤمن بمنزلة أهل البيت العظيمة وقربهم من الله سبحانه وتعالى.
ثالثاً: على المستوى العبادي: كل من يزور المقام يعلم أنه يشكِّل مكاناً عبادياً كبيراً ففيه تقام الصلوات الخمس؛ (أي الصلوات اليومية الواجبة على كل مسلم) بشكل جماعي ويومي، وذلك بإمامة الشيخ على فرحات، أما صلاة الجمعة فهي تقام بإمامة الشيخ محمد يزبك، كذلك نلاحظ الزوار طوال اليوم منهم من يصلي صلاته الواجبة، ومنهم من يهدي صلوات مستحبة للأهل والأصدقاء.. ومنهم من يجلس بجانب المرقد الشريف ويطلب من الله قضاء حوائجه، ومنهم من يقرأ القرآن ويقرأ زيارة السيدة خولة ثم يصلي ركعتين يهديهم لصاحبة المقام.. فالمقام يشكِّل ناحية عبادية مهمة في حياة الأفراد الذين يزورنها.. وقد سألنا أحد الأشخاص عما يمثله له المقام من الناحية العبادية، فكانت الإجابة بأنه يشعر بأن المقام هو قطعة من كربلاء، لأن صاحبته هي بضعة الإمام الحسين، وأنه يشعر بغربتها وبعدها عن أهلها، لذا يشعر بخشوع كبير عندما يأتي لتأدية الصلاة داخل المقام. وأخرى أجابت بأنها عندما ترى أصحاب الحوائج متعلقين بأركان المقام، وعندما ترى كثرة المصلين فإنها تشعر بخشوع كبير وقرب من الباري سبحانه وتعالى.
رابعاً: على المستوى الثقافي:
بعد توسعة المقام وتحسينه تحوّل المقام إلى مركز ثقافي مهم، حيث تقام فيه المحاضرات الدينية، وتعقد المؤتمرات والندوات الفكرية والثقافية في قاعة المحاضرات التابعة للمقام، كذلك تعتبر مجالس عاشوراء التي تقام في كل عام ملتقىً ثقافياً ودينياً كبيراً يؤثر في حياة الأفراد وعلى المستويات كافة.. أيضاً يُقام في المقام مناسبات أفراح واحتفالات دينية (موالد) بمناسبة ولادات أئمة أهل البيت(ع). وغيرها من النشاطات الثقافية..
خاتمة:
هذه هي السيدة خولة وبلمحة موجزة لا تفيها حقها، فهي طفلة من أطفال الإمام الحسين عليه السلام الذين جار عليهم الزمن، وظلمهم طغاة الاستبداد، ثم سبوهم من مكان إلى مكان، فمنهم من قتل مع الحسين في كربلاء، ومنهم من سبي وتشرّد مع ركب السبايا الذي سير بهم من بلد إلى بلد، فمن الطبيعي أن يتعرض هؤلاء الأطفال، ونتيجة للجوع والعطش أن يتعرضوا إلى المرض ومن ثم الموت في الطريق، وطوال رحلة السبي قد احتوت تراب بلاد كثيرة أجساد هؤلاء الأطهار من فلذات كبد الإمام الحسين، والسيدة خولة عليها السلام هي طفلة أيضاً شاء القدر أن تحط قافلة سبيهم رحالها في بعلبك، وشاء الله أن تحتوي تراب هذه المدينة جسد هذه الطفلة ليصبح مكان دفنها فيما بعد وبعد أن تم اكتشافه منارة للقداسة ورمزاً للطهارة. وفي الختام وبعد أن أوجز يراعنا أهمية مرقد السيدة خولة بحياة أهالي منطقة بعلبك والجوار والأدوار المهمة التي يلعبها سواء من الناحية الاقتصادية أو المعنوية أو الثقافية أو العبادية، فإننا نتقدم من هذه الطفلة التي ظلمها حكام الجور، وأبعدوها عن الأهل، وبقيت غريبة حتى بمماتها، بهذا البحث المتواضع الذي لا يرقى إلى مقامها الشامخ علنا ننال القليل من شفاعتها، وعلنا نكون قد قدمنا شيئاً مفيداً عن حياتها يستفيد منه كل من يجهل مكانة هذه الطفلة وقدرها الكبير. وكرامتها عند الله سبحانه وتعالى فيا سيدتي نحن المذنبون ونحن الخاطئون فاشملينا بعطفك وشفاعتك أيتها الطفلة الغريبة عن الأهل والأوطان.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat